مواضيع اليوم

عن ارتباك نسيان « مستغانمي » .. !

عنود عبيد الروضان

2010-08-05 12:04:25

0

 

 

 


العنوان : (نسيـان com) 

 


ربما يبدو جليّاً بأن ثمة ربطاً بين الامتداد الإلكتروني لموقع النسيان والضمير «كُم» العائد إلى «الرجال» المحظورين أو المُدانينَ في كتاب «نسيان com» لأحلام مستغانمي؛ من هذه النقطة تحديداً ستبدأ الرؤيةُ بوضوح. 

«ميثاق الشرف الأنثوي» : 


لم أوقع الميثاق الأنثوي الذي دُوِّنَ في ختام كتاب «نسيان com» والمذيّل باسم: كاميليا فؤاد هاشم، ربما لأن النسيان يأخذُ صيغةً أخرى أقرب إلى نسيان امرأةٍ ريفية لطريق المدينةِ التي سلكتها مرة واحدة، أو ربما يكونُ النسيانُ قدرةً عاليةً على مجاراةِ الذاكرة والذات دون الخروج بخيبةٍ بيّنة وخسارةٍ فادحة. 
لا أدري كيف يمكن أن تفسرَ الموقعاتُ على الميثاقِ ذلك وكيف يمكن مناظرتهنَّ في ساعةِ -تمرّد- لكنني أشيرُ إلى جهةٍ لا تهدمها انفعالاتُ أنثى أو تحجبها إرادتُها في أن تجعلَ من الحياةِ مكاناً حصرياً لنوعها على اعتبار أن الرجولة التي تصلّي مستغانمي من أجلها قد انتفت والنساء ضحايا الرجال الذين تبقوا على سطح الأرض.. رغم أنني أرى كما قد يرى سواي أنَّ الرجالَ هم امتداد أسلافهم. لكن الخيلَ أصبحت سياراتٍ فارهة والأفكارَ تمدّنت بهيئتها دون مضامينها! 
يبدأ الكتاب بالبلاغ رقم 1 والذي يدعو إلى تأسيس حزبٍ للنسيان وهذا ما سيأخذنا -رغم الدعوة من خلاله إلى التجرد من متطلبات الحزبية-؛ سيأخذنا إلى ما تؤسسهُ أغلب الأحزاب المعلنة من نرجسية وتحفّز وحذر، ثم ينتقل إلى تقديم توضيح للرجال المتسللين إلى الكتاب رغم قرار الحظر المختوم بالأحمر على الغلاف -يُحظر بيعهُ للرجال- ؛ هؤلاء الذين يمثلون الغاية النبيلة التي تطمح النساء المتضررات لعودتها إلى الحياة؛ والذين يناضلونَ في الوجودِ -أولاً- للفوز بقلب امرأةٍ، حتى يُختَمَ التوضيحُ بهاتين الجملتين: 
«كيف لحياةٍ واحدةٍ أن تكفي لحب رجلٍ واحد؟ 
كيف لرجلٍ واحدٍ أن يتكرر.. أن يتكاثر بعدد رجال الأرض؟» 

النسيان : 


كانت ثلاثية أحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد / فوضى الحواس / عابر سرير) أثراً مختلفاً لِكون تجربة الرواية النسوية العربية في ذلك الحين مازالت قصيرة المدى كما أن الوضع الاجتماعي والديني للمرأة ألقى بظلاله على كل منجزٍ إبداعي لها ولاشكَّ بأن التميز في تقديم أي عملٍ مع هذه الظروف يجعلُ من الأدب إشراقةً لا يمكن إنكارها. لكنْ حين النظر لكتابٍ كـ نسيان com لا يمكن تصنيفهُ في جنسٍ أدبي محدد كما صنفهُ البعضُ على أنهُ «رواية» والذي تلقيتهُ كمادةٍ تحليلية أو نفسية واجتماعية يغلفها الأدب علينا أن ندقق فيما يذهب إليه الكتاب لغةً ورسالة. 
اللغة تنوعت بين السردية والشعرية؛ السردية حين التحدث بمنطق الذات الأنثوية ونقل تجاربها وشواهدها؛ و الشعرية التي (أتحفظ على مسماها أحيانا) تلك التي حضرت عاطفيا حين احتواء كل المخذولات من الجنس النسوي أو تلك التي حَمَلتْها المقتطفات التي عرّجَتْ على النسيان والألم، الحب، الثورة.. إلخ من مشاعر متكافئة مع الحدث! 
قُسِّمَت مادة الكتاب إلى عناوين.. وأغلب هذه العناوين وردت أفعالها بصيغة الأمر تماشيا مع ما يتطلبه «الدليل النسائي للنسيان» كما أسمتهُ الكاتبة في إحدى فقرات الكتاب؛ هذه الأفعال التي وُجّهت فقط للمعنيات بهذه القضية! 

رؤيتي : 


كما يشقُّ الأدبُ للإنسانِ مخرجاً مهما من قضاياه المعقدة ويسعى في ذات الوقت لتطوير رؤيتهِ واحتواء رغباتهِ في اكتشاف عوالمَ أُخَرَ يستطيعُ بها ممارسة حقهِ في الحياة.. يروقُ للفكرةِ بألا تنحصرَ في زاويةٍ ضيقة، وألا تتخذَ من الجزء هويةً تمثلُ «الكلّ»؛ الكلَّ المزدحمَ بالكثير والشائك.. كأن نتلقّى رسالةً أدبية تطرح قضية بين طرفين هما الرجل والمرأة أو الذكر والأنثى في جانبٍ واحدٍ يُعَدُّ مستهلكاً قياساً بحجم التغيير الذي شهدَتْهُ وتشهدهُ المجتمعات المتحضرة وكمّ التأخر الذي تعاني منه المرأة في المجتمعات العربية.. إذ أنها عاشت وتعيشُ وضعاً ليس بدرجة من «الرومانسيّة» التي تجعلُها قادرةً على خوض تجربةٍ عاطفية حرةٍ ثم التعديل على نتائجها وفق حلٍّ أكثر رومانسيّة وهو «النسيان»! 
إن المرأة المخملية هي التي ستتلقى هذه الرسالة فقط.. وهي المستفيدة -إن كان ثمة استفادةٌ مرجوة- وما عبّرت عنه العديد من المنجزات الأدبية ليس إلا مغازلة عن بعد لمشاعرها وأحلامها المفقودة أو تلك التي تصارعُ من أجلها في مجتمعاتٍ «ذكوريّة» لا يمثلها طرفٌ واحدٌ هو الآخر الحبيب أو الشريك فقط كما ورد في نسيان com..! 
ربما لو كانت رؤية الكتاب أكثر شموليّة وأقل (عدائيّة) لوجدنا أن هذا الطرف الذي تدور حولهُ سطور الكتاب ليس إلا جزءاً من خارطةٍ رسمتها عادات الشعوب والمجتمعات ونظمها الأخلاقية.. تلك التي تحتفي بالمظاهر غالبا على حساب الجوهر، وليس من المجدي عمل مزيج من «الدين والإيمان» و«الإرشاد» و«الفن» و«الشك».. للخروج بمنهجٍ للنسيان أو منجزٍ أدبيٍّ مؤثر في زمنٍ يُثبتُ أن الإيمانيّات المطلقة هي خدعةٌ يحبُّ البشرُ تصديقها أحياناً.. 
أيضا : لا يمكن النظر إلى ضياع المرأة وآلامها فقط على أنهُ ناتجٌ طبيعيٌّ لنزوةِ رجلٍ أو تقلّب مزاجه.. وأن الشفاءَ التام في يد الرجل ذاتهِ -المعنيّ بقلبها- دونَ سواه.. أو أن الشفاء في المقابل هو نسيانهُ وتكريس الزمن والمشاعر لذلك، لعلها أفكارٌ تجميليةٌ لواقعٍ أكثر تشويهاً وعتمة. 
أيضا حين النظر في قضية الكتاب: ليس من المنطقي تحويل المرأة إلى كائنٍ مقدس -وفق مفهوم القدسية الفج- فربما يكون المنهجُ الذي سَيَّرها قد ربّى فيها سلبياتٍ نفسيةٍ لا يمكنُ أن تنكشفَ لها.. ولا يمكنُ معها غفران خطيئة الآخر؛ الخطيئةُ التي قد لا تكونُ خطيئةً حين النظر إلى أصل الأشياء بموضوعيةٍ تامة.. 
إن ما طرحهُ «نسيان com» ليس إلا مبالغةً في حضرةِ الحقيقة المجردة التي تقول إن قضية المرأة وحاجتها الأكثر طمأنينة أبعد من معزوفةٍ على الكمانِ.. أو شمعتينِ على طاولةٍ تطلُّ على بحيرةٍ؛ أبعدُ من اكتفائِها بنفسها عن الآخر.. إذ أنها حين تخاطبهُ في كل مكانٍ عليها أن تقولَ الأهم وهو: إننا نحيا معاً حين نحيا كما يجب. 
في النهاية: أصفقُ لتلك اللغة «الأنثوية» المشوّقة التي سردت بها أحلام مستغانمي رؤية الكتاب.. ولحنانها الفيّاض لكننا في فلكِ الوعي الإنساني الأدبي نبحثُ عن الرؤية الأقرب، عن الإشارة الدقيقة الصائبة في الزمن الحاضر، عن النسيان الذي لا يقررهُ انفعالٌ أو مقاطعةٌ لن تصمدَ طويلا، عن نسيانٍ مختلفٍ يجب أن يتعودهُ كثيرون، ومنهم المرأة كي تعبرَ إلى الحياةِ لا إلى هوامشها.

 

نُشرَ الموضوع في جريدة أوان الكويتية . 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !