مواضيع اليوم

عندما يُؤله البشر !!

سلمان عبدالأعلى

2012-01-02 22:42:11

0

!! عندما يُؤله البشر

بقلم: سلمان عبدالأعلى

إن من عادة البشر أن يُخطئوا في تقييمهم للأمور والأحداث التي تدور من حولهم، فهم غالباً مُنحازون ومُتطرفون في آرائهم وتوجهاتهم -ما بين إفراط وتفريط- وليس بالضرورة أن يكون هذا التحيز عن وعي منهم وقصد، بل هو في العادة نتيجةً طبيعيةً لا شعورية خارجة عن دائرة الإرادة والتفكير.

لذلك نرى البشر –إلا ما رحم ربي- ينحازون في تقييماتهم للأمور والمشاكل التي يُعايشونها سلباً أو إيجاباً، وقلما نجد شخصاً يستطيع أن يقيم الواقع الحاصل كما هو فعلاً بلا أي زيادة أو نقصان.

ولا يختلف الأمر كثيراً إذا كان هذا التقييم للذات عنه إذا كان للغير، ففي كلا الحالين يفشل البشر عادة في تقييم الوضع بدقة، فهم إما يؤلهون أو يؤبلسون –إن صح التعبير- ولقد تكلمنا في مقال سابق بعنوان: "الإنسان .. وتأليه الذات !!" عن مبالغة الإنسان في اعتقاده أو في وصفه لذاته، وسوف نتكلم في هذا المقال عن مبالغته وتأليهه لغيره من بني جنسه.

إذن الإنسان في طبيعته وعادته منحاز في تقييمه وفي اعتقاده، فهو إذا أحب شخصاً بالغ في وصفه زيادة على ما يستحق وجعله في أعلى عليين، وإذا أبغض شخصاً بالغ أيضاً في تقليله لشأنه إلى أن يوصله إلى أسفل سافلين، حيث توصله محبته أحياناً إلى درجة التأليه وتوصله كراهيته إلى درجة التبليس، وهو في كلا الأمرين مجانب للحقيقة والصواب، ومع ذلك نراه يصر على رأيه ولا يكتفي هو به فقط، بل يريد ويطالب الآخرين أيضاً أن يكونوا مثله في محبتهم وفي بغضهم، وهو يظن أنه يسير على خطى العقل والمنطق، ولكنه مسكين غافل لا يدري بأنه ترك عاطفته تقود زمام عقله.

عموماً، إن تأليه البشر لبعضهم البعض كما نسميه لا نعني به ممارسة العبادات كالصلاة والصوم والحج ...وغيرها وتوجيهها للبشر بوصفهم آلهة تعبد من دون الله سبحانه وتعالى، وإنما نعني به أن يتعامل معهم كما يتعامل مع الإله أو بتعامل مشابه له على الأقل، أي بخضوع تام وتسليم مطلق، بلا أي إعمال للفكر والعقل.

 

من هم المُؤلهون ؟ !!


لقد اعتاد الناس على تأليه قيادات الرأي في المجتمع، كالقيادات السياسية أو الاجتماعية أو الدينية، ممن يظهرون أو يُظهرون أنفسهم وكأنهم ليسوا بشراً، ولذلك نراهم يحملون الألقاب المزخرفة والفخمة التي تميزهم عن غيرهم من أبناء جلدتهم، فنسمع تارة بصاحب الفضيلة وصاحب السماحة وأخرى بصاحب السيادة وصاحب السمو ... وغيرها من الألفاظ والألقاب التي كثيراً ما يختلف اللقب ويتناقض مع حقيقة صاحبه.

على كل حال، إن من العجائب التي نراها أو نسمع عنها أن أكثر من يؤلههم الناس هم ممن يحسبون على رجال الدين، وذلك لأن البعض يعطي هؤلاء مواصفات الكمال اللامتناهي، ويصورهم وكأنهم قادرون على كل شيء ويفهمون في كل شيء، لذا من حقهم أن يتدخلوا في كل شيء ، لكي يديروا ويقرروا لكل شيء ، وما على الجميع حينها إلا إعلان السمع والطاعة بلا إي إنكار أو تساؤل أو حتى تردد !!

ربما يتساءل البعض ويقول: لماذا تقول بأن الناس تُأله رجال الدين، مع أنهم يدعون الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى ولا يدعون لعبادة أنفسهم ؟ !!

إن مقصودي من تأليه الناس لرجال الدين ليس بمعنى توجيه العبادات وصرفها لهم كما أسلفنا، وإنما أعني به المبالغة في تقديسهم وتنزيهم بشكل يجعل الناس تنقاد لأوامرهم بدون أي تفكير أو شعور (طاعة عمياء) أي بقاعدة أسمع وأطع ولا تناقش !

ولقد وصف الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم من أطاع الأحبار والرهبان طاعة عمياء بأنهم اتخذوهم أرباباً من دونه عز وجل، مع أنهم –أي الأحبار والرهبان- كانوا يدعون الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى لا إلى عبادة أنفسهم، فلا غرابة إذاً في ذلك، قال تعالى :﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.(31) التوبة .

عموماً، إن من دلائل تأليه البعض للقيادات الدينية رؤيتهم بأنهم فوق التساؤل والحساب والنقد فهم –أي رجال الدين- من حقهم أن يسألوا وأن يحاسبوا وأن يعاقبوا، ولكن لا يحق لغيرهم مهما كان ومهما كانت الأسباب الداعية، أن يسألهم أو أن يحاسبهم فضلاً عن أن يقوم بمعاقبهم، لأنهم فوق الحساب والعقاب، وهل يا ترى يحق للبشر معاقبة الآلهة ؟ !!

مهما يكن، فإن البشر عندما يطاعون من دون وعي أو من دون مسوغ عقلي أو شرعي فهم في الحقيقة يُؤلهون ويُعطون فوق ما يستحقون من التقديس والتنزيه، وهذا الأمر واضح ومُلاحظ، فالبعض إذا أحب شخصاً ما، نراه يستسلم له كلياً –لآرائه ولأفكاره ولتوجهاته ولتصرفاته– بحيث تُشل حركة التفكير عنده أمام هذا الشخص، ولهذا نراه يبالغ في اعتقاده به وبإمكانياته وقدراته إلى درجة يصوره فيها وكأنه ليس كغيره من بني البشر، والويل كل الويل لمن يخالفه في رأيه هذا !!

هكذا نجد الأمر أو هكذا يصل الحال بنا عندما يؤله البشر، حيث يلغى العقل ويترك الأمر للعاطفة لتقول كلمتها المسموعة على مرأى ومسمع من العقول المهزومة التي قد أنهكها الهول، وأصبحت لا تستطيع أن تتكلم ببنت شفة، وحتى وإن استطاعت فإنها ستفضل السكوت ولن تتكلم، لأنه لا رأي لمن لا يطاع.


وفي الختام أقول:

سواءً وافقنا البعض أو لم يوافقنا على مصطلح تأليه البشر، فإن هذا لا يعني بأن ما نعني به غير موجود، فبدلاً من أن نضيع الوقت في مناقشة المصطلحات علينا أن نركز جهودنا في محاربة المقصود لتلافي الآثار السلبية، ولكي نقوم بذلك فنحن لا نحتاج ولا نطالب باستبدال التقديس بالتبليس، ولا التنزيه بالتشكيك، ولا الثقة بالظن، ولكننا نحتاج وبكل بساطة إلى براءة الأطفال وحكمة الشيوخ وذلك لنعيش بتوازن بلا تأليه ولا تبليس.

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !