مواضيع اليوم

عواطف مبتورة وشهوات ممتدة.

أحمد الشريف

2014-01-10 21:02:45

0

عواطف مبتورة وشهوات ممتدة. الق النهارات المخادعة.
حسني حسن
بعد مجموعته القصصية المتميز " مسك الليل " يأتي الكتاب الثاني لأحمد الشريف ليعزز من اعتقادنا بأننا أمام صوت خاص , لقاص من نوع خاص" كأنة نهار" رواية الشريف الأولي تمضي علي ذات الدرب التعبيري المخاتل الذي يشتقه ويجهد في تعبيده لرؤاه وسخريته منذ قصصه الباكرة في" مسك الليل "
مع قدوم العقدين الأخيرين من القرن العشرين غدت الرواية أوسع أشكال التعبير الأدبي انتشارا , وتطالبا في مصر والبلدان العربية أسوة بما حدث , في أوربا , والأمريكتين قبل عقود, من ذلك التاريخ والمتابع لفيض النصوص الروائية الذي خرجت علينا به دور النشر العربية العامة , والخاصة علي مدار العشر سنوات الأخيرة تحديدا , لن يتردد طويلأ أمام اعتبار الرواية , الشكل الأدبي الأوضح حضورا , في المشهد الإبداعي العربي إنتاجا وتوزيعا أو تأثيرا في الوعي , والذائقة الجمالية للقاري , ولعل هذا القاري الأكثر رقيا علي أية حال من مشاهد الدراما التلفزيونية الكسول يتطلع إلي أن يلقي في الرواية ما لا يلقاه , في غيرها اعني تعبيرها العميق الشامل والأخاذ عن ضميره وحيرته , وقلقة الوجودي , ومسئولياته , وفشله وطموحاته الروحية أي باختصار كل ما كان فيما مضي موضوعا للشعر وللحكمة كما للتصوف وللتاريخ وللملامح الشعبية معا مولية في نفس الوقت اقل عناية للتزيين أو للترميز ومستهدفة تواصل متعة تدفق ونمو وترقي مادة الحكي باعتبارها مادة الحياة وجسد الواعي ذاتهما في أبعادهما , الخارجية والباطنية , علي السواء ولربما كان ذلك بعض المعني المضمر في مقولة ر.م البيريس وكتابة المرجعي المهم" تاريخ الرواية الحديثة ":
يقول أن الرواية هي بديل الموت .
فهي تثبت مصيرا ما , مهما كان نوعه إلا أنها تثبته في نهاية المطاف , ولنقل هذا بصوت خافت " الرواية محل فكرة الأبدية هذه , الفكرة التي هي تعويض يتجدد دائما. وتسعي حكايات احمد الشريف بطريقتها الخاصة وبتعثراتها الخاصة أيضا إلي التغني بابهامة الحياة الجذاب وبلانهائية سخرياتها وعطاياها في مواجهة جدب وإعتام المصائر الفردية لأبطاله , الذين يفتقرون إلي كل ما يمكن أن يربطهم بالبطولة اللهم إلا وحدتهم وقلقهم الأخلاقي واضطراب أرواحهم المسكونة بالفراغ والعنة والشهوات المنكسرة والليل. البطولة الوحيدة في كأنة نهار محجوزة سلفا وأبدا باسم الليل و هذا الليل الذي يغمر بفسقه وتقواه كل شي ونتعرف فيه علي ذلك الأثير الوسيط بين أشباه أبطال
---الشريف وبين و جودهم الفاهي الذي يثقل علية وعليهم اقصد السخرية وابعد من ذلك بقليل انتظار ما لن يجيء من بعد أن اهدرناه غافلين و مستهترين أبدا أبدا. *
راحة القلب في الليل . العينان اللتان فقدتا الأبصار. القلب الذي لم يعد يدق لأمراه ثانية. الأصدقاء الذين اختصروا في واحد أو اثنين. الابن الوحيد. الزوجة التي لم تعد تعنيه أو يعنيها بعد اكتشافها علاقته بثريا. كل هذا بات كالصدى. يتحدث مع ابنة من وقت لأخر. يحاسبه علي فلوس مزارع الدواجن ومناحل العسل ومحلات اللبن والبيض. يناقشه بحماس وعقل صاح. هذا ما يظهر, لكن بداخلة خبا كل شي. انطفأت القناديل كما أنطفا بصرة. لم يتبق له سوي الليل. هل يقدر أن يقبض علي الليل ويقطعه قطعا صغيرة يدفع بها في قلوب المحزونينّ .لأشي يبقي الكل باطل*
وهكذا يمضي السرد متنصتا علي فوضي الحياة الضائعة غير المستعادة بتفصيلاتها الحزينة الساخرة وبوقائعها الرتيبة المبهظة, وبحكاياتها العجائبية الملفقة وعن إبريق الماء الذي لا يفرغ أبدا في سوق القرية الأسبوعي, أو عن النفق الذي يبدأ من أسفل بيت إسحاق يونان قرب بحيرة قارون وينتهي عند بحر الإسكندرية, أو عن ليالي الفشل المستدام يمضيها عبد الله أبو الحمد في اشتعال البخور والتنقيب في بطون كتب السحر القديمة سعيا وراء دواء لعنة حرمته الدخول في أجساد النساء وما أبقت له سوي لذة الأصابع.
وإذا كان السرد يفتقد مثل تلك المغامرات الروائية البشرية المحددة كل التحديد والمتنامية دراميا كأنة لا يكاد يحفل بذلك أو ينتبه إلية. وبديلا عنها يحتشد السرد بالعديد من أشباه المغامرات الفردية المتشظية والعابرة والطامحة إلي خلق نوع من الموسيقي الباطنية الأسيانة المترددة والامنسجمة أو فلنقل أنها نوع من المغامرات المنقوصة والمجملة, اعني المنقوصة في وبسبب نزوعها الي الأجمال, والطالعة من حرش روحي يخبئ غضبا كظيما يفيض حين يغتذي علي العواطف المبتورة وقصص الحب المجهضة وشهوات الجسد الممتدة والأمتحققة كما في يوم عيد فسق وثني كاذب. *
لماذا لا ا عيش هذة اللحظة وانسي قليلاً همومي وهموم الناس وتاريخ الزمن القديم ومعاصر النبيذ والقوافل المحملة بالكروم والبحيرة والطيور المهاجرة وحكايات وأحداث المكان وكل الصخور التي وقفت في طريق أحلامي, لاسيما أن رموز الحب والحياة تنبض وتتحرك من حولي*
ويبدو عالم كل من يحيا فيه أما عنين أو فاسق أو اعمي كالعالم طارد يدفع بشخوصه باتجاه الانخلاع ونشدان الهجرة ومهما حاولت تأملات الراوي, المتأخرة جدا, بشان ضرورة وإمكانية العيش هنا والآن فان تردده وقعوده عن الفعل ليشهدان بمأزقه وانشطار روحة وعجزة النفسي عن أنفاذ مثل تلك القرارات الإرادية الصارمة الهشة. وهكذا ينتظر السفر, الغياب, العزلة كتيمة وكقيمة في هذه الرواية القصيرة التي يتفشي فيها اضطراب المصائر الفردية والأسرية عبر حياة تخايل بأنها مشتركة بينما تخلو من المعني والشرط الأساس للمشاركة, اعني قبول الأخر ابتداء. ففي فلكسيا الفيوم يلتقي أناس من كل صنف وجنس وهوي ,قد يتعارفون فقط كونهم أذكياء لكنهم أبدا لا يرتبطون بعضهم ببعض إلا كما يرتبط رفاق السفر بالقطار أو مختلسي المتع المحرمة الصغيرة في زحام ودوران حلقات الذكر بمولد القرية,وهنا بالذات تكمن ماساتهم, تتلامس المصائر والرغبات من دون أمل جاد في التداخل والتقاطع, مؤكدة بالمحصلة الختامية, علي رحيل الذات وغيابها حني عن ذاتها. أذن ما الذي ينقص هذه الرواية المتشظية لبلوغ تمام تأثيرها. تنبني القيمة الفنية لمثل تلك الروايات السيكولوجية علي قاعدة أساس من الانسجام والتوافق بين بيئة النص وشخوصه بحيث تغدو المعضلات السيكولوجية وكأنها تعبير عن حال هذه البيئة وفيما يأتي تصوير البيئة مبطنا ومحكوما بذوق وحكمة ورؤى الروائي لمعضلات أبطالة الوجودية وتوقهم إلي التعبير الأكمل عن الذات لكن العدد الضخم من الشخوص والمعضلات الروحية والأخلاقية في "كأنة نهار " قياسا إلي عدد صفحاتها بالأقل ليدعونا إلي التفكير والنظر في مقدرة الكاتب علي تحقيق السيطرة الإيقاعية بطول النص السردي وهي المقدرة التي لم تكن برأيي في تمامها وكمالها للوصول بالنص إلي ارض الاتزان البنائي المنشود. ويلوح لي المؤلف معنيا حقا بتضمين روايته أكثر ما يمكنه وتحتفظ بها ذاكرته الفنية اللاقطة من أجزاء وشظايا الحياة الخارجية والباطنية لأبطاله, من دون ان يولي نفس القدر من الاعتناء بالعملية الفنية, الخفية اللازمة لتوزيع تلك التفاصيل وإشاعتها وبثها في ثنايا وحنايا مختلف أقسام النص,وعلي نحو يهدد بجعلها تكرارا لا يزيد بل ربما ينقص. وعلي الرغم من ذلك يظل عنصر مؤثر في سرد احمد الشريف وهو شغفة الجلي بذلك المركب الجغرافي_البشري, الحقول والدروب الترابية ومحطات القطار القديمة وسر بحيرة قارون الذي هو كنزها الحق وجاذبية اطلل معبد ديونيسوس, في بوتقة واحدة مع أبطالة الغارقين في لجة أنانيتهم وشهواتهم وأحلامهم الصغيرة وتناهيهم. واقع يود الروائي لو يقبض علية بمحبة ويعبر عنة كاملأ. ولسوف يستحيل علية أن يفعل في كل حين, ذلك أن الحقيقة التي ينشدها الكاتب هي من النوع الانطباعي الدوار المجبولة من غبار روحي متمدد. ووحدها خبرة الفن المخاتلة تقدر علي الغوص بوعينا باتجاة شفافية الوجود المركزة وبللورية الموجودات المتكثرة, رويدا رويدا تحت زبد سطح الحسي الدبق ومياهه الراكدة.
حسني حسن الأحد 27-2-2005 أخبار الأدب




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !