عن الفكر السياسي الأوروبي
تُسمي أمريكا اوروبا بالقارة العجوز وهي كذلك، لكن تلك القارة العجوز تحتضن مدرسة عريقة في الفكر والسياسة لا يستطيع أي سياسي تجاوزها أو غض الطرف عنها.
تاريخ أوروبا عريق مقارنةً بالتاريخ الأمريكي الذي يقترب من ٣٠٠ عام فقط، وذلك رقمُ لا ينم عن وجود حضارة أو تاريخ يمكن الاستناد عليه، فأمريكا بلد قام على سواعد المهاجرين ووضع يده على العالم وفق مبدأ القوة والبطش فقط، لو قارنا المواقف السياسية الأوروبية مجتمعةً أو منفردة بالمواقف الأمريكية وعلى مختلف الاصعدة لو جدنا المواقف الأوروبية أكثر تعقلاً وحكمةً من المواقف الأمريكية والسبب في ذلك يعود إلى الفكر السياسي الذي تتميز به تلك القارة العجوز..
الفكر السياسي الأوروبي ضاربُ بجذوره في عمق التاريخ مر بعدة مراحل حتى استقر وازهر، صراعات واستحقاقات وحركات إصلاح ديني وسياسي ونزعات ثورية وتنويرية وكانت النتيجة رُقي وتمدن ووعي ومشاركة شعبية واحترام للقانون وسلطته فضلاً عن الاعتزاز بالنمط التراثي والمحافظة عليه في تلك القارة لأنه يمثل التاريخ القديم للمجتمعات.
عند المقارنة بين أمريكا وأوروبا في الشؤون السياسية الداخلية والخارجية فإن الأخيرة وبلاشك ستفوز وبنسبة كبيرة جداً، ولو أن قرار الحرب على الإرهاب كان بيد دولة أوروبية لم تُحتل أفغانستان والعراق ويتحول كلا البلدين لمستنقع يهدد العالم بأسره، بريطانيا ذات التاريخ والارث السياسي الكبير لو كان بيدها قرار غزو لما فعلت بل لقامت بدور هي تُجيده وتتقنه ألا وهو الثورة من داخل القصر تعزل صدام وتأتي بمن يحكم العراق من دون تدمير أو حشد حشود، هي تُجيد اللعبة وفن السياسة لأن تاريخها قديم وهب ليست بغريبة عن المنطقة العربية والهند وأفريقيا كأمبراطورية لا تغيب عنها الشمس..
بما أن السياسة مفتاح النهضة فإن في أوروبا أعرق الجامعات والتي يصل عمر بعضها ل١٥٠٠عام وبها المزارات والتاريخ الذي يمكن للزائر أن يقرأه بعينيه، تلك المزارات والنمط المعماري يُخبرك بأن هناك مدنية عمرها كبير وليست وليدة المال أو الظروف ولعبة القدر، اللعبة السياسة تُدار وفق قواعدها الصحيحة بأوروبا فهناك النظام البرلماني الذي لا يضع السلطة بيد شخص واحد وهناك القاعدة الجماهيرية التي تمتلك القدرة على صُنع المستقبل وإدارة الشأن العام بقدرة واضحة، أوروبا تاريخ وكبرياء وهذه حقيقة يجب أن تُدرس وتُقال فهي مدرسة فكرية رائدة قدمت للبشرية الشيء الكثير بغض النظر عن مساويها الاستعمارية، فمن أوروبا انطلقت عجلة النهضة ومنها بزغ فجر التنوير الذي غير مفاهيم كانت فيما مضى عصيةُ عن التغيير...
التعليقات (0)