عندما يكشف الغطاء!
يسود اعتقاد خاطئ لدى الكثيرين ان الانظمة الاستبدادية هي اكثر استقرارا من غيرها! كما ان الانتهاكات الخطيرة التي تحصل لحقوق الانسان والفساد الذي يجري هو اما مؤقت او قليل بالمقارنة مع الدول الاخرى الاكثر انفتاحا في كافة المجالات والتي تكشف اوراقها للعلن!...
هذا الاعتقاد سوف ينهار بلا شك عندما ينكشف الغطاء الحديدي ويرفع الستار عن الحجب للحقبة الماضية وسوف يؤدي الى اعادة التفكير في الاراء السابقة بخصوص الانظمة المحافظة على نفسها من التغيير المحتمل!.
ان الغطاء المستحكم الذي تفرضه تلك الانظمة هو الذي يؤدي الى الاعتقاد الخاطئ بوجود استقرار نسبي ودائم وان الحالة افضل من الدول التي تجتاحها الاضطرابات المتتالية بفضل حالة التراخي في القبضة الحكومية مع المخالفين!...
ان الوضع هو اسوأ بكثير مما يعتقده البعض في حالة خوفهم من حدوث تغيير جذري في الحكم،والاحداث الجارية في العالم العربي من ثورات تحررية كبرى ازال الغشاوة عن الكثيرين ولكن مازالت نسبة عالية ومؤثرة هي تعيش في ظلال من الاكاذيب والاعتقادات الخاطئة التي ترتكز على اسس فقيرة من البراهين والادلة العقلية والنقلية.
ان عدم توفر المصادر الحقيقية للمعلومات من مصادر مستقلة هو يؤدي الى الاعتماد على المصادر الحكومية التي لا تعرض سوى ما يؤيد منهجها في الحكم،وهذا يؤدي الى نشوء اعتقادات راسخة ومتوارثة لدى الكثيرين تستند بالاساس الى هذه الاراء الموالية،وعليه فأن الخروج من هذا المأزق المعرفي والتبعية الذاتية المذلة يحتاج الى ارادة حرة وصلبة مستقلة لا يمكن ان تنشأ من فراغ وانما يبدأ نشوئها من خلال الاستناد الى مصادر معرفية مستقلة قادرة على اعطاء تصورات حقيقية لتفسير الواقع وافاقه المستقبلية.
عندما كشف الغطاء عن الحالة الحقيقية للشعوب العربية بعد بدأ الثورات المتلاحقة...كشف التغيير الجديد عن مآساة حقيقية كانت الشعوب تعيش في ظلها ادى بها الى السير في طريق الظلال السياسي والاقتصادي الذي اثر في الحالة العامة ككل.
لقد ظهر الفساد على حقيقته المرة والتي كان يشعر بجزء منها نخب المعارضة،وكانت الارقام والوقائع التي كشفت وهي بالطبع جزء صغير من الواقع الحقيقي! هي مرعبة الى درجة افاق من صدمتها الكثيرين...فقد ظهر للجميع حجم الفساد المستشري في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وغيرها والذي جاوز اسوأ التوقعات تشاؤما! واثبت للجميع ان التاريخ الطويل من الاستبداد ادى الى تراكم الاخطاء الكبرى التي غطت بغطاء حديدي لا يمكن اختراقه بسبب الحذر من المراقبة الداخلية والخارجية،ولا يظهر الا في حالة الانهيار الداخلي او الخارجي بسبب الحروب كما حدث في هزيمة عام 1967.
ان كارثة الفساد ادت الى تأخير تطوير البلاد المنكوبة بفترة زمنية لا يمكن تعويضها بل لقد خسرتها الاجيال التي ساء حظها العاثر ان تعيش تلك الحقب الزمنية المنكوبة...
كما ان البلاد التي مازالت تقاوم التغيير بشراسة او التي مازالت منغلقة على ذاتها،هي ليست بعيدة عن هذا الفساد بل قد يكون اكبر حجما مما يستدعي من الذين يسيرون في ركاب حكامهم ولا يملكون شيئا ان يعيدوا حساباتهم الخاطئة وان يستعيدوا كرامتهم المفقودة وحياتهم البائسة بسبب الخديعة الكبرى التي عاشوا في ظلالها!.
ليس الفساد فحسب...بل كارثة حقوق الانسان المستباحة! والتي هي اخطر احيانا من الاولى!...فقد كشفت الوقائع الحديثة بعد رفع الغطاء ان الجرائم الوحشية التي يندى لها الجبين قد عرفت للجميع ان العيش تحت انظمة تسودها الفوضى السياسية افضل بكثير من الانظمة الشمولية التي تستبيح بسهولة خارقة ابادة مجموعات بشرية كبرى في سبيل البقاء في الحكم والمحافظة على الامن المزعوم!...من يصل الى درجة ابادة عشرات الملايين كما حصل اثناء حكم ستالين او ماوتسي تونغ،او ابادة ثلث الشعب في كمبوديا خلال ثلاث سنوات!...ان تلك الابادة الجماعية كانت تحصل بسرية تامة لا يعلن عنها ولا يكشف غالبا النقاب عنها الا بعد رحيل المتسببين بها مع شديد الاسف!.
كشفت الثورات العربية الحديثة الغطاء عن القسوة الرهيبة التي تمارسها الاجهزة القمعية بحق شعوبها دون ادنى خجل او رحمة!...فهي كانت تعيش ضمن دائرة مرعبة لا يمكن تصورها...والانفجار الذي حصل في العالم العربي هو نتيجة طبيعية لحالة القمع المستمرة كما ان الغضب الشعبي يرتفع مع حالة الكشف الجزئي عن الماساة الحقيقية التي طالما رددت الببغاوات الذليلة بأن الازدهار والاستقرار يسود بفضل الحكمة العالية لاصحاب المقامات الرفيعة واجهزتهم الامنية الوطنية المحترفة!.
الانتصار بعد الثورة غالبا ما يؤدي الى رفع الغطاء عن الواقع الحقيقي ولكن احيانا يسود طابع الخمول والكسل في متابعة تنفيذ اجراءات العدالة والمساءلة والمكاشفة والاصلاح!...ان الواجب الرئيسي على عاتق اي فئة متصدية لتغيير الواقع هو الاستمرار بكشف الحقائق بغية منع حدوثها مستقبلا،لان التاريخ اثبت ان الانفلات من العقاب هو اخطر بكثير من قسوة الجريمة او العقاب الموازي لها!...والسبب في ذلك ان التهاون في القصاص واعادة الحقوق الى اصحابها(الذي يكون تحت ستار العفو والمصالحة!) هو امر مشجع للهاربين من العدالة والمغامرين في اعادة الكرة مرة اخرى!...
لقد كان يتم التستر على كل الاخطاء في الحقب المظلمة وهي سياسة قديمة منذ بدء فجر الحضارة الانسانية...والاخطاء المتراكمة هي تؤدي الى حدوث كوارث لا يعلم بمداها الا المخلصون الراسخون في العلم! بينما كشف الحقائق امام الجميع ومعالجتها بالحكمة والصبر والايمان المطلق بالنزاهة هو السبيل الوحيد الى تصحيح الاوضاع واعادة بناء الدولة والمجتمع على اسس سليمة خالية من النفاق الحكومي والاجتماعي!.
العيش في الضياء، حرا وان كان مرا...افضل من العيش في الظلام،عبدا وان كان حلوا!!.
التعليقات (0)