من الخرافات الجديدة التي يتولى بعض رجال الدين والإعلام والسياسة تسويقها على العقل العربي اليوم، أن الشيعة بدأوا غزوتهم الكبرى لاحتلال مصر.
من يقرأ التاريخ، بعيداً عن هذه البضاعة الإعلامية الفاسدة، يعرف أن علاقة «الشيعة» بمصر قديمة جداً، تعود إلى النصف الأول من القرن الهجري الأول، أي قبل قيام المذاهب الإسلامية المشهورة بأكثر من مئة عام.
ويعرف أيضاً أن «الشيعة»، الإسماعيليين تحديداً، حكموا مصر في نهاية القرن الهجري الرابع، وذلك بعد خمسين عاماً من حكمهم لتونس، مقر سلطانهم الأول، وذلك في أعقاب انهيار الدولة الأخشيدية، ودخلوا مصر دون مقاومةٍ أو سفك دماء.
ويسجّل التاريخ للفاطميين اهتمامهم بالجانب العلمي، فأنشأوا الجامع الأزهر، حينما خطّطوا لبناء عاصمتهم القاهرة مكان الفسطاط، ونشروا المكتبات العامة، واهتموا بالتأليف والترجمة، واستقبلوا العلماء والشعراء من المشرق والمغرب، برغم حملات التشويه والعداء من العباسيين في العراق، والأمويين في الأندلس، تشكيكاً في نسبهم وأصولهم وعقيدتهم، واتهامهم بالثنوية والمجوسية والإلحاد. وإذا كان الفراعنة خُلّدوا في الإهرامات، فإن الفاطميين خُلّدوا في الأزهر، الذي مايزال منارةً شامخةً للعلم والإسلام.
الدولة الفاطمية عُمّرت لأكثر من مئتين وخمسين عاماً، وامتد نفوذها إلى دول الشام شمالاً، والحجاز وحدود اليمن جنوباً، فضلاً عن شمال السودان وغربه (خصوصاً كردفان) ودول شمال إفريقيا حتى حدود موريتانيا غرباً، ما يعني سيطرتها على أكثر من نصف العالم العربي (الحالي)، ويختلف المؤرخون في نسبة من تحوّل من المصريين إلى مذهبهم، هل كانوا أكثرية أم أقلية، ولكن حين دالت دولة الفاطميين، وقامت على أنقاضها الدولة الأيوبية، أخذت بتتبع آثارهم وكتبهم ورجالهم بالمحو والحرق والقتل، ما أدّى إلى موجةٍ من الهجرة، انتهى بعضها إلى اليمن وبعضها إلى الهند (البهرة)، وظلّت بقيةٌ باقيةٌ منهم في صعيد مصر، كانت تُعرف بالجعافرة.
اليوم، يخوّف البعض الشعب المصري من غزو «شيعي» خطير سيقتلعه من جذوره، ويرمي به في البحر.
وعلى المصريين أن يصدّقوا أن زيارة مئات السوّاح «الشيعة» إلى القاهرة، وبعضهم سيتجه إلى منتجع شرم الشيخ، ستؤدي إلى تحويل «سنة» مصر إلى «شيعة»!
هذه الظاهرة الخرافية، وهذا الرعب والتخويف، لم نشهدها في سورية، التي يزورها عشرات الآلاف من الزوار سنوياً، منذ عشرات السنين. يحلّون ضيوفاً كراماً على شعب مسلم شقيق، ليشهدوا منافع لهم، دينيةً ودنيويةً، وينعشوا الأسواق وحركة السياحة، دون أن يفلحوا - أو يفكّروا أصلاً- في تغيير مذهب غالبية أبناء الشعب السوري الشقيق، لسبب بسيط، هو أنهم في قرارة أنفسهم، يؤمنون بأن كل المسلمين إخوةٌ لهم، وليسوا كفاراً أو مشركين يجب هدايتهم.
إن مخاطبة غرائز الخوف لدى الجماعات البشرية من أسهل الطرق لاستهبال الشعوب واستغفالها، وإشغالها بقضايا كاذبة ومفتعلة لصرفها عن قضاياها الكبرى.
فهل أكبر شعب عربي، يزيد تعداده على خمسة وثمانين مليوناً، من الهشاشة الدينية بحيث يحوّل مذهبه لمجرد الالتقاء بسوّاح من مذهب آخر، خصوصاً أنهم يتكلمون لغةً أخرى؟
ولماذا لم يتحوّل المصريون إلى المسيحية مع وجود ثلاثة ملايين سائح سنوياً، أغلبهم من الأوروبيين؟ وهل هناك استخفافٌ بالعقل العربي، وبشعب مصر وعقيدته وتاريخه أكثر من هذه السفسطة، وهذا الهرج والمرج ؟.
مقالات للكاتب قاسم حسين
التعليقات (0)