مواضيع اليوم

عن إرادةٍ مُختلفةٍ في الحُلُمْ

يوسف القدرة

2009-03-08 21:02:11

0

عن إرادةٍ مُختلفةٍ

في الحُلُمْ

يوسف القدرة

 


للرُّوحِ فِضْةٌ تُبْرِقُ في خيوطِ الضوءِ التي تشعُّ. الراحلون يُمسكونَ خيطاً واحداً إنْ هُمْ استطاعوا. القهوةُ شرابُ التائهينَ في أمسياتٍ بلا قمـرٍ أو أيِّ عِطرْ.

 

يُعيدُ الظلامُ تطهيرَ الهواءْ. تلتحفُ الزرقةُ بغطاءٍ أسودٍ يُؤانسُهُ بحرٌ ينبضُ بما فيهِ. المعاني تكبُّ فراغَها في ساعاتِ الليلْ. تُدخِّنُ الآفاقُ آهاتِ المتعبين وتهدي ورداً وأحلاماً للذين ينامون في أنفسهم.

 

متكبِّراً على الغموضِ والمصابيحْ كُنْتَ. تقتربُ من نهرِ قلبكَ الماطر وحيداً. يتخلَّلُ خوفَكَ وتتخلَّلُهُ. كصورٍ تجيءُ مِنْ عالمٍ يعرفُكَ وتجهلُهُ. كنتَ تبدو حزيناً. قلتَ: الحزنُ كائنٌ أليفْ. كان يمتصُّكَ الحُلُمُ كيْ تصحو صباحاً وتبدو عاديّاً وغريباً على المرايا التي رأتْكَ في المساءْ.

 

يُرعبُكَ الجنونُ والعيونُ قوةٌ تكسرُ ضبابيَّةَ اللغةْ. تُشعرُ قواعدَها بنشوةٍ. تُخرجُها عن قوالبَ ليسَ البياضَ في حاجةٍ إليها. كنتَ مجرَّدَ أنفاسٍ في حوضِ سمكٍ ملوَّنْ. كانتْ قُوى البحرِ تنتشرُ فيكَ. يبني الملحُ جسدكَ خرائطَ فيما زبدٌ يسيلُ لؤلؤاتٍ على شكلٍ يعتريكَ. "الموتُ يا بني" قالت العرَّافةْ.

 

لم تنتبهْ للنجومِ على كتفِ الرحلةِ تتراقصُ، تغني أرواحَ الذين كانوا وذهبوا أُغنيةً مُطرَّزةً باليقظةِ والانتباهْ. أطرقتَ رأسكَ للذاكرةِ كي لا يتكرَّر الصباح والولادةْ. الذاكرةُ كما أدلفت العرَّافةُ ذاتَ سهرةٍ على رملِ الشاطئ، لحظةَ أشارتْ أنَّها لا تقصدُ شاطئَ البحرِ كما فهمتَ بل شاطئ الروحْ:"كائناتٌ كامنةٌ في نهرِ قلبكَ. تسري في أدمغةِ كونكَ. رجوعُها يكونُ من البوابةِ الأولى التي عبرتْ منها حبيبتُكَ ذاتَ لحظةٍ مُعْتِمَةٍ من ألوانْ".

 

 

"يا خالةْ: رائحةُ التأمُّل تحاصرُني بأقنعةٍ لا تُجدي كوني وحيدٌ وغائبةٌ [هي] في أسئلةِ الحضورْ", قلتَ.

 

كنتَ تُدركُ أنَّ كلَّ شيءٍ في حياتِكَ حاضرٌ "الآن" يغيبُ عندما تجيءُ "اللا الآن", فراقبتَ غيابَكَ وحضورَكَ مرةً أُخرى.

 

لوحةً من بياضٍ كنتَ. هذا البياضُ يحتاجُ مَنْ يُجرِّدُهُ لتتشكَّلَ لوحةٌ ما. كُنْتَ ترفضُ التشكُّلَ والنارُ تكلِّمُكَ عن إرادةٍ مُختلفةٍ في الحُلُمْ. النومُ نارٌ تُحضِّرُكَ لمجهولاتٍ من ثباتٍ ومرونةْ.


 

يتكوَّرُ الفرحُ قربَ ضوءِ النيونْ فيما أنتما في غرفةِ النومِ تُداعبانِ قناني العطورِ وأغنياتٍ من إسفنجٍ ووقتاً من بنفسجٍ يمرُّ عليكُما كما تمرّان على معرضٍ لفنانٍ تشكيليٍّ جاءَ من الوهمِ وإلى الوهمِ يَمْضي، تاركاً ملحَ لوحاتِهُ في ذاكرةِ حكايةٍ للبحرْ. الأفقُ في الغرفةِ دخانُ سجائرَ يتمايلُ مُتَّجهاً صوبَ نافذةٍ تلدُ هواءً يُذوِّبُهُ. إضاءةٌ زرقاءُ تتدفَّقُ، للوردِ شوكٌ تحذرانهُ. مع أنَّكَ تؤمن تماماً أنَّهُ لابدَّ من الجرحِ كيْ يكتملَ الفرحُ.



جلستَ تحتَ الغيومِ تَعُدُّ ما بدا لكَ من آفاقٍ وصورٍ مغْسولةٍ بالشِّعر. الشاعرُ ينهضُ من جُمْلةٍ، يركبُ جَمَلاً، يدقُّ خُفِّيْهِ على طريقٍ مرصوفٍ بالآمالِ والآلامْ. عُدتَ منكَ راغباً في التساقطِ كمطرٍ يُضِيءْ. هكذا كنتَ أو تمنَّيتَ الغيومَ مدفونةً في أعماقِ الترابْ.

 

حملَ ظلُّكَ فنجانَ القهوةْ. تبعتهُ حاملاً ظلَّ الفنجانْ، راكباً حصانَ السواحلِ الممتدَّة في ذكرياتٍ قديمةْ؛ مُنْكسرةً كنساءٍ فقدن أنوثتهنَّ عند قلاعِ عُمْرٍ مع عُشاقٍ طاروا كريشِ قمحٍ في عاصفةٍ رسمتْ دوائرَ كثيرةً في جوٍّ خالٍ من تكنولوجيا كانت تسلبُ القلوبَ والجَمالَ وتتركُ الأجسادَ حافيةً من أيِّ طقوسٍ تتوقفُ عندها بمتعةٍ مُخْتلفةٍ تُشبهُ قطينِ يتعاركان في ليلٍ هادئ.


 

نمتَ هارباً من مرايا لا تنضحُ إلا بما فيها. مُعتقداً اتساعَ مرايا الحُلُمِ في وقتٍ أقلّْ. فاجأتْكَ عيونُها الأجملُ ترنو إليكْ.

 

قَلِقاً ترقصُ في ذاكرةِ لحظةْ. الصدى ألوانٌ تستعيدُ عبقَ لوحةِ "الرُّوحِ التائهةِ" في نهارٍ أعرجٍ يُحدِّدُ شيخوخةً تُزمجر. وحدُهُ: سفرُ طفولةٍ يُوقظُ فيكَ حنيناً للوردِ والليمونِ وكمْ تُراودُكَ ممارسةُ الذكرياتِ وتخافُ التكرارْ. تَشُكُّكَ شوكةُ الخوفِ والعتمةُ تُحدِّقُ بكَ.

 

فيكَ حريقُ كلامٍ: [ خرافةٌ أنا كحُلُمِي. يقضمُني آخرُ. يشربُني ترابٌ يصحو. بعيداً أطرِّزُ تيهَ اشتياقٍ. أنحتُ حمامةً للحُلُمِ. أستضيفُ هواءً نظيفاً و شجرةْ..]

تبقى تُطِلُّ من صوتِكَ كصورةٍ تشتهي ظلاً. النهارُ أغنيةٌ تأخذُ العقلَ إلى أكواخِ الرُّوحْ.

 

أمَّا عَنْ التَّحيّةِ الزرقاءْ. رُوي في أمرِها أقاويـلُُ كثيرةٌ. قيل: تتجنَّبُ مَنْ ليسَ لقلبِهِ آفاقْ. تجافي مَنْ يضعُ حدّاً لخيالاتهِ. تعجنُ الشروقَ بزعترِ الملتحفينَ بالطَّبْعِ. فكرتُها مرسومةٌ على جوهرِ الصدى الذي يترددُ في أوكسترا الضوء.

 

 

تذكُرُ أنَّكَ صنعتَ عروسةً من عيدانٍ وقماشْ. أسميتها: البحرَ! مدَّتْ موجَها حينَ طفحَ الليلُ قُربَ لحظتِكَ التائهة بلا ألوانٍ أو أضواءْ. كنتَ غاضباً من أحلامٍ تأتي في الأحلامْ.

 

قيل أيضاً: تكْتُبُ عاشقَها قصيدةً كونية. تهديه وردةً ومساحةْ. تمسحُ العرقَ عن شكلِ الطُّرقْ. دائماً لم يكن وقتٌ لذلكْ.

 

رأتْكَ ترتقي أدراجَ الإدمانِ عليكَ. تنقعُ إحساسَكَ في دموعِها الملائكيةْ. بكتْ المبادئُ ألماساً، ذبحَ فيلُ البحرِ بخرطومِهِ خجلَ القمرْ. هكذا اعتقدتَ الزرقةَ قادرةً على الانسجامِ مع روحِكَ التي تبعثُ موسيقىً في مناقيرِ الغيومْ. حينَ الشمسُ تتورَّطُ في ضياعِ نكهتِها النحاسيَّةْ؛ تلتحفُ ببراءةٍ في غروبِها.

 

كانَ البحرُ يعرفُ أنَّها وحدها الدفءُ الذي يتلاءمُ مع كيانِكَ المخلوقِ من تيهٍ وحُبّْ. يعترفُ الموجُ بديمومتِهِ. يُطلقُ مشاهدَهُ للكلِّ دونَ رأفةٍ وبحنانٍ كبيرْ.

[كيف لروحينا أن تلتقيانِ وكلتاهما مخبأتانِ في جسدين لا يلتقيانْ؟]، قُلتَ.

تَنْشُدانِ صمتاً عارياً وسط ليلٍ تتشابهُ فيه الحكاياتُ، تُنجبانِ نجمةً تُقَطِّرُ أبيضَ.

  

[لماذا تحنُّ أرواحُنا إلى أخرياتٍ من بلادٍ قديمة؟]، سألتَ.

في حضنِ الروايةِ يمنحُ سحرٌ روحَكَ روحَها. يُقشِّرُ تفاحةَ الطيرِ دمعاً ومنطقاً وكبرياءَ. دائماً ذلك سوف تسمعُهُ جمالاً وتولُّعاً ولذّةْ.

 

ظننتَ الإنهاكَ لا حدودَ لهُ. أيضاً الإنكار ألمٌ وليالٍ ضيقةٌ كحلقْ. حتّى آخر الحبِّ كافٍ ليُعيدَ حبّاً مُنْسجماً مع ذاتِهِ. اليقظةُ تكشِّرُ في رحمِ عتمةْ. تضجعُ على البياض الإسفنجي مُمتصةً حزنَكَ، وبريقَ مشاعرِكَ، وتوهُّجَكَ كذلك. ينحني لها فرحُكَ طوْعَاً.

 

تخرجُ منبعثةً منكَ تصوّراتٌ وكلماتٌ، اللغةُ على أيَّةِ حالٍ تحبُّ الانطلاقْ، تتوقُ التحوُّلَ والتنقُّلَ. جميلةٌ انحناءةُ الخطوطِ، انتصابُها يأخذكَ إلى حالةٍ مسكينةٍ ومبدعةٍ من حالاتِ الجسدْ. ذلك القفصُ الذي يبغي الاتساعَ والبكاءْ. لامسكَ الفيضُ ففضتَ فضّةً؛ لمْ يُزعجْكَ التشابهُ بين امرأةٍ وورقةْ.


 

قيل: هذه ليلةُ صدىً يتردَّدُ فيها ظلامُ الأرضِ ويتراقصُ الكونُ كشجرةٍ مسَّها ريحْ.

 

ما زلتَ تثقبُ الدوائرَ. صامتاً تغسلُكَ الصلاةُ. تذوِّبُكَ حينَ تَمُسُّكَ فيما غائبٌ يخطو محتملاً ممتنّاً للمصادفةِ والكيمياءْ. سرٌّ هو ما يوصِل الذوقْ. الحسُّ فضيحةٌ تشعُّ كمكيدةٍ.

 

غربلتَ غبارَ الظلِّ بشقاوتِكَ. مسحتَ بُقعَ الفراغاتِ عن ضفيرتيكَ المسروقتين قديماً. عبَّأكَ صراخُ البحرِ ليلاً بجثثٍ وقصصٍ ونجومٍ تسبحُ على سوادٍ غاضبْ. كتبتَ في الرملِ اسمَ حبيبتِكَ. لم تكنْ وحيداً. خُيِّلَ إليكَ أنكَ ستقولُ كلاماً حُلُوَاً عن الحياةْ.

 

أَشْعلتَ سيجارةً. رسمتَ دوائرَ كثيرةً على الرملِ والهواء. عدَّدتَ موجَ قلبِكَ، قلَّبتَ صوراً مُعلقةً على جدرانِ ذاكِرتِكَ. خشيتَ الشُّهب أنْ تخطفَ روحَكَ. قامرتْكَ اللغةُ واضعةً يدَها في يدِكَ.

 

طالما انتصبتَ نخلةً أمامَ الأمواجْ. نشرتْكَ المرآةُ مُتوهجاً متوجهاً للحزنِ. صارَ قبلتَكَ. فيما لغتُكَ مفقوءةٌ وناعسةْ.

 

تصعدُ ابتسامةٌ من رحمِ السكوتْ. ثمّة مواعيدُ في العالمِ الصغيرِ تُغني للانسجامْ. تُحلِّقُ أشعةٌ اصطبغتْ بالرقصِ والعِناقْ. تلوّنُ الأسئلةَ وتهجرُ الموتْ.

 

[كلُّ

موتٍ انتباهٌ وتجاوزْ]

.. هذا ما همسَ بهِ الصحو!!

 

 

 

 

 

شاعر فلسطيني يُقيم في غزة

  النصّ من مجموعة شعرية موسومة بـ (لعلّكِ)- الطبعة الأولى 2007 عن جمعية الثقافة والفكر الحر




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !