نحنّ في غربتنا إلى مدينتنا، إلى مدينة الحب، مدينة العشق للجمال، للعلم، لزخرفة الأديان بأذان مساجدها وأجراس كنائسها، كما وصفها الشعراء وتغنى بها الأدباء. على رصيف مقهى نتصفح جريدة، نشرب قهوتنا، نسافر بأعيننا نحو شاطئ الأمان، تجتاحنا كوابيس القتل والدمار فترجف نبضاتنا، وتشرق عيوننا بالدموع، نخبئها في مآقيها، نبلع الغصة تلو الأخرى علَّ الزمان يدور بسرعة الضوء ونحتضن الرمال.. هنا نسمة تذكرنا بشجرة الزيتون، وها هنا لسعة برد نحنّ بها إلى ثلوج صنين والأرز، وهذه فرحة الكويت تعيد لنا الذكريات العابقة بحب الوطن لأبنائه، ترفرف الأعلام هنا في غربتنا معتزة بسواعد أبنائها، يحملونها بعزة وكبرياء، علم واحد لوطن واحد، كل القلوب تهتف فداء لتراب أعطاها هوية لا توازيها هوية، أمن وتضحية ووفاء.. أما نحن فنضنّ على ترابنا بالحضن بكلتا اليدين، ورفع علم واحد غير متعدد الألوان، تنطلق أهازيج الفرح بسيادة الوطن في الشوارع والساحات، فيفرح الأطفال وتنطلق رايات الاحتفال.. شيوخ وشباب، نساء وأطفال يزرعون غرسات المستقبل يدا بيد، يصفقون للوطن، يغنون له، كلهم له بأجسادهم سياج لا أفخاخ، ما من بقعة على الأرض تتسع لأحلامهم سوى تراب الوطن.. تختطف راياتنا لنحمل أحلام كل الأوطان إلا وطننا، نرى شتات الغير بمختلف دياناتهم لاجئين، يسعون للانتماء إلى تراب يحضنهم، ونحن نوزع تراب أرضنا إلى من يحرقه ويدوسه بحقده أكثر، ونضيع باحتضان طوائفنا لأوطان غريبة تطردنا عندما نحتمي بها، وتعلق على جباهنا كلمة لاجئين. الوطن هنا سعيد بوفاء أبنائه، يشدون أزره في ضعفه ويحمونه بدمائهم، إن طلبهم، ويحتضنهم إن اغتربوا وحزنوا ويئسوا، ونحن نوزع دماءنا فداء للزعيم والقائد الذي يسعى الى حفظ نفسه لا الوطن.. متى نغار على وطننا ككل الشعوب ولا نغير عليه بسموم السياسات الغريبة عن تاريخنا وحضارتنا وعروبتنا، متى يكون لنا وطن ككل الأوطان؟
نحتفل اليوم بالعيد الوطني لدولة الكويت، ونحيي شعبها المقدام، ونضرع إلى الله أن يحفظ أمير الكويت وشعبها من كل مكروه، ونتمنى على شعبها التكاتف والتآخي الدائمين، وألا يحتموا إلا بتراب وطنهم وهو الأوفى والآمن من كل البلدان.
التعليقات (0)