مواضيع اليوم

عن إعلان "إمارة حلب الإسلامية" والظاهرة الجهادية في سوريا

خلف علي الخلف

2012-12-04 12:53:04

0

 لم يكد حبر كاتب سوري تحظى مقالاته باهتمام قراء عديدين في صفوف الثورة يجف؛ ويقصي فيه كل من لايؤمن بالتحالف مع الإسلاميين [دون تمييز] من صفوف الثورة ويجعلهم في صف النظام، حتى أعلنت دولة حلب الإسلامية من كتائب وأولوية مقاتلة في المدينة وريفها، وتسيطر على الأرض التي فقد النظام السيطرة عليها. 


كان لإعلان "إمارة" حلب الإسلامية وقع الصدمة على كثير من السوريين، وسارع كثيرٌ منهم تحت هذه الصدمة للإعلان أن هذا الفيديو [ الذي يعلن إقامة الدولة الإسلامية] مفبرك من مخابرات النظام. خصوصا أنه يأتي بعد إعلان "الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" الذي حظي باعتراف فرنسي مباشر وخليجي [عائم] ولحقه إعتراف إيطالي وبريطاني وتركي [متحفظ] كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري. 

جاء إعلان دولة حلب الإسلامية في ظل بصيص الأمل الذي شكلة "الإئتلاف" للخروج من مأزق تشرذم المعارضة التي تشكل مشجباً للمجتمع الدولي الذي يؤيد إيجاد بديل لنظام الأسد بشكل علني، كي لا يتخذ خطوات حاسمة ومؤثرة تساعد السوريين على إسقاط النظام وإقامة نظام بديل له.

تعامل السوريون لفترة طويلة وحتى الآن مع وقائع الثورة السورية بطريقة "استرونا" مبعدين أي خبر أو نشاط يمكن أن يؤثر على تأييد العالم لثورتهم، وضمن هذا الإطار جاء إخفاء أو عدم الرغبة في مشاهدة أو التستر على تنامي الظاهرة الأصولية في سوريا معتقدين أنهم مصدر المعلومات الوحيد للعالم حول الأمر. فكان اعتقاد واسع لدى السوريين والنشطاء غير الإسلاميين على وجه الخصوص أن تجاهلهم لهذه الظاهرة والتخفيف من شأنها يحمي سمعة الثورة التي لم تكن إسلامية في بداياتها ولم يكن للأصوليين فيها موطء قدم حتى بعد فترة ليست قصيرة من بداية العسكرة وتشكل "الجيش السوري الحر". 

شارك السياسيون والإعلاميون والنشطاء في التقليل من شأن تنامي "الأسلمية" بداية و"الأصولية" تالياً و"الجهادية" أخيراً، كأخطر تجليات الأصولية، متجاهلين الوقائع التي يرونها أولاً، وعشرات التقارير الصحفية الأجنبية التي كانت تكتب في صحف عالمية تحظى بمصداقية وانتشار واسع وتساهم في تشكيل الرأي العام في بلدانها والتحرك السياسي لتلك البلدان؛ ناهيك عن المعلومات الإستخبارية التي تعرفها تلك الدول وخصوصا المؤثرة منها عن الوضع القائم على الأرض بأكثر مما يعرفه السوريون أنفسهم، الذين أغمضوا أعينهم عن الظاهرة "الجهادية" في الثورة السورية كي لا يروها وبظنهم أن هذا كفيل بأن لا يراها العالم. 

ظلوا يلوكون خطاباً طهرانيا عن وحدة السوريين في مواجهة النظام وعن هدف الثورة في إقامة نظام ديموقراطي لكل السوريين. مناهضين خطاب النظام الذي أحال الثورة منذ سلميتها إلى السلفية الجهادية الأصولية وأذرعها من "العصابات المسلحة".

ساعدهم في ذلك استفادة الأصولية الجهادية من تجاربها في بلدان أخرى، بأن لا تظهر على السطح مباشرة وأن تخفي إيديولوجيتها الأصولية حتى يتم لها "التمكين" على الأرض. لذلك لم تحظ بيانات "جبهة النصرة" المشكلة على الأرض السورية التي تبنت فيها التفجيرات الأولى في دمشق بداية أي إهتمام إعلامي ممن هم في صفوف الثورة من إعلاميين وكتاب وسياسيين ومتحدثين إعلاميين لقوى ثورية، وظلوا يرددون لازمة إتهامية موحدة تقول بإن النظام وراء هذه التفجيرات، لقلة معلومات بعضهم ولقناعة آخرين أن ذلك ينزه الثورة ويعطل أي أثر سلبي لتبني هذه التفجيرات من قوى تصارع النظام. 

وكانت المفارقة أن العالم أخذ على محمل الجد والجدية إعلان "جبهة النصرة" تبنيها لتفجيرات في دمشق، وربطها بها دون أن يؤثر ذلك على قرار السوريين الذين في جانب الثورة بتحميل النظام مسؤولية إرتكابها. 

لم يكن إعلان "إمارة" حلب الإسلامية من 13 فصيلا مقاتلا في حلب سوى رفع الغطاء عم يعتمل في القدر العسكري الذي يقاتل النظام، وبدت التشكيلات العسكرية للجيس السوري الحر التي لا تؤمن بالإصولية الجهادية لا حول لها ولا قوة إزاء الأمر. ورغم هذا الحدث الخطير فقد ظل السوريون يسيرون على نفس المنوال من التقليل من شأن الأمر والتهوين منه حتى بعد التأكد للجميع أن البيان غير مفبرك. رغم إن كل الكتائب والألولية التي شاركت في إعلان ذلك [عدا لواء التوحيد جزئيا] تقوم عقيدتها "الجهادية" ضد النظام على تأسيس دولة الإسلامية.

بعد رد الفعل الأولي حول إعلان "الإمارة" في حلب، والتأكد من أنه صحيح، برزت كتابات أخرى على مواقع التواصل تقلل من هذا الأمر وتعتبره فقاعة لن تؤثر في مسيرة الثورة التي تهدف لإقامة نظام ديموقراطي بديل لنظام الأسد؛ بل إن الكاتب الذي لم يجف حبره اعتبر أن ذلك يفرح النظام و"ومن معه" والتي لا تعني بمغزاها مؤيدو النظام بل تعني الذين أخرجهم من صفوف الثورة بصك مبرم من حبره. 

وذهب آخرون إلى أن هذا الإعلان هو أفضل هدية للنظام في مواجهة "الإئتلاف" الذي بدأت عجلة الإعتراف الدولي به تدور إلى غير رجعة قاطعة أي احتمال لإعادة إدماج النظام بالمجتمع الدولي وفق أي تسوية محتملة للوضع في سوريا.

ساهم الموقف الدولي المناهض لتسليح الكتائب المسلحة تحت إطار ما سمي "الجيش السوري الحر"، الذي يعتبر إئتلافا واسعا غير مركزي للقوى العسكرية غير الأصولية التي تقاتل النظام ويقودها في الغالب عسكريون منشقون، بتنامي الظاهرة الأصولية الجهادية المسلحة في سوريا التي وجدت منافذ تمويل وتسليح بعيدة عنه، واستطاعت هذه الكتائب الجهادية أن تجد طرقا خاصة للتمويل والتسليح بعيدة عن أي تحكم مركزي من القوى السياسية والثورية والدولية المناهضة للنظام التي لا تريد بديلا أصوليا عنه وتعتبر ذلك أمراً يجب اجتنابه والتقليل من إمكانيته.

فقد ساهم العديد من الدعاة والشيوخ الخليجيين السلفيين بجمع التبرعات للكتائب الجهادية التي تكاثرت بسرعة زمنية قياسية، وقام بعضهم بزيارتها في "أرض الجهاد والرباط" لتقديم العون المادي والمعنوي لها، وغضت دول خليجية كالسعودية والكويت الطرف عن حملات جمع التبرعات "للمجهادين" رغم القوانين المتشددة حول جمع التبرعات التي صدرت بعد 11 أيلول/سبتمبر في تلك الدول.

ما من شك أن سوريا صارت ساحة مفتوحة للتصارع بين قوى شتى دولية وإقليمية وداخلية، وبينما يعزز إعلان "إمارة" حلب الإسلامية رواية النظام التي لم يكل من ترديدها منذ أيام الثورة الأولى التي كان فيها المتظاهرون يواجهون بصدور عارية رصاص قناصة النظام؛ فإنه يضعف الخطاب الذي حمّل النظام وأجهزته المخابراتية كل التفجيرات والعمليات الإنتحارية التي تبنتها كتائب "مجاهدة" تحسب نفسها في صفوف الثورة!، ولم تعد رواية النظام مهمة في هذا المقام، ولم يعد يلتفت لها حتى من إنصاره. 

لكن هذا الحدث [إعلان إمارة حلب الإسلامية] جعل آخرين يذهبون في تحليلاتهم إلى عمق التناقضات القائمة في علاقات القوى التي تشكل منها الإئتلاف؛ ووجدوا في إعلان "الإمارة" شكلا من أشكال الصراع داخل قوى المعارضة التي خلخل بعض تشكيلاتها "الإئتلاف" التي لم تكن راضية عنه واعتبرته مقدمة لتهميش سيطرتها على "التمثيل" المعارض الذي احتكرته وفق قوى الأمر الواقع. واعتبر نشطاء أن إعلان "الإمارة" هو تكتيك للإخوان المسلمين قاموا به على طريقة الأنظمة العربية التي ظلت تردد للغرب [والشرق] نحن أو الأصولية. ومما يعزز هذه الشكوك أن العلاقة جيدة بينهم وبين لواء رئيسي من التي أعلنت "إمارة" حلب. وكذلك عدم رضاهم الكلي عن الإئتلاف الذي حل بديلا للمجلس الوطني الذي يقودونه ويسيطرون عليه. 

إضافة إلى ذلك فقد ربط آخرون بين "إمارة حلب" وبين عدم رضا السعودية عن هذا الإئتلاف بشكل كامل، وشنها حملة مستترة ضده عبر قنواتها الإعلامية وعلى رأسها قناة العربية. 

لا يكون إعلان "إمارة حلب الإسلامية" حدثا غير ذي بال إلا لأولئك الذين ساروا على نهج التضليل، وطمس الحقائق القائمة على الأرض ويشكل محطة لايستهان بها في الصراع مع النظام لإسقاطه وسيؤثر بشكل كبير على الوقائع التالية لإسقاط النظام حتى. 

لن يتجاهل الغرب بقيادة أمريكا هذا "الإعلان"، بل سيزيد مخاوفهم وتحفظم على إمداد قوات المعارضة بأي سلاح نوعي خوفاً من سقوطه بيد هؤلاء المتشددين الذين أقاموا "دولتهم"، وسيعتبرون أن مخاوفهم كانت وما زالت مشروعة في ظل عدم قدرة قوى وقوات المعارضة على تقديم أية ضمانات حول ذلك. 

وفي ظل التطورات العسكرية الأخيرة والإعلان عن سقوط أفواج أو ألوية أو مطارات عسكرية تابعة للنظام بأيدي الكتائب المقاتلة ضده، وبالعودة إلى تلك الكتائب التي سيطرت على هذه القطع العسكرية وسلاحها الثقيل نجد أن أغلبها ينتمي للقوى الجهادية أو الإسلامية التي تسعى لإقامة "دولة الشريعة"، ولم يكن لقوات "الجيش السوري الحر" أي تأثير كبير في ذلك, وهو ما سينعكس لاحقا على توازنات القوى على الأرض بعد سقوط النظام أو حتى قبل ذلك. ذلك سيجعل تجفيف مصادر التسلح والتمويل محدود التأثير في الزمن القصير والمتوسط على قدرة هذه الكتائب على فرض سيطرتها على الأرض، وهو ما يجعل الحالة الليبية التي أعقبت سقوط نظام القذافي نموذجاً مبسطاً لما يمكن أن تشهده سوريا، فليبيا كانت تحظى بمعارضة سياسية شبه موحدة وقيادة شرعية لها سلطة معقولة على الأرض. ولديها تفاهمات وتواصل مع الكتائب المقاتلة ذات العقيدة الجهادية، إضافة إلى توحد التدخلات الخارجية خلف القيادة الشرعية التي أسستها المعارضة الليبية.

ليس مهماً في إعلان الإمارة الإسلامية المعنى الحرفي لذلك، فلن يحولوا حلب إلى أقليم يقيموا فيه حكومة على غرار الدولة الطالبانية في إفغانستان، لكنه مؤشر قوي على ما ستؤول إليه الأمور على الأرض في حال سقط النظام بشكلٍ متسارع، أو استمر لفترة طويلة يلفظ أنفاسه. 

وتجاهل الواقع "العسكري" الذي أصبح معقداً من القوى السياسية السورية سينعكس سلباً على أفق "علاج" الظاهرة الجهادية التي أصبح لها أكثر من موطء قدم على الأرض بل مساحات شاسعة، وهناك شكوك لها مؤشرات على أن الحالة السورية ستمضي قدماً باتجاه الحالة العراقية التي أعقبت قيام "دولة العراق الإسلامية" التي استمرت طويلاً في ظل حكومة منتخبة وشرعية، ولم تجد تلك الحكومة المدعومة من قوى إقليمية ودولية مفراً من اللجوء إلى "الصحوات" لخفض سيطرتها على الأرض وطردها لاحقاً، لكن فلولها بقيت حتى الآن. 

حتى أشد أنصار النظام تحمساً له باتوا مقتنعين أنه زائل لا محالة، والتطورات العسكرية التي حدثت في الأيام والأسابيع القليلة الماضية تثبت أن قوته العسكرية تخلخلت بشكل كبير، ومع تصاعد وتيرة إسقاط الطيران سواء بأسلحة استولى عليها المقاتلون من قوات النظام، أو تلك الصواريخ المحدودة العدد التي قيل أنها وصلت لمسلحي المعارضة، تبدو المعركة أصبحت قريبة من أبواب دمشق. 

وإذا كان سقوط النظام هو بداية الحل للمعضلة العسكرية الجهادية التي ترسخت في سوريا، فلا يخامر أحد الشك بأن هؤلاء الجهاديين سيسلمون أسلحتهم فور سقوطه، أو حتى بعد تشكيل جيش وطني سيستغرق تشكيله فترة ليست قصيرة، ذلك التشكيل الذي سيعتمد على الطريقة التي سيسقط بها النظام والزمن الذي ستستغرقه.

نقطة البداية لعلاج الظاهرة الجهادية في سوريا هي توحد القوى السياسية ضمن مشروع وطني يجمع كل أطراف المعادلة في سوريا بما فيها القوى أو التيارات الغائبة الآن عن ساحة المناوشات السياسية في الخارج، والنقطة الأخرى هي كف يد السياسيين عن اللعب بالسلاح واستخدامه في السر [والعلن] لفرض معادلات سياسية عبر الإستقواء به، فذلك وصفة مكررة لحرب إهلية قامت في دول عديدة حولنا وبعيدة عنا. 

النقطة الأهم أنه حتى في الفترة الإنتقالية فإن اللجوء لصناديق الاقتراع، عبر قانون إنتخابي مؤقت للحصول على التمثيل لعقد مؤتمر وطني عام سيشكل لبنة أساسية للحصول على تمثيل شعبي وشرعي يمكن أن يشكل مخرجاً لـ "اللعب السياسي" بعيداً عن السلاح. وهو ما يمكن أن يعطي شرعية وشعبية لأي "علاج" للظاهرة الجهادية السورية. بينما سيظل الاحتجاج على "التعيين" و"التقاسم" و"المحاصصة" والخلاف حوله حاضنة للجوء إلى السلاح ودخول "الجهاديين" كطرف في مناوشات فرض الشروط [السياسية]. أما موقف الدول النافذة في الوضع السوري حالياً من هذا الأمر فيحتاج وقفة أخرى.

للمتابعة على تويتر
http://twitter.com/alkhalaf



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات