مواضيع اليوم

عندَ الفيفا الحلّ اليقين

شيرين سباهي الطائي

2009-12-22 16:08:38

0

تُعجبني قراراتُ "الفيفا" ومجالسها ولجانها واتحاداتها الدوليّة وتتمثّل أمامي غصباً في كلّ ما نعاني منه ونشتكيه إلى ولاة أمرنا من فسادٍ أو سوء استخدامٍ للمسئولية والصلاحيات والمناصب القياديّة،فالاتحاد الولي لكرة القدم يزدهرُ يوماً بعد يوم تنظيماً وهيمنةً وقوّة في كلّ العالم ولا تكادُ تخلو بلدة يلعبُ صبيانُها أو بناتها كرة القدم في أزقتها الترابيّة من سيطرة قلّتْ أو كثُرَت لتطبيق قرارات هذا الاتحاد العملاق رضا بما يصنعه ومسايرةٍ لعالمٍ لا يقبلُ الخروج عن جماعة الأقدام بأي شكلٍ من الأشكال ..

ليس لدى "الفيفا" جيشٌ ولا قوات تحالفيّة مثل التي ترعاها "الأمم المتحدة" المسكينة ولا عسكر يضمّ دولاً تحالفت على قتل الشعوب والتدخل في مصائر الأمم مثل الذي يملكه "النّاتو" والذي كان يسيطر عليه "وارسو" قديماً،ولا تجدُ "الفيفا" نفسها خائفةً من أيّ جديدٌ يطرأ في عالم كرة القدم في أيّ دولة من الدول فتقدّم اللاعبين في "نيجيريا" يعني ازدهار الاحتراف في "البرتغال" وزيادة المقاعد للقارة الآسية في كأس العالم يعني هجرة المزيد من المهرة العرب والشرق آسيويين إلى "أسبانيا" والضّربُ بيدٍ من حديدٍ معنوي على اتحادات كرة القدم الفاسدة عربيّاً يعني العالم الغربي هو أبُ هذه اللعبة ..

يتدخّل صُنّاعُ الأحكام واللوائح في "الفيفا" في كلّ تفاصيل الكرة والأقدام وما يستلزمُ ركلها من اللعب بها من قواعد وعقوبات وجزاءات ويمتثلُ اللاعبون والمدرّبون بل ورؤساء الاتحادات الفرعيّة في كلّ الدول والمدن والقارات بذلك بسرعة البرق والريح وأحياناً الضوء والصوت،وقلّما تجد المعارضة أو الإضراب أو الامتناع ومن النّادر أن يكون للقناعة أو الاقتناع دورٌ في التسليم بهذه المستجدات إنما هو الحرصُ على الجماعة والكتلة الكرويّة الواحدة التي تضمنُ في تدحرجها تريليونات الدولارات ..

في "الفيفا" آلاف المستشارين والاختصاصيّين الذين لا تربطهم بكرة القدم خبرة لعبٍ ولا سابقةُ تهديف وربما لا يشجعّون نادياً ولا يشاهدون كرة القدم أصلاً،بل هم ممّن يعملون عملاً مهمّاً في هذه القلعة الدوليّة الماسيّة من وضعِ خططٍ مستقبليّة وصياغة شروط ومتطلبات لمجالات اقتصاديّة كرويّة والدخول في مفاوضات ودراسات تمهيدا لانعقاد أولمبياد كروي عالمي هام فيخرجُ عملهم خالصاً صافياً ناصعاً خالياً أيّة شائبة إنسانيّة تميلُ "لبرشلونة" أو تفضّلُ "ليفربول" ..

وإسراعُ ممثّلي الدول قاطبةً لنيلِ رضا "الفيفا" خيرُ دليلٍ على أنّ هذا الكيان الجبّار قد بنى لنفسه امتداداً عصبياً وعضليّاً وكيميائياً بيولوجيّاً اختلطَ بتكوين الإنسان في هذا الكون فلا يستطيعُ لاعبٌ أو مشجّعٌ أو صاحبَ نادٍ رياضيّ أو رئيسَ اتحاد محلّي لكرة القدم أن ينامَ قريرَ العين وهناكَ ملاحظاتٌ على سجلّه المدني في أرشيف "الفيفا" أو لهُ سوابقُ فضائح في حواسيب الاتحاد الدولي لكرة القدم ..

عندَما احتسبَ حكمُ المباراة هدف "مارادونا" الأرجنتيني الشهير بيده وتبعَهُ الحكمُ الأخير في احتساب هدف "أونري" الفرنسي بعدَ أن اعترض الكرة بيده وظهرَ ذلك للملاحظين دونَ أدنى شك في التسجيل التلفزيوني لم يجدِ "الفيفا" نفسَهُ في مأزق وهو يعلنُ بأنّ الأهداف محتسبة وقرارات الحكام غير قابلة للإلغاء ولا يمنع ذلك من معاقبة الحكم أو اللاعب ومراعاة ذلك مستقبلاً ولم تقُمْ الدنيا قيامَها لتزوير الانتخابات في إيران ولم تقعُدْ الدنيا قعودَها عن ما يُمارسُ من انتهاكٍ لحُرمة المسجد الأقصى ولكنّ الذي جرى عينُ العقل حقيقة الحِكمة في التعامل مع الأزمات والملمّات والمشكلات ليستمرّ الاتحادُ اتحاداً ..

وكمثلِ كلّ التجمّعات العالميّة والقارّية يحدثُ في "الفيفا" انسحاباتٌ واحتجاجات ولكنّها لا تتعدّى كونَها ظواهرُ طبيعيّة لتثبَتَ للعالم بأنّ نهجَ الديمقراطيّة الصحيح هو ما تنتهجُه كرةُ القدم وليس من يتشدّقُ به الحزبين "الجمهوري" أو "الديمقراطيّ" في الولايات المتّحدة الأمريكيّة،وتحدُثُ في المباريات التي يرعاها "الفيفا" مشكلات وتصادمات وضحايا وشتائم واعتداءات ولكنّ "الفيفا" وفقَ ما تقتضيه مصلحةُ بقاءِ الهرم الدولي على أشدّه يربأُ بنفسه عن الابتعادِ بعيداً بكرةِ القدم حيثُ قطع العلاقات وسحب السفراء ويتركُ المساكين والبُلهاءِ من لا عبينا وأقطارهم في سكرتِهم يعمهون ..

إنَ بلاطَ "الفيفا" ليسَ كبلاطِ الإمبراطوريات السابقة أو الحاليّة أو الأسطوريّة وإنما بلاطُه إجباريّ التلميع وقهريّ "الإنسداح" وفطريّ النّوال والآمال والأمنيات،فالشخصيّات الكبيرة ذاتُ الأوزان القياسيّة والأيادي الطولى في قيادة العالم والسيطرة على الجغرافيات تجدُ في مناسبات "الفيفا" أهمية عظيمة لترعاها وتحضرها وتموّلها وتحميها وتجعلها من جداول أعمالِ مؤسساتها الحكوميّة رأس الأولويات دوماً ..

ألا نرى بأنّ "الفيفا" سخّرِتْ السياسة لتكونَ حاضرةً بقوّة في بطولاتها،واستغلّتْ شرطة مكافحة الشغب والحرس الجمهوري والوطني وقوات الطوارئ والشرطة المدنية والبوليس المحلّي ليضمَنَ لها أن تلعبَ في أيّ مكانٍ في العالم لا تستطيعُ أقوى المنظمات الإنسانيّة الدوليّة دخوله لتقديم رغيف خبزٍ لجائع إلا بقرارٍ يحملُ خمسة أرقام من الأمم المتحدة لا ينفّذ إلا بعد حين،ثمّ ألسنا نلمحُ القوّة المنبعثة من شُعلةٍ الألعاب الأولمبيّة ـ ومنها كرة القدم ـ تجوبُ العالم بنارها ويحملها أهلُ كلّ بلد فرحاً وطرباً وهم يعجزون عن حملِ موتاهمْ الذين سقطوا ظلماً وعدواناً في ساحات معاركٍ غير متكافئة ..

و"للفيفا" بركاتٌ وتعويذات يتعرّضُ لنفحاتها ورياحها الباردة كثيرٌ من أصحاب الأموال ولو كانت تجارتهم في موادّ وأغراض بعيدةٍ كلّ البعد عن الرياضة وعن كرة القدم بالذات،والإحصائيات تثبت بأنّ ميدان كرة القدم الذي ترعاه "الفيفا" من أكبر الأسواق للدعاية والإعلان عالميّاً،واستهلاكيّات الكم الهائل من البشر الذين يتابعون كرة القدم أو يمارسونها أو يديرون شئونها تستحقّ أن يُفرِدَ لها المنتجون العالميّون مُنتجاتٍ بأعدادٍ ضخمة وأسعارٍ خياليّة ترفعُ من شأنِ الكرة وتزيدُ من سيطرة "الفيفا" على العالم ..

منَعَتْ أحكامُ كرة القدَم إضاعة الوقت في آخر دقائق المباريات المصيريّة،وحرّمت لوائح اللعبَة الانقضاضَ على الخصم من الخلف بأيّ شكل من الأشكال،وأحاطت اشتراطات السلامة في كرة القدم حارس المرمى بكثيرٍ من الامتيازات ليست لغيره من اللاعبين داخل المستطيل الأخضر،وأعطَتْ الأنظمة الحقّ للفريق بتبديل ثلاثة لاعبين أثناء المباراة بعدما كانَ الأمر مُقتصراً على اثنين فقط،وسمَحَتْ التجديدات في العقود الأخيرة للقانون أن يجريَ الحارس بالكرة داخل مستطيله بحرّية وفي نفس الوقت منَعَت اللاعب أن يعيدَ الكرة للحارس ليلمسَها بيده ما لمْ يكُنْ أعادَها برأسه خوفاً من هدرِ الزّمَن،ولم أشاهد فريقاً أو منتخباً أو لاعبَ كرة قدمٍ أصرّ على أن يبقى خارجَ هذا القانون تطبيقاً وتنفيذاً ..

كلّ هذا يثبتُ بأنّ "الفيفا" بخبرائها ومستشاريها واختصاصيّها تسعى لأنْ تُكرّسَ جُهدها في خدمة الغرض الذي أُنشأتْ من أجله دونَ خروجٍ عن الدائرة الكرويّة أو إضاعة الوقت فيما لا يخدُم المستديرة المجنونة وعشاقها،فتمّ لها بذلك الأمر واستتبّ لها الوضعُ مالكةً حاكمةً مسيطرةً على كلّ ملعبٍ أخضر في العالم حاضرةً شاهرةً سيفها وكرتيها الأحمر والأصفر في كلّ بقعة من الكون بلا استثناء ولا تجدُ في ذلك من يُعارضُها أو يقفُ في وجهها لأنّها تملكُ الهواء الذي نُفِخَتْ به هذه الكرة ..

ناصعةٌ صفحتُك أيّتها "الفيفا" في إدارة العالم مطبّقةً كلّ القانون وروح القانون ولوائح القانون وعقوبات القانون على الجميع والكلّ والأفراد بلا استثناء في حين عجَزَت مؤسّسةٌ صغيرة في بلدٍ صغير لمجتمع صغير أن تطبّقَ عُشرَ قانونها على أحد أفرادها لأنّه المدير ..
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات