مواضيع اليوم

عن المجتمع المدنى

ait oubrahim

2009-03-13 22:35:30

0

فماذا يقصد بمصطلح المجتمع المدني؟


وكيف ظهر هذا المفهوم وقد أصبح اليوم يشكل موضوع الساعة، الذي لا تخلو منه وسائل الإعلام، ولا النوادي، ولا المكتبات؟
وما هي أهم الأطوار التي مر بها؟


لقد تعددت الأبحاث والدراسات التي انصبت على موضوع المجتمع المدني، وقد اتفق أغلبها على بعض المحددات التي بها يتحدد مصطلح المجتمع المدني، وأهمها:


الطابع التطوعي وغير الربحي.


الاستقلالية عن أجهزة الدولة، وعدم التبعية لما هو حكومي.


الانفصال عن الانتماءات القبلية والروابط الأسرية.


ورد في تعريف البنك الدولي لمصطلح المجتمع المدني أنه "مجموعة كبيرة من المنظمات غير الحكومية والمنظمات التي لا تهدف إلى الربح. ولتلك المنظمات وجودٌ في الحياة العامة، وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية، أو ثقافية، أو سياسية، أو علمية، أو دينية، أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى مجموعة كبيرة من المنظمات تضم: جمعيات المجتمعات المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، ومجموعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات العمالية، والمؤسسات". 


أما مركز المجتمع المدني في كلية لندن للاقتصاد، فقد أضاف في تحديده لمفهوم المجتمع المدني عنصرا من الأهمية القصوى بمكان، وهو اللا إكراه، إذ أن "المجتمع المدني يشير إلى حلبة العمل الجماعي الذي لا يتسم بالإكراه، والذي يدور حول مصالح وأهداف وقيم مشتركة ومتبادلة". ثم إنه وسع من قاعدة المجتمع المدني، حينما أقحم فيه مزيدا من المكونات، أو اللاعبين كما يسميهم تعريف مركز المجتمع المدني، فذكر منظمات ومؤسسات عدة، كـ "الجمعيات الخيرية المسجلة، ومنظمات التنمية غير الحكومية، ومؤسسات المجتمع المحلي، والمنظمات والمؤسسات النسائية، والمنظمات الدينية، والاتحادات والنقابات المهنية والتجارية، وجماعات المساعدات الذاتية، التنمية الاجتماعية، الاتحادات التجارية، والتحالفات، ومجموعات التأييد والمناصرة". (المجتمع المدني، سانام ناراجي وجودي البشرا، عن منظمة المرأة من أجل الازدهار WfP، ص 1).


والملاحظ في هذين التحديدين للمجتمع المدني، أنهما يغيبان من دائرته مكونين أساسيين، أولهما؛ الأحزاب السياسية، وثانيهما؛ القطاعات الاقتصادية المنتجة من صناعة وفلاحة وسياحة وتجارة. رغم أنهما يقدمان خدمات عظيمة للمجتمع، سواء على مستوى التوعية كما هو الشأن بالنسبة إلى الأحزاب السياسية، أم على صعيد الإنتاج كما هو الحال بالنسبة للعديد من القطاعات الاقتصادية.


فيما يتعلق بالمكون الحزبي هناك من المنظرين من يحاول إقحامه في بنية المجتمع المدني، لدوره المحوري والفعال في إنعاش الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية، من خلال تنظيم العديد من الأنشطة وتقديم مختلف الإنجازات والمساهمات، غير أنه على النقيض من ذلك ثمة من يقصيه من دائرة المجتمع المدني، ما دام أن هاجس ذويه هو الوصول إلى السلطة ليس إلا!


أما فيما يتصل بالقطاعات الإنتاجية، فإن هدف أصحابها هو تحقيق الربح، مما يجعلها تختلف مبدئيا عن مؤسسات المجتمع المدني، التي تعمل على أساس تطوعي، تهدف من خلاله إلى خدمة المجتمع بغير أي مقابل مادي. كما أن ثمة من يرى أن القطاعات التجارية تظل مرتبطة بشكل وثيق في بعض الدول بالحكومات، مما يخرجها من نطاق المجتمع المدني.


إن مفهوم المجتمع المدني مر منذ ظهوره في أوروبا في القرنين الثامن والتاسع عشر، إلى يومنا هذا، بثلاثة أطوار تاريخية أساسية، كما قد يستنبط أي دارس لأهم ما ألف في هذا الشأن من أبحاث ودراسات، وتتحدد تلك الأطوار كالآتي:


1.
طور نشوء مفهوم المجتمع المدني: وعادة ما يربطه الدارسون بمرحلة النهضة الأوروبية وظهور الدولة القومية وسيادة الرأسمالية الحديثة، إذ سوف تعتري بنية المجتمعات الأوروبية تغيرات جذرية، تلغي فكرة ربط الحاكم بالإله، وأنه يستمد شرعية الحكم من السماء، كما كان سائدا إبان هيمنة الفكر الكنسي، الذي كان يستعبد الرعية باسم الدين. في خضم هذا التحول، سوف تطفو على السطح العديد من المفاهيم الجديدة، كالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمواطنة والحداثة والمجتمع المدني، وفيما يتعلق بمفهوم المجتمع المدني، يجمع دارسو التاريخ الحديث وعلم الاجتماع، على أن إرهاصاته ترجع إلى كتابات مفكري عصر النهضة الأوروبية، كفريديريك هيجل الذي اعتبر أن المجتمع المدني طرف آخر يقابل سلطة الكنيسة وسلطة الحكم الاستبدادي، أما جون لوك فيعتقد أن المجتمع المدني مجال مستقل عن الدولة، ينحصر في الجماعة الأهلية، وروحها التضامنية من خلال العقد الاجتماعي، في حين يذهب مونتسكيو إلى أن المجتمع المدني يشكل "الوسيطة بين الحاكم والمجتمع"، (للاطلاع أكثر، ينظر مقال: قراءة موضوعية لمفهوم "المجتمع المدني"، للأستاذ وائل فؤاد أبو منصور). كما أن أفكار جان جاك روسو في عقده الاجتماعي، كما يرى الأستاذ دهام حسن في مقالته (تجليات المجتمع المدني التاريخية)، ساهمت بقسط كبير في التمهيد لمفهوم المجتمع المدني، وسوف يليه كارل ماركس الذي يقدم المجتمع المدني باعتباره فضاء للصراع الطبقي، ثم غرامشي الذي يتجه إلى أنه يمكن للقوى التقدمية أن تواجه الهيمنة البورجوازية على الاقتصاد، بالسعي إلى الهيمنة على المجال الثقافي والتعليمي، وسوف يمضي البعض على هذا النهج الغرامشي، كما هو الشأن بالنسبة إلى هابرماس، يرى الأستاذ رشيد قويدر في بحثه (تناقضات مفهوم «المجتمع المدني» في الإصلاح السياسي العربي)، أن هابرماس "اهتم بالجوانب غير الاقتصادية للمجتمع المدني، بنظرته إليه ككينونة منفصلة، ليس عن الجهاز القهري للدولة فحسب، بل أيضا عن المؤسسات الاقتصادية للمجتمع. ومركزه هو الميدان الذي يتم به دعم ومنازعة فرض الهيمنة، عبر المؤسسات الثقافية والاجتماعية والأنشطة المجتمعية. وتواصل من بعده أيضا، من فصل الحقول الاجتماعية الثقافية عن الحقول السياسية والاقتصادية، ولكن عبر نظرة أن لكل من هذه الحقول منطقها الخاص، فالسياسة لها السلطة والإدارة، أما التراكم فيكمن في الاقتصاد، والتواصل الحر والمفتوح فهو في المجتمع المدني".


2.
طور أدلجة مفهوم المجتمع المدني: إذ أن المجتمع المدني سوف يكتسي أبعادا أيديولوجية، لا سيما لدى الحركات السياسية والثقافية، التي سوف تنشط في أوروبا الشرقية، أثناء العقد الثمانيني، وقد ارتكزت أطروحتها النضالية على مبدأ تقليص هيمنة الدولة على ما هو اقتصادي وسياسي واجتماعي ونقابي وغير ذلك. وهذا ما سبق وأن نظر له الكثير من المفكرين ذوي التوجه الاشتراكي، ككارل ماركس وأنطونيو غرامشي وهابرماس وغيرهم، الذين كانوا مسكونين بالدعوة إلى مجتمع مدني قوي ومسئول، يستمد قوته من مواجهة هيمنة البورجوازية ورأسمالية الاقتصاد، وتتحدد مسئوليته في تعبئة سائر قوى المجتمع وإشعارها بمدى دورها في خلق نوع من التوازن داخل المجتمع.


3.
طور منح البعد التنموي لمفهوم المجتمع المدني: قد ساهمت العديد من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ظهور هذا الطور، الموسوم بإضفاء المسحة التنموية على مفهوم المجتمع المدني، وسوف نقتصر في هذا الصدد على عاملين رئيسين؛ أولهما: انهيار المنظومة الاشتراكية التي كانت تهيمن على مختلف مجالات الحياة، من توزيع المؤن إلى إدارة الشعب، مما سوف يفسح المجال لمكونات المجتمع المدني، فتسهم بحرية تامة في تنشيط شتى جوانب الواقع وقطاعاته، غير مقتصرة على نواحي الثقافة والأدب، وإنما سوف تتعدى ذلك إلى مختلف المجالات الاقتصادية المنتجة، كالصناعة والتجارة والفلاحة وغيرها. وثانيهما: فشل مشاريع التنمية التي اعتمدتها دول العالم الثالث، رغم أنها كانت بدعم وتوجيه جهات دولية رفيعة المستوى، كمنظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وسوف تدرك هذه الجهات أن التنمية لن تؤتي أكلها في العالم الثالث، عن طريق القروض والدعم المالي، وإنما برد الاعتبار للمجتمع المدني داخل تلك الدول، مما سوف يمنح فرصة إشراك المواطنين فيما يطلق عليه التنمية البشرية المستدامة. وقد بدأت الكثير من الحكومات منذ تسعينيات القرن الماضي، تعي أهمية الدور الذي يمكن أن يؤديه المجتمع المدني في خدمة مختلف جوانب الحياة، يرى صاحبا تقرير (المجتمع المدني)، سانام ناراجي وجودي البشرا، أنه "رغم أن العلاقات في السبعينيات والثمانينيات بين أطراف المجتمع المدني والحكومات (مثل المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان والتنمية) كانت شائكة وصعبة وتتضمن المواجهة والتحدي في الفترة التي أعقبت الحرب الباردة، إلا أنه حدث تحول كبير لأن تصبح هذه العلاقات قائمة على الشراكة والتعاون. ويعود هذا بشكل جزئي إلى الحصول على الخدمات من خارج الحكومة، حيث اعتمدت الحكومات على المنظمات غير الحكومية في توفير الخدمات الأساسية محاولة منها لتخفيض التكلفة. ويعود هذا أيضا إلى زيادة خبرة المنظمات غير الحكومية في العديد من القطاعات المختلفة، وكذلك وصول المنظمات غير الحكومية إلى المستوى الشعبي". (المجتمع المدني، سانام ناراجي وجودي البشرا، عن منظمة المرأة من أجل الازدهار WfP، ص 7).


هكذا، بعد هذه القراءة الموجزة والتقريبية لمفهوم المجتمع المدني وأهم الأطوار التاريخية التي مر بها، يمكن للباحث أن يخلص إلى جملة من الملاحظات والمساءلات، التي لا يكتمل فهمه إلا بالتريث عند أهمها، وهي كالآتي:


إن ثمة من المثقفين من يذهب إلى أن هناك تعارضا بين أقنومين داخل المجتمع، هما: الدولة/المخزن من جهة أولى، والمجتمع المدني من جهة أخرى، وهذه نظرة هابرماسية تقليدية (نسبة إلى عالم الاجتماع الألماني يورغن هابرماس) تنبني على مبدأ الصراع والفصل، عوض التعايش وتوحيد الجهود، في حين أن النظرة المعاصرة، سواء التي ينظر لها بعض المفكرين، أم التي تدعو إليها بعض المنظمات الدولية المؤثرة، ترى أن العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني ينبغي أن تكون تكاملية، بحيث أن كل واحد منهما يكمل الآخر، فهل أصبحت الدولة المغربية تدرك أنه لا يمكن تنمية المجتمع والنهوض بمختلف قطاعاته، إلا بالإشراك العادل لسائر مكوناته الجمعوية والثقافية والسياسية، ثم هل صار ممثلو مجتمعنا المدني؛ محليا ووطنيا، على استعداد للتعاون مع أجهزة الدولة في خدمة واقعهم المتردي؟!


إن دور المجتمع المدني لا ينبغي اختزاله في حفنة من الأنشطة التي تنظمها بعض الجمعيات الثقافية والرياضية، وإنما في المقاصد الأساسية من تلك الأنشطة، التي تتحدد عند الغالبية العظمى، إما في الترويح والتسلية، أو في التثقيف وتعميم المعارف، أو في الحفاظ على البيئة، أو غير ذلك، وهي كلها مقاصد شريفة ومعتبرة، غير أن ثمة مبدأ أرقى وأسمى، ينبغي أن يسكن أعماق كل فاعل مدني، وهو مبدأ الوعي الذي يمكن أن نماثله في ديننا الإسلامي الحنيف بالنية، التي ينويها المسلم قبل القيام بأي فرض، لذلك فإن المجتمع المدني في عمله الجمعوي والتنموي، ينبغي أن يركز أكثر على مبدأ الوعي، سواء الذي يسبق العمل، أم الذي ينتج أثناء العمل، وهو وعي يرقى بدور المجتمع المدني، ويجعله لا يكتفي بمقاصد الترويح والتثقيف، وما إلى ذلك، وإنما يتعداها إلى مقاصد توجيه المجتمع، وتوحيد رؤيته، وتجميع جهوده، ليس عن طريق المساطر القانونية والتعليمات الفوقية، وإنما عن طريق زرع الوعي التلقائي بأنه طرف مسئول في مجتمعه، الذي أصبح أكثر من أي زمن مضى في مسيس الحاجة إلى مشاركته.


إن مفهوم المجتمع المدني لا يكتفي بذاته، بمعنى أنه ليس مستقلا، سواء عن السياق الذي ينتظم فيه، أم عن المفاهيم الأخرى، التي تتضافر معه لبلورة أفق أرحب للجميع، وأهم هذه المفاهيم: الديمقراطية التي لا تتعزز إلا بوجود مجتمع مدني قوي ومسئول، والتنمية التي لا تتحقق إلا بالإشراك العادل من قبل الدولة لسائر مكونات المجتمع المدني، وكذا بالاستعداد الكافي والعفوي للمجتمع المدني للتشارك مع الدولة، والمواطنة أو ما تطلق عليه التقارير الدولية السلام المستديم، والحداثة، وغير ذلك من المفاهيم.


وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أن خصوصية المجتمع المدني تنبثق من الخاصيات التي تتميز بها مختلف مكوناته وأطرافه، وهي التطوعية واللا إكراه واللا ربحية، ونحو ذلك، ويبدو أن أهم آلية أُحدثت لتنظيم وتمثيل المجتمع المدني، ليس على المستوى الوطني فحسب، وإنما على الصعيد العالمي، هي آلية الجمعية، التي صارت تضاهي في نشاطها وامتدادها وحضورها، ما هو حزبي وحكومي ورأسمالي، فصار بذلك أي مجتمع مدني على المستوى الدولي، لا يقاس إلا بعدد الجمعيات والأنشطة والمعارف التي ينتجها، لذلك يحق لنا التساؤل عما إذا كان مجتمعنا المدني المحلي في مستوى هذا الحراك الجمعوي الوطني والعالمي، علما بأن الحرب القادمة، كما يتوقع عالم المستقبليات المغربي البروفيسور د. المهدي المنجرة، هي حرب المعرفة، التي يمكن للجمعية أن تقودها، بعدما فشلت المدرسة المغربية، وتراجعت مردوديتها.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !