عنكبوت
ثمة هدوء يقطن ذلك الركن المهمل ، حيث الظلام يغذي لحظة الافتراس والتصيد . نور مكتئب أتكئ على ظلام سقيم تخلل بعض ظلال الأشياء النائية عن ملمسي ، فعوى فيه الإهمال يصرخ كأنين الجوع عندما يشتد ! خامرني صوت زنين تنصل مفتوراً بالعبث ، أتفنن في اغتيال الثواني في انتظار أن أنفصل عن العالم وأنام . يتشاغل سمعي مع دقات عقارب ساعة شاحبة مجترة عقاربها بتثاقل .. تراكمت عليها سنين الانتظار وكأنها كانت تتواطأ مع مستقبلي الجائع الذي لا أرى خيوطه المحاكة فأسقط دوماً ضحية هشة ..
أنهز باب خلوتي بشدة وأسقط جثة هامدة على سريري المرتجف لأدخل في مساحات ملونة من الأحلام .. تحملق فيّ لبرهة ، أرى لمعتها المتقلبة . تهبني نصف اهتمام ثم تغيب فجأة ! أخنق النور وأتنفس بصعوبة كي أنام وأنفصل عن واقعي المر وأنا أتحرز ألا اسقط في براثن خيوطها المزعجة التي تلتصق في وجهي كل مرة فأمزقها بشدة وأتمنى حينها أن أسحقها بقدمي كما تسحق الأشياء الصغيرة .
أتمدد وأغيب في أحلامي حيث يأخذني الظلام إلى مرافئ حزني الممتد فازفر من سقوطي كل مرة في ذات شركها المزعج ، ألفت تبرجها الخادع لأنها جعلتني أتوقع خيوطها الغير مرئية ممتدة في كل الاتجاهات .. أناوشها بيدي في حركات بهلوانه حتى أقطع آخر رجاء في وجودها المربك ليقظتي ونومي حتى حلمت ذات مرة أنني مندس تحت شفير يديها تخنقني بحبالها ، تلفها حول عنقي مثل علامة استفهام ضخمة بعد أن حاولت كشف كل أسرارها ومرات عدة فكرت في طردها من مخيلتي ولكن دون جدوى !
أفيق مربوكاً من نومي أتصبب خوفاً من حقدها القاتل وأخشى أن يكون حلمها متجاسراً هذه المرة ليكون واقعاً هو الآخر لابد أن أتعايش معه . فـ الأحلام التي لا تقويك تكون مشروعاً لتدميرك ..اسرح أبحث عنها ويزداد خوفي !
يقولون بأن : هناك بعض الأرواح الضعيفة تكون سبباً في هلاكنا . وخاصة إذا تلازمنا معها في حقد قاتل يتعارض مع واقعنا ! ويصبح الخيار الوحيد موت أحدنا لننتهي من حبك المؤامرة ، الضعيف لا يهزم أحياناً .
يبدو أنها الليلة لا تنوي على خوض مغامرة .. لم أر لها أي أثر هذا اليوم ؟ تعودت تبرجها الخادع ! ربما ملت سخافاتي العارية وقررت الرحيل بصمت ..كشفتُ كذباتها أكثر من مرة وبدأت أدرك تماماً حبكات خيوطها التي توقعني في حالة هيجان يتغير معها وجهي وطبقات صوتي فأتجرد من آدميتي وألعنها بعنف .. رسمتُ في مراميها خطة الأحرف الضائعة فما عادت تطمع في واقع سهل حيث تدرك تماماً أنني أحيلها للأحلام وأدخلها في متاهة !
الرجل لا يعترف كثيراً حتى لا يفقد مغامرته .. لا أستطيع أن أكشف لها نيتي في فرحي برحيلها دون رجعة ، وهي تغالب وقتها لتعيش ضمن دائرة اهتماماتي كلما رأتني مهملاً في ظلام يائس ..
شركت خيوطها بدقة ووهمية متعالية .. دخلتْ في حيز انتباهي، نصبت إغوائها في مكان ملهم وهادئ لا يرى إلا بحواس إرادتها.. مكمن فيه لذة الهروب من الحياة إلى حضن الموت الدافئ ، فـ سقطتُ ضحية سهلة !
حسن الأحمد
التعليقات (0)