مواضيع اليوم

عن "آب 1990" .. عن الصّدمة .. !!

سعد الياسري

2010-08-02 12:52:21

0

عن "آب 1990" .. عن الصّدمة



كما في الأدب منهج للصدمة السّرديّة – ناباكوف مثالاً – ففي السياسة أيضًا ثمّة منحىً مشابهٌ ، و اليومَ تمرّ علينا ريحه العشرينيّة فاتحة للذّاكرة نوافذَ نُطلّ منها على أكثر اللّحظات السياسيّة و الاجتماعيّة حراجةً و تهشيمًا للرّوح السّليمة في تاريخ العراق المعاصر ؛ حينَ أقدم حاكم العراق البائد "صدّام حسين" على الخطوة الأشدّ غباءً و دناءةً في تاريخ حكمه الحافل بهاتين الخصلتين ، الخطوة التي ما زلنا – كعراقيّين - ندفع أثمانها بالجُملة و المفرد ، أعني الخطوة التي احتلّ بها دولة الكويت المجاورة و الجارة خلال ساعاتٍ ، و بمبرّراتٍ – كان قد أعلَنها فيما بعدُ - لا تصمد أمام أبسط قارئ واعٍ لتاريخ نشأة الدول .


و كي لا أخوضَ في كلّ ما قيل حول هذه المسألة التي أُشبعتْ درسًا ؛ سأدخلُ في لبّ الموضوع و أقول : يبقى السلوك الأمثل - في تصوّري – هو ألاّ يقومَ سُذّج و "شلايتيّة" السياسة الجديدة في العراق بالهروب من مشاكلهم و أزماتِهم العراقيّة الخالصة عبر الترويج - و بلغة خشبيّة و مُناخ بعثيٍّ مقيتٍ غالبًا - لحقوق "قومجيّة" وهميّة في هذا المكان أو ذاك كالكويت في حالتنا هذه . فنظرةٌ واحدةٌ لتاريخ دول هذا الشّرق "الأغبر" تكفي لنعرفَ بأنّ حدود دوله الجغرافيّة التي صارت "مقدّسة" بل و يظنّها البعض "أبديّةً" ؛ أقول نظرةٌ واحدةٌ تكفي لنعرفَ بأنّ دولنا – كاملةً - صنيعة مشيئات قوى كبرى شاءت قبل 100 عام أن تجعلَ لنا هذه الخارطة غير الجميلة و غير المستقرّة ، و لكنْ المتخمة بالأمراض و الخلافات .. ففعلتْ .


أمّا العراقُ ؛ وبعيدًا عن اللّغة الشّاعريّة التي لا قيمة لها أمام خراب الواقع فهو – ككيان - مفتّتٌ داخليًّا و لم يكن في يومٍ من الأيّام مستقرًّا لا في مناطق جباله الشّماليّة و لا في مياه أهواره الجنوبيّة ولا حتّى في نسيجه الاجتماعيّ الذي بدا هشًّا في أكثر من مناسبة ، بل و قابلاً للتفجّر لأسباب تافهة أحيانًا . و كلّ ذا – كما أرى – ثمارٌ لشرور بذرها حكّامه الذين تناوبوا على مضاجعته بشراسة ، و مارسوا تغذية نعرات بعض طوائفهِ و مكوّناتهِ – بالتشجيع أو بالظّلم - منذ تأسيسه الحديث بريطانيًّا بتتويج حجازيٍّ - لم يرَ العراقَ قبلاً - ملكًا عليه و حتّى اللحظة الفادحة من راهننا .. و لا شأنَ للكويت بكلّ تلك الأمور التي سقتُها أعلاه سوى قدرِها التعسِ الذي وضعها أسفل الخارطة العراقيّة .. فهي – أي الكويت - فرصة جيّدة لكل حاكم عراقيٍّ مختلّ أو مخنوق داخليًّا أو إقليميًّا للترويح عن نفسه بكلمة سحريّة عادةً : الكويت عراقيّة . وهي كلمة ما زالتْ تجد من يطربُ لها في العراق ، و بعضهم من النخبة المثقّفة .. للأسف . وهذا لا يعني أنّ الكويت كيان مستقرّ .. ففيها من القنابل الاجتماعيّة و الاقتصاديّة الموقوتة ما لا يبشّر بخير .


أخيرًا ؛ المشاكل العالقة بين الدّولتين (العراق | الكويت) من الحدود إلى الديون و التعويضات إلى ما يُشاع عن دعم الكويت لأحزاب أو ميليشيات بعينها – حزب الفضيلة مثالاً - كلّها يمكن حلّها في ساعتين من الصّفو حين تكون إرادة حكّام البلدين حاضرة . و الإرادة التي أعنيها ليستْ في الرغبة فقط أو في استذكار أواصر و روابط الشّعبين ، أو في مدّ بساط أحمر أو رفع علم أو عزف سلام جمهوريّ و أميريّ .. و إن كان كلّ هذا جيّدًا ، بل الإرادة – عندي - تعني شروطًا قاسيةً تجتازها الحكومات الحرّة لتصنعَ من الدول الخرائطيّة دولاً حقيقيّة على الأرض في خاتمة المطاف .. دولاً تنظر إلى مستقبلها و لا تعيش رهينة الهواجس و أشباح الماضي .. فكلّ ذا لن يغيّر من حقيقة أنّ كلا البلدين بشعبيهما – على أقلّ تقدير - باقيانِ .. ها هنا ... و حتّى النّهاية .


قُبلة للكويت و أهلها في ذكرى الجرح الأليم ؛
و أمنيات للعراق و أهله بالمثل لا أكثر ،
أي أن يكون الجرح ذكرى لا نمط حياةٍ يوميّة نعيشها ..
و ما هذا بكثير .. كأمنية .. !!


سَعْد اليَاسِري
السويد
الثّاني من آب | 2010
الموقع الشّخصيّ




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !