, ...
أينما أولي وجهيّ بين أساتذة وطلاب أجدُ مذاهب شتى تدورُ في أطرِ طرق التدريس , و نظرتهم لبعضهم , وتصنيفاتهم فوجدتُ أنّ هذه المذاهب حريّة بالبسط إذ الإختبارات تجعلهم يدورون في فلك هذا الموضوع .
أبدأ بالطلاب لشتراكه بينهما
فإن ما رأيتُ من حالِ الطلاب ما يسرُ النفس و يطربُ الأذن فأحاديثهم لا تُمل , تعرفهم بإبتساماتهم , و بتقاد الفكر في عقولهم فإنّ هذه الحِدة هيّ أسُ تناطحهم مع الأساتذه مهما بلغوا من العلم فترى الأمر يكونُ سبيلاً للإسقاط وَ جعل كل حجة منهم مَهزلة وكل رأي مذهب شاذ يجب أن يرفض و يرمى إلى مَزبلة التاريخ .
ويستفحلُ الأمر عندما تقصمُ العلامات ظهرَ الطالب ليحملَ هم سؤاله ونقاشه إلى مستوياتٍ أخر .
ولقد رأيتُ من الطلبة من يعرفهُ نصف طلاب الجامعة التي ينتمي إليها وكذا أغلبُ منسوبيها , لهُ نشاطات عديدة في أطر خدمات الجامعة من مسرحٍ أو جماعة تعرفهم من نشاطهم وحماستهم تتملكهم روح الشباب و غالبًا يكون ذلك مقدمًا على الدراسة و التحصيل إذ يحملهم حب المرح و العمل الجماعي إلى نبذِ الدروس المملة جدًا والتي تفهم العلوم نظريًا و يجدون فيها إعمالاً للفكرِ في غير محل يوردُ إلى نتيجة و هيّ كالمعادلات التي لا تقود إلى أي حل , بينما الحق واقع في بساطة ما يُعلم و ظرورة أن تكون ماهيته مرتبطة بالعمل الذاتي و أن يكونَ ملموسًا .
ثم يعد إنشغاليّ بالصنفين الأولين والذين قد يلتقيان في أمورٍ ويفترقان في أمور وجدتُ من الطلبةِ ما لا تجد له أيّ أثر في قاعاتِ الدراسة تنسى ملامح وجوههم ولا تذكر عندما تلقاهم أينَ ألتقيتما قبلاً يَحملك صمتهم إلى بناء جدران إسمنتيه بينك وبينهم و هذا ليس صنيعك وَحدك إنما يفعله حتى أساتذتهم و غالبًا يتشكل للناس مفهوم عنهم بأنهم مُجدين وهم صنفان إما مُجد مجتهد يعملُ فكره في مجالِ علمه و قَد ينقصه الكثير ليعرفه عن نفسه وعن الإنسان إذ علاقاته محدوده و أفكاره منصبة في أطرِ الموضوعات التي تقررها إدارة الجامعة و قَد تقوده إلى موضوعاتٍ أخر في ذاتِ التخصص , وإما أن أسئلته تبدأ بعد الإجابات فتحولُ بينه وبينَ أقرانه و تقلص عدد أحبابه وربما قتلتهم وإنّ أحبهم , وأحيانًا أراني من هذا الصنف عندما يحسبُ المتكلم أمامي كلماته وينمقُ عباراته بينما لا يفعلُ مع أحدٍ سواي إذ تبدأ أفكارُ الناس عنك من أفكارك التي تظهرُ عليك أو من هندامك الذي يحكي بعضًا مِنك و إبتسامتك التي توصلهم إلى قلبك الذي يحب ويحس الإنسان بما يحب لكني وجدتُ أني إذا أعملتُ في هذا التفكير بنيّ حاجز آخر من جنس هذهِ الأفكار بينما قلبي يخالف كل ذلك فيحب بعمق و يجعلُ لمحبوبه مكانًا لا يزول منه مهما خان أو غدر و مع هذا فإن هذه الصور تتوارث بينَ أصدقائيّ ومع أساتذتي أيضًا لا فرق .
و من الأساتذة ما هو لطيف الجانب لينُ العبارة كثير التبسم أريحي النقاش و هذا النوع ينقسم إلى إثنين الأولُ أن تكون هذه الصفات هيّ ذاتها صفات إختباره فهؤلاء تعرفهم بقلة الأكسجين في قاعاتهم فمريدوهم كُثر و محبيهم لا يحصون و الحضور لهم على غيرِ المعتاد عند أي أستاذ آخر . والثاني أن يكونَ على نقيض صفاته في إختباراته فيسأل مما بين السطور و ترى في أسئلته عندما تقرأها وجهًا لتجهمه وعنفه الذي لا تراه إلاّ في ذلك اليوم من المستوى .
ومنهم ما هوَ غليظُ العبارة , سيءُّ الخلق , كثير المِنه و عظيم المحنة وهذاَ النوع يتفرعُ عنه قسمان الأولُ أن تكونَ صفته صفة إختباراته و مما حكيّ لي أن أستاذًا قالَ لطلابه أني وأنا عظيمُ القدرِ في هذا العلم أيها الأبناء إلا أني لا أقوى على حلِ أسئتلي ولا أفهم ما هوَ مرادي من مقالي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم . والثاني ما ترى وجهَ الحسن في إختباراته فتنقلبُ لعنات الطلاب إلى دعوات و مما تعجب له أن صنيعه يقلبُ سيئاته حسنات كأنما لم يذنب أو لم يمسسه سوء .
و مِنهم ما لا يعرفُ له إتجاه ولا طريقة فهو في وقتٍ يهبُ للطلاب أعلى الدرجات وفي وقتٍ يرمي بهم إلى قاعٍ لا يخرجون منه إلاّ إذا أتموا مع أستاذهم سنةً كاملة . وهؤلاء غالبًا تحكمهم عواطفهم وتسيطر عليهم إنطباعاتهم و مما حكي لي أن أستاذاً قادم من أحدِ الدول العربية الشقيقة كان قَد أرتدى شماغًا جعلَ نصفَ المحاضرة يعيده مكانه عندما ينزلق و إذا به ينشغل بهذا كثيرًا إذ يهوي به الكرسي ويرتطم رأسه بالأرض حتى ضحك من الطلاب الكثير لكن وبعد هذا الموقف تحولت هذه الضحكات إلى حزنٍ أعاد به أغلب الطلاب المادة وهم الذين عرفوا الدكتور رجلاً متسامحًا رأوا منه ما لا يسرهم ولا يسعدهم فنقلبت ضحكاتهم إلى النقيض و حملوا وزر فعلتهم مستوى آخر .
وكما أن من الطلبة من لا يفهم المراد وجد أساتذة لا يفهمون مراد الطلبة أو يتغابون عنه فيصرون أن الصحيح والراجح مالم يختاره طلابهم . ومنهم ما لا يفهم مراده وربما لم يعرف هو ما يريد يضع النقاط ويطلب الطلبات حتى إذا أتت الإمتحانات رمى بكل مواثيقه ومعاهداته عرضَ الحائط لضعف جانب الطلاب وقيلة حيلتهم وربما كان لضعف حيلته ومراد هو في ذاته وربما أول ذلك بمقاصد ثانوية لا تخطر على عقل إنسان ولا عاقل تقويها رتبته العلمية .
وقد يأتي من الأساتذة من يكرهُ مهنة التعليم فيتحمل هذه الكراهية طلبته ولا يحسنُ أن يعلم فهو يصب جام غضبه على موقعه من خلال طلابه وربما لو عملَ في بيع الخضروات او حرث الأرض لنالَ سعادته و حصل من الرزق ما يكفيه ويفيضُ عنه .
و من الأساتذة صنف قارئ يقرأ مادته إما من كتاب أو عن حفظ فهؤلاء يعدون من نسخ هذه الكتب التي توضح مادتهم أكثر منهم معلمين .
وقد يخلط الناس بينَ التعليم والبحث فربما وجدتَ باحثًا عظيمًا ضعيف القدرة على التعليم كما تجد الكاتب يجيد الكتابة و يضعفُ عند الحديث و عالمًا يفهم دقائق أمور علمه لكنه ربما تسعفه الطريقة لإيصال علمه لطالبي علمه و كذا المقتدين في عمله .
التعليقات (0)