مع انتشار عدوى الثورات في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، كان من الطبيعي أن يعرف المغرب حراكا مماثلا نظرا لتشابه البنيات الإجتماعية بين دول المنطقة بشكل يؤهل شعوبها جميعا لاستنساخ النموذج التونسي. و هكذا كان، حيث أسقط شباب 20 فبراير أكذوبة " الإستثناء المغربي" التي تتردد في هذا البلد باستمرار، عندما خرجوا مطالبين بالتغيير.
لم تكن مبادرة شباب 20 فبراير مجرد خطوة طائشة كما حاول أن يصورها البعض. فقد حركت هذه الحركة كثيرا من المياه الراكدة في الواقع السياسي المغربي، واستطاعت أن تكشف ضعف الأحزاب السياسية التي ابتعدت عن نبض الجماهير، و تخلت عن دورها في تأطير الأفراد و الإرتقاء بالممارسة السياسية بما ينسجم مع شعارات الحداثة و الديموقراطية التي يرفعها المغرب الجديد. و كان هذا الخروج " المحتشم " إلى الشارع يحمل أكثر من دلالة لأنه عبر عن مطالب مشروعة و عادلة من أجل مغرب نتوق إليه جميعا. و بدا واضحا أن رسائل " شباب الفيسبوك " قد وصلت بكل أمانة إلى صانعي القرار السياسي في بلادنا، و اتجهت الأنظار إلى المؤسسة الملكية التي تحمل مفاتيح الحل و العقد، والتي تحظى بكثير من الإحترام من طرف أبناء هذا الشعب. و هكذا حملت الأيام الأخيرة مجموعة من الأخبار و الإشاعات التي كانت تؤشر إلى مرحلة جديدة تتناغم مع لائحة المطالب الإصلاحية التي تم الإعلان عنها بوضوح. و جاء الخطاب الملكي التاريخي الذي أعلن فيه عن إصلاح دستوري " يهدف إلى تحديث و تأهيل هياكل الدولة" كاستجابة مباشرة لتطلعات و انتظارات المغاربة.
لقد كان من اللازم أن يبادر الملك بخطوة في هذا الإتجاه، لأنه من غير المقبول أن يظل المغرب بمعزل عن رياح التغيير التي تهب على المنطقة. كما أن الأوراش السياسية و الإجتماعية التي دشنها المغرب تحتاج إلى سند دستوري واضح و فعال لتحقيق الأهداف المنشودة، وخصوصا في ما يتعلق " بالجهوية الموسعة". لذلك فإن المراجعة الدستورية التي أعلن عنها في هذا الخطاب تعبر عن إرادة حقيقية من أجل التغيير. و عندما نقرأ المرتكزات التي حددها الخطاب الملكي كأساس للتعديل الدستوري نستطيع أن نكتشف كثيرا من ملامح المستقبل في المغرب. و يبدو أن مطلب دسترة الأمازيغية و ترسيمها أصبح في طريقه إلى التحقق الفعلي. و ذلك ما يوحي به المرتكز الأول الذي يتحدث عن الأمازيغية " كرصيد لجميع المغاربة ". و لأن مؤسسة القضاء تمثل الرهان الحقيقي لدولة الحق و القانون فإن الدستور الجديد ينبغي أن يحمل الضمانات التي تمكن القضاء من أداء دوره باستقلالية كاملة. و ذلك ما يؤكد عليه المرتكز الثالث الذي ينص على " الإرتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة ". وهذا يعني أن التعديل المنتظر ينبغي أن يتضمن إشارات لا لبس فيها لقضاء يتمتع بكامل الإستقلالية. أما المرتكز الرابع فيحمل تصورا لمستقبل السلطتين التنفيذية و التشريعية، و ذلك من أجل دولة مؤسسات حقيقية تحتكم إلى المحاسبة و المسؤولية. و ذلك ما يؤكد عليه المرتكز السادس الذي ينص على: " تقوية آليات تخليق الحياة العامة، و ربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة و المحاسبة.". و يبدو أن شعار " الحكامة الجيدة " الذي عرفه المغرب منذ عدة سنوات لن يجد طريقه إلى الواقع إلا من خلال نص دستوري يوزع الأدوار، و يحدد المسؤوليات بما يراعي مطلب فصل السلط الذي يعد حجر الزاوية في كل بناء ديموقراطي.
إن الإنخراط في التعديل الدستوري يثبت أن المؤسسة الملكية قد التقطت الإشارة جيدا. و يثبت أيضا أن الملك يتقاسم أفراد الشعب منتظراته و هواجسه. و بمثل هذه الخطوات و المبادرات نستطيع أن نقول: إن المغرب ليس تونس أو مصر... لذلك فإن إمكانية الحديث من جديد عن " استثناء مغربي" ممكنة في المرحلة المقبلة. لكنه سيكون استثناء بالفعل و ليس بالقول فحسب. محمد مغوتي.09/03/2011.
التعليقات (0)