عن أي نصر يتحدثون؟؟.
تحل هذه الأيام الذكرى السابعة و الثلاثين لحرب أكتوبر بين العرب و إسرائيل. و تسود في العالم العربي قناعة تامة بأن تلك الحرب انتهت بنصر مؤزر للجيوش العربية في مواجهة جيش الإحتلال الإسرائيلي.
معلوم أن وجهة الصراع في الشرق الأوسط تحولت بشكل جذري منذ حرب يونيو 1967، و التي انتهت بما يصطلح عليه في الأوساط الثقافية بالنكبة أو النكسة. فلم يعد المشكل يخص الفلسطينيين وحدهم بل أصبح شأنا عربيا. و منذ ذلك الوقت اعتبرت القضية الفلسطينية أولوية وطنية في كل البلدان العربية. كما أن إسرائيل نجحت خلال هذه الحرب في احتلال مزيد من الأراضي في سوريا ومصر. و هو ما وسع دائرة الصراع عمليا. لذلك كان من الطبيعي جدا انتظار جولة جديدة من الإقتتال بين الطرفين خصوصا و أن كبرياء القوميين العرب كان ممرغا في تراب هزيمة 1967. و وجدت القيادتان المصرية والسورية في 6 أكتوبر 1973 تاريخا مناسبا لشن هجوم مباغث على إسرائيل بهدف استرجاع أراضيهما. و نجحت الخطة في الأيام الأولى من الحرب في إرباك الدفاعات الإسرائيلية التي لم تكن جاهزة لمواجهة هجوم من هذا القبيل. لكن القوات الإسرائيلية استرجعت بعد ذلك زمام المبادرة. و انتهت الحرب بعد جهود ديبلوماسية دولية مكثفة لتدشن مرحلة جديدة في تاريخ الوضع في الشرق الأوسط.
لقد تم تصوير عبور الجنود المصريين لقناة السويس و تجاوز "خط بارليف" بأنه انتصار للعرب في حرب أكتوبر. و تتجلى مؤشرات هذا الإنتصار في استرجاع مصر لسيادتها على سيناء بموجب اتفاق السلام الذي توج بمعاهدة " كامب دايفيد " بين أنور السادات و مناحيم بيغن... لكن الحقيقة الغائبة خلف هالة التطبيل لنصر أكتوبر المزعوم هي أن إسرائيل خرجت أكثر قوة من ذي قبل. و استطاعت أن تشتت الصف العربي بتحييدها لدور مصر في الصراع. و هو النجاح الذي تقطف ثماره اليوم بشكل واضح. حيث انقسمت دول المواجهة إلى تيارين، الأول يضم بلدين هما الأردن و مصر اللذين تجمعهما علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل و يلتزمان بالسلام، و الثاني يضم سوريا التي مازالت تضع نفسها في خانة الممانعة، لكنها ممانعة الشعارات و تأجيج العواطف... و إذا كان معسكر السلام قد رضي بالنصيب و اقتنع بضرورة التعامل مع حقيقة الأمر الواقع، فإن جيوب المقاومة تنقسم إلى طرف يمتلك الإرادة لكنه لا يمتلك الوسائل، وطرف آخر رأسماله هو الكلمات و الخطابات الرنانة، و في أحسن الأحوال يريد محاربة إسرائيل ببنادق الآخرين.
و رغم أن العرب يتحدثون بوحي من نجاحهم الجزئي خلال الأيام الأولى من الحرب عن كسر أسطورة جيش إسرائيل الذي لا يقهر، فإن الوقائع التي تلت ذلك أثبتت أن الدولة العبرية هي القوة الإقليمية الأولى في المنطقة بدون منازع. لذلك كان خيار السلام هو ملاذ العرب الوحيد ليس حبا أو رغبة في السلام، بل لأنهم أدركوا التفوق الإستراتيجي الإسرائيلي. لذلك فإن الحكم على حرب أكتوبر يجب أن يتأسس على قراءة موضوعية لكل النتائج المترتبة عنها في ميزان الربح و الخسارة. و من الواضح في هذا الإطار أن واقع الصراع في الشرق الأوسط يثبت اليوم أن ما يسمى نصرا هو في الحقيقة وهم يراد للشعوب أن تصدقه و تعيش على ذكرياته للتنفيس و التعويض عن الإخفاقات العربية المزمنة، لأن المنتصر الحقيقي هو الذي يفرض إرادته و اختياراته. فأية إرادة و أي اختيار للعرب في صراعهم مع إسرائيل؟.. محمد مغوتي.07/10/2010.
التعليقات (0)