عودة الى الجاهلية : و أد البنت و جريمة الشرف
بقلم : حنان بكير
المنفى لا يهبُ نفسه للناس, تشهد بذلك مراكب الموت التي تضلّ طريقها في نقل المهاجرين. و يشهد بذلك ذل أِتلاف جوازات السفر في المطارات‘ و مافيات تهريب البشر ‘ و الحدود التي تشهد التسلّل الغير لائق ببني البشر. لكن الجنة الموعودة سرعان ما تخذِلُ هؤلاء المغامرين بعد حين لن يطول‘ و الجحيم الكبير يصبح أُتونا صغيرا.
ينصرف حديثي هنا عن البلاد الاسكندنافية‘ و أخص النرويج ‘ لأنها احدى المحطات التي حلَلْتُ رحلي بها. و أنتقي من تشكيلة المشاكل و الهموم التي تعرك الناس هنا وضع المرأة المسلمة ‘ سواء كانت عربية أو غير عربية.
و مناسبة الحديث هي ما تطفح به الصحف النرويجية من مشاكل محورها النساء, و التي لا تختلف بشيء عن مشاكلهنّ في بلدان المنشأ‘ حيث نقرأ خبرا في صحيفة عربية عن جريمة شرف‘ ثم نقرأ خبرا مرادفا له في النرويج... جرائم الشرف هي هي .. و الاكراه على الزواج واحد و ان تعددت و آختلفت الأمكنة.
معلوم أن غالبية المهاجرين الى البلاد ألاسكندنافية هم من الطبقة المتواضعة ثقافيا و اقتصاديا, و ذلك بسبب النظام الاجتماعي في هذه البلدان التي تضمن كرامة من بلغ الشيخوخة أو عاني من المرض أو البطالة‘ و هي الضمانات التي لا تتوفر في دول العالم الثالث‘ و بالتالي فانه يصعب على هذه الطبقة ألاندماج في المجتمع الجديد‘ و الاستفادة من انجازات الحضارة الغربية كما استفاد رواد النهضة العربية التي لم يتح لها فرصة الحياة و الاستمرار‘ فقضت فتية يانعة.
واذا كان خوف المهاجرين هو فقدان الهوية و الثقافة الأصلية ‘ فان الجيل الثاني من المهاجرين يدفع ثمنا باهظا لتلك المخاوف‘ اذ يعيش حالة الازدواجية و الانفصام بين ما يعايشه في المدرسة و الشارع و بين ما يُقَدّمُ له في البيت من تربية على أنها الأفضل و الأمثل‘ و يُعبّأُ بضرورة رفض الثقافة الغريبة التي تتعارض مع عاداته و تقاليده و دينه.
و كنتيجة للتربية التقليدية التي تبيح للصبي كل شيء و تحرم على البنت كل شيء‘ فان الضحية الكبرى هي الفتاة. ومن أول المشاكل الشائعة هي الاكراه على الزواج و في سن مبكّر‘ اذ يختار الأهل لبناتهن أزواجا من بلدانهن الأصلية‘ و ربما من نفس العائلة, وهي الفكرة التي يرحب بها شبان يتوقون للهرب من من جحيم بلدانهم الى فردوس المهجر‘ رغم التفاوت الثقافي و الاجتماعي بين نشأة الفتاة و تعلّمها في النرويج و بين شاب لم يعرف غير حدود قريته‘ و ربما لم يعرف طريق المدرسة في حياته. لا يطول الوقت حتى يدب الخلاف بين الزوجين و في معظم الأحيان يمارس الزوج العنف الجسدي و النفسي ضد الزوجة التي تلجأ الى مركز البوليس أو الى المؤسسات التي تحمي المرأة من العنف.
و بالمقابل أيضا هناك الكثير من المهاجرين في النرويج الذين عرفوا زيجات عدة و ربما من بينها الزواج من نرويجية للحصول على الاقامة و قد تقدم بهم العمر قليلا فيطلبون الزواج من فتاة صغيرة من بلدانهم الأصلية يأتون بها و يحرصون اشد الحرص على عدم تعلّمها اللغة النرويجية, و يحرّمون عليها الاختلاط مع الآخرين حتى لا تتعرف على حقوقها‘ في بلد يعطي المرأة الكثير من الحقوق و الدعم ‘ فيضيق الخناق حول عنقها حيث تضطر الى اللجوء الى المراكز التي تحميها.
أول حكم قضائي للإكراه على الزواج
يتعاون البو ليس مع دائرة حماية الطفل و مركز حماية المرأة لحل المشاكل العائلية بأناة و صبر قد يمتد لسنوات في محاولة لإصلاح ذا ت البين قبل اللجوء الى المحاكم. لكن استفحال تلك المشاكل دفعت المحكمة أخيرا الى اصدار أول حكم بالسجن بتهمة الاكراه على الزواج تحت طائلة التهديد. تم ذلك على أثر اكراه فتاة كردية‘ في السابعة عشر من عمرها ‘ على الزواج من شخص اختاره الأهل لابنتهم‘ حيث تم استدراجها الى العراق و أرغمت على الزواج تحت طائلة التهديد‘ و بعد عودتها الى النرويج استمر الوالد في تهديده و ممارسة العنف ضدها بعد طلبها الطلاق.
أثار هذا الحكم الكثير من الجدل و النقاشات في وسائل الاعلام و في الدوائر المختصة. وصفه البعض بالقرار التاريخي‘ الذي سيوقظ العناية الدولية بهذه المشكلة. بعض علماء الاجتماع رأوا فيه صبا للزيت على النار لأن شعور الرجل بفقدان سيطرته على عائلته و اهتزاز مكانته فيها سوف يدفعه الى ممارسة المزيد من العنف. فيما رأى البعض آلا خر إن يكون الحكم مخففا حتى لا ينعكس سلبا على وضع المرأة ضمن اسرتها‘ سيما و أن الفتاة صاحبة المشكلة قد طلبت تخفيف الحكم على والدها و أخيها .
زوبعة السجال هذه دفعت بفريق آخر للتصدي لموضوع له علاقة بأنواع الزيجات‘ و هو الزواج المدبر أو المنظم من قبل الأهل‘ و ضرورة التمييز بينه و بين الإكراه على الزواج.
و تأتي بالتزامن مع تلك المشكله قضية امرأة نرويجية من أصل باكستاني, و التي قُتِلَتْ في حادث سيارة غامض نجا منه السائق‘ و دارت الشبهات حول كون الحادث مدبرا و تكمن خلفه جريمة شرف. ألقي القبض على الوالد و الجد لجهة الأم و السائق في باكستان. و كون العائلة من مواطني النروج فان الحادث شهد اهتماما نرويجيا كبيرا‘ و حرك القضاء و البوليس النرويجي للتحري في القضية, و طالب بتشريح الجثة بعد عدة أيام من دفنها مما اعتبره بعض الباكستانيين حراما و مخالفا للشريعة. .فيما طالب آخرون بأن تقوم امرأة جراحة بعملية التشريح.
يتزامن ارتفاع نسبة جرائم الشرف في بعض البلدان العربية و في المهجر‘ مع نمو الحركات الأصولية‘ ومع الهجمة الشرسة ضد الاسلام كدين‘ و هذا ما يعطي انطباعا بأن الدين هو القاعدة الشرعية التي تستند عليها تلك الجرائم التي توسم "بالشرف" مع كل ما يرد من تناقض في مضامين هاتين الكلمتين‘ (شرف جريمة) و هو الموضوع الذي كان مصدر نقاش و لم يستطع كثير من النرويجيين كتابا و باحثين اجتماعيين من فهم تلك العلاقة الملتبسة بين الشرف و الجريمة.
لقد حرّم الاسلام وأد البنت‘ تلك العادة التي سادت في عصر الجاهلية , لخشية العرب آنذاك على شرف القبيلة أو العائلة من (بعبع) السبي و تدنيس شرف القبيلة... واذا كانت الموؤدة تدفن حية و هي حديثة الولادة , فانها اليوم تقتل و لذات السبب و هي في سن النضج‘ و لمجرد الاشتباه أو الشك بتدنيسها "لشرف العائلة". لا فرق بين الجريمتين.
ألاسلام حرم الجريمة الأولى. فمن سيحرّم الجريمة الثانية؟ ان قتل امرأة في سن النضج‘ و غالبا ما يكون "البطل" القاتل يصغرها سنا او معرفة و نضجا ‘ انما هو امتهان ليس لكرامة المرأة فقط. وانما هو امتهان لقدراتها و عقلها‘ الا اذا اعتقدنا بنقوص عقلها و حاجتها الى ولي أمر حتى و ان بلغت أرذل العمر . بالاضافة الى ان هذه الجرائم تحمل تمييزا على اساس الجنس و تتناقض مع مقررات مؤتمر بيكين والذي صادقت عليه معظم الدول العربية التي تشهد ارتفاع نسبة هذه الجرائم.
في غزة مثلا ما معنى ان تقتل فتاة في سيارة مع شاب و هي بالمناسبة محجبة‘ للاشتباه بسلوكياتها‘ وليتبين بعد ذلك أنه خطيبها و على سنة الله و رسوله‘ و لكن بعد أن غادرت الى العالم الآخر. و يأتي التبرير بعد ذلك بأقبح من الذنب. حادث لا يحمل الا بصمات طالبان و الجاهلية الجديدة. قتلة امتهن شرفهم الوطني فانتقموا من الحلقة الأضعف لاسترداد بعض من رجولتهم الممتهنة.
التعليقات (0)