ماجد موجد بخلاف كتاب العالم مازلنا نكتب في السياسة مثلما هي الفاظ السياسة وعباراتها وعلى غرارها ايضا نكتب عن الحرية والدين والجنس والاخلاق والفلسفة- اية فلسفة ونحن محاطون بما هو شائع وسطحي ومعروف- لم تزل تتدلى من أعناقنا الاحاجي والطلاسم وهي تزيد الرهبة في كهوف ارثنا الذي تنطع به وفيه اباؤنا وأجدادنا حتى لم تعد رقبة ولا كتف ولا جناح الا وهرسته اقلامنا، مازلنا نعيد انساق المعاني ذاتها تلك التي عبرنا عنها وقلناها قبل سنوات كثيرة ولما نزل مصرين على ان نبيِّنها ونعيد فتحها وشرحها على الرغم من اننا عشنا أهوالاً من الترويع والصراعات الغريبة، اقول غريبة لانها حقا ليست متشابهة مع غيرها من الصراعات في لعبة الحياة والحرب والوطن والاحلام، انها لعبتنا نحن، مختلفة عن اولئك الذين عاشوا مثل هذه اللعبة، مثل هذه (الألعاب النارية) التي عادة ما كانت جادة وحقيقية فقتلتنا، قتلت العزيز العزيز، حقا نحن لسنا مثل ابناء أية حرب أخرى في العالم مهما بلغت الحرب هناك من الوحشية ومهما اصاب ابناءها من عذاب، لا بلادهم مثل بلادنا ولا ذرائع حربهم مثل ذرائع حربنا ولا قلوبنا الحافية الجافة المتصدعة تشبه قلوبهم كثيفة الظلال، نحن فقط من تفور في احشائنا الدهشة وعيوننا مسبلة أمام واجهات المطاعم في الطريق الى الحرب والبنادق، نحن فقط من تعلم لغة الجوع في بساتين الوطن وثماره وتكسرت اظلاعنا دون أن تتبلل أناملنا من أغاديره وسواقيه وما اضطجعنا على أرضه قط الا لقاء ما نكد وما يصيبنا من السأم والوهن، نحن فقط من عشنا غربة مهولة غربتنا محشوة في دعاء أمهاتنا الكثير بلا طائل في الكتب المدرسية المتوفرة على اللاشيء، في بطاقة الأحوال المدنية التي نتحسسها في السيطرات والمهرجانات وطوابير الوقود وافران النوم والضجيج المرعب لقاء بصيص ضوء غربتنا هي عزاء لمن يهرب ويتلفت في حياة الآخرين هناك، الغربة أهلنا وأصدقاؤنا وكلماتنا وحدائقنا وشوارعنا ومعابدنا وحاناتنا وقمصاننا وتسريحة شعرنا، من الصباح حتى الصباح ممرغون في وحل الغربة في السنوات كل السنوات، الغربة التي هي بالضرورة الاسف وهي بالضرورة الندم وهي بالضرورة فزع لايهجع منذ تلك الاجساد المثبتة ارواحها واحلامها وطفولاتها أمام فوهات ترفس الطلقات بنشوة وتصفيق حار لصاحب الأمر، ممتنين لسيادته انه سمح للأولاد والآباء ان يذبحوا آباءهم واولادهم. منذ الحاويات المجمدة التي بدلا من ان تحمل سمكا بحريا لأحفاد بابل وسومر وأكد، كانت محملة ايضا لكنها تقف عاطلة أمام مقبرة النجف ينز من اطرافها الدم والدهن الذي تفرزه اشلاء الفارين من أرصفة الاعدام الى حدود الوطن الذي لا حدود فيه ولا وطن سوى محرقة لا ينطفئ اوارها، اسمها الحرب وكل شيء من أجل الحرب التي لا نعرف من أجل ماذا ومتى ستنتهي وما دمنا هكذا أفلا ينبغي حينئذ ان تكون لنا ثقافة تتساوق مع حياتنا المريرة و صراعاتنا الدامية؟ الا ينبغي لنا ان نفكر لماذا نخفق في التعبير بما يرقى لحجم الكارثة التي مررنا بها في لعبتنا بين الحياة والحرب والوطن؟ لماذا تتكرر قصائدنا وقصصنا وافكارنا وحكمنا وامثالنا واحكامنا وبالكاد نخرج من هذا الاثر والارث السقيم؟ أن أكثر ما يجعلنا على غير هدى في التدقيق والبحث في خلق ثقافة مهيبة تعكس حقاً واقعنا بشكل عميق، (اقصد تخرجنا من سقم هذا الواقع) هو أننا كنا نقرأ في مناهجنا الدراسية كلاماً سحيقاً حفظه أجدادنا فقالوه لآبائنا فعدنا نتهجاه وننشده ونتأثر به، منهج دراسي عقيم وفقير لكل ماهو ثقافي مبتكر وداع الى التفكر والتأمل ثم النهج التدريسي المهووس بالقمع والشدة على وفق ماتراه السياسة وقياداتها وموالوها ممن نصبوا انفسهم سدنة على احكام الله وكتبه وكلا هذين الامرين وفرا نسقا من التعسف والكراهية للمعرفة والتماهي مع تلك الكراهية فصارت أماكن التعلم أماكن للتحجر والتكرار والخوف من التعبير والاعتراض أو الابداع وعمر هذا العسف المهين ليس سنوات أو عشرات السنوات بل هو يمتد الى قرون من الزمن انه رهينة ثقافة جاءت بغفلة من التأريخ وظلت تكرس أمراضها وغلواءها ومناهجها حتى أتت على كل ماهو ثقافي بالمعنى الاصيل لهذا المفهوم الذي يرتبط ارتباطا عضويا بحرية الفكر وحرية التعبير والابتكار واحترام الرأي الآخر وتفهمه حرية العيش بما تتطلع اليه النفس وتبرق في سمائه ببهجة وفرح.. اين هو الفرح؟ لم تكن حياتنا بمثل ما كانت عليه وما هي عليه الآن الا لأننا ظللنا نتعلم كلاماً هذراً في مناهج مشبعة بالترهيب وتقديس كل معنى فيها وغالبا ما كان فيها هو الحرب، تدريبنا على رائحة الموت وقرقعة السيوف ودخان البنادق، ما من قصيدة أو قصة الا فيها انتصار لاجدادنا وأهلنا وهزيمة وقتل وعار وحرق وأسر للاعداء، سيل من الغزوات والثورات والانقلابات والاحتلالات والحصارات والانتكاسات والانتصارات والشعارات والهتافات والاغتيالات، كله ضمن مادتنا الثقافية، كله ضمن لغتنا وقواعدها.. (اعرب ما يلي انتصر العراقيون في معركة الـ......املأ الفراغات التالية بدأت الحرب العراقية الايرانية بتأريخ....... اكتب انشاء عن ثورة كذا أو انقلاب كذا او اغتيال كذا.. الخ). لم تكن الثقافة عندنا في يوم من الايام لها حريتها وطبيعتها الاصيلة وصوتها الخاص الذي من أجله ولدت وانما ظلت ومازالت شعارا واداة للسلطة مهما كانت هذه السلطة. على وفق ذلك وحسب ما جاء اعلاه فاننا لسنا قادرين على صنع ثقافة خالصة، لسنا قادرين على الابتكار المدهش مثل اندهاشنا لما يكتبه كتاب العالم الذي يوازي الموقف والشجاعة في القول الثقافي وسلوكه، اعرف ان الكثيرين ستمتليء كروشهم بالضحك اذا قال قائل انه على المسؤولين في الحكومة والدولة والمؤسسات والمنظمات المعنية الاخرى ان تهتم بالفعل الثقافي وأول بوادر ذلك الاهتمام هو في اعطاء الثقافة الحصة الأكبر في المناهج الدراسية في جميع المراحل لتتعلم الاجيال القادمة الشعر والموسيقى والرقص والتمثيل وكتابـة القصة والرسم ان يتعلموا كيف يعيشون لا كيف يموتون وأفـراغ جميـع المؤسسات التعليمـية مـن الطائفيين والدجاليـن والسياسيين والحزبيين وان يكـون لذلك اهتمـام بالـغ ومهـم مـن الجميع، أقـول قـولي هذا وانا أدرك انني اقـول كلاماً في الهـواء الطلق فمن يصغي ومـن يعمل به وكلنا تربية تلك المناهـج وعقولنا لمـا تزل تلهـج بذاك النشيد (الطفولي).. ابـي اخـي الى السلاح.. هيا جميعا للسلاح..
التعليقات (0)