عندما يمكنك الحلم
يأتي الشباب بانطلاقه، ربيعا حافلا بالأماني، عَبِقا بالأحلام. يلتفت الشاب؛ فإذا الزمانُ كاللهب المتصاعد. لم يكن الواقع دوما عاقلا، لكنه اليوم الأشد جنونا!
نسمع من الأجيال قبلنا حديثا عن صعوبات وتحديات... لكنّ من كان منهم يَجِدُّ متميزا لا يلبث أن يصل. لم يكن أمام الطََّّموح إلا أن يتأهل لما يريد حتى يستوعبه سوقُ العمل، فإن لم يكن في بلده، ففي أحد البلاد العربية... أما اليوم فلا يكاد ينجو بلد من شبح البطالة، وفي كل بلاد العرب يجد الشباب صعوبات في شق طريقهم العملي، وتحقيق الاستقرار والاستقلال المادي.
صعوبات معقدة أكثر من اللازم، ما يؤدي ببعض الشباب إلى التوقف في منتصف الطريق، أو أولّه. فهل تكون الراحة في اليأس، وقد قالت العرب: "اليأس إحدى الراحتين"؟!
قضت سنن الحياة أن لا تنال الأهداف بسهولة؛ وكأنَّ الدنيا فرسُ لا تُسْلِس قيادها قبل امتحان الفارس، فإن أثبت جدارته، وإلا سَقَط. ولا يُحرم من زلت به قدمُه من استيفاء ما فاته من لوازم النجاح، للكرّ ثانية.
في كل دربٍ تسيرُ فيه عنقُ زجاجة ، وأحيانا تبدو مسدودة. فمن الشباب من يوطِّن نفسه لها؛ فلا يفاجأ، ولا يحبط، بل يحتال ويصبر وأحيانا يعود قليلا ليجري مراجعة، فإما أن يغير استراتيجيته، أو يعدّلها. ومنهم من يعود القهقرى إلى نقطة الصفر؛ يبحث عن طريق آخر، مستسهلا؛ مضحيا بما حصّله من خبرة وآهلية في مساره السابق؛ ليبدأ من جديد ثم يضيق به الطريق ثانية !!!
هل معنى هذا أن لا يغير الشاب هدفا استهدفه، وسعى له ؟ لا .
فقد يخطىء أحدُنا معرفة قدراته، أو استعداداته؛ فيكون الخير في عدم إضاعة الوقت فيما لا يوافقه.
ويستحضر المرء هنا تلك القصة الطريفة التي حدثت مع الخليل بن أحمد الفراهيدي : حين طال تردد ذلك الطالب لعلم العروض عليه؛ فلم ينجح في تعلمه؛ فألقى إليه الخليل بهذا البيت:
إذا لم تستطعْ شيئاً فَدَعْه وجاوزْهُ إلى ما تستطيعُ
طالبا منه تقطيعه؛ فانتبه الطالب إلى المقصود، وانصرف؛ فتعجب الخليل من ذكائه وغبائه معا.
نعم، ليس خطأ، إذا عدّل الإنسان في أهدافه، وليس غباء أن يخفق الإنسان مرة، أو حتى مرات، لكن الخطورة في الانهزام أمام الصعوبات، فينثني بالرغم من إدراكه أهمية اختياره، وإحساسه بمناسبته لميوله، وقد علم أن النجاح الحقيقي مسبوق بالمعاناة ، لا مفر.
وتشيع بعض الآراء النمطية عن النجاح: أنه فتوحات كبيرة مُدَوِّية. وهو خلاف الواقع؛ فليس كل الناس يفعلونها، وليست هذه دعوة لخفض سقف الطُّموح، ولكنها واقعية الأهداف، وقابليتها للتحقق. فلتبدأ فيما يستهويك، ثم لتمضِ فيه متطلعا إلى الكمال، ولا عليك بعدها؛ أسرعَ الدويّ، أم أبطأ؛ فإن لكل شيء دورة ومراحل.
وبالملاحظة؛ فإن من أخلص لعمله، ولو كان بسيطا وأعطاه_ كما يقال _ كلّه؛ فإنه لا بد معطيه، كما أعطاه.
هذا، وإن للنجاح بيئته الاجتماعية، ولعل أكثر ما يضر بالطَّموح استماعه لأقاويل المحبطين، والأولى به أن لا يتوسطهم؛ فإن لم يضروه فلا أقل من أن لا يفيدوه.
وعودا على بدء، فلئن كان عصرنا الأشد توحشا من بين العصور؛ فإنه في المقابل يتيح للجميع فرصا لم تكن في الماضي إلا للمحظوظين. وليس أقلها شيوع المعرفة، وسهولة التواصل والتثاقف والترويج؛ فأنت بين آخذ ومعط، وفي الحالتين تعود الكرة إلى ملعبك؛ لستنفر قدراتك، وتشحذ عقلك، وتصقل مواهبك، ثم تطلق لصوتك عِنانه.
التعليقات (0)