لم يترك مبارك فرصة خطاب تنازله عن بعض صلاحياته لنائبه اليوم دون أن يمن على مصر والمصريين بخدماته الجليلة اللتي يزعم بأنه قد قام بها من أجلهم عندما كان ظابطاً في الجيش ، وفي خلال الثلاثين سنة اللتي حكم بها مصر بقانون طواريء لم ينتهي العمل به حتى اليوم .
فلقد ذكرهم بأنه بطل حرب العبور ، ولكنه لم يذكر بأنه بطل عملية ما يسمى بالسلام اللتي عبر بها الصهاينة الى الضفة الغربية للقناة مرة أخرى ، بل والى القاهرة حاضرة العرب والمسلمين ليفتحوا سفارتهم القذرة في قلبها ، وليرفعوا علمهم النجس في سمائها الطاهرة .
وذكرهم بأنه قد خدمهم لثلاثين عاماً كرئيس للجمهورية ، ألا أنه لم يذكر لهم بأن في عهده قد أصبح ستون بالمئة منهم تحت خط الفقر ، بعد أن باعت حكومات حزبه الحاكم بأنتخابات مزورة متتالية كل مصانع الدولة اللتي تبيض ذهباً الى بطانته الفاسدة وأولهم أحمد عز عراب عملية تصفية المعارضة في الأنتخابات الأخيرة خدمتاً للتوريث اللذي أقنع به رئيسه وأبنه .
ألا أننا في هذا المقال لانريد أن نناقش كل ما قاله عن خدماته الجليلة هذه ، فالنقاش حول مصر والمصريين يخص المصريين وحدهم ، ألا في بعض الجزئيات اللتي تعتبر قومية أو أسلامية أو أنسانية ، حيث عندها يمكن أن ندلي بدلونا بأعتبارنا ممن ينطبق عليهم الوصف .
ومن منطلق الأنسانية أردنا أن نطرح موضوعأً نسيه مبارك اليوم في خضم الأكاذيب اللتي راح يسوقها عن خدمانه الجليلة . ألا وهو موضوع الشهداء اللذين سقطوا خلال حكمه لمصر .
حيث أنه وعلى غير عادته في الخطابات السابقة فقد بدأ حديثه عن الشهداء الثلاثمئة اللذين سقطوا منذ بدأ الثورة المباركة في 25 يناير ، حيث قال . " " أقول لكم قبل كل شيء أن دماء الشهداء وجرحاكم لن تضيع هدرا، وأؤكد أنني لن أتهاون في معاقبة المتسببين عنها بكل الشدة والحسم ، وسأحاسب الذين أجرموا في حق شبابنا بأقصى ما تقرره أحكام القانون من عقوبات رادعة. وأقول لعائلات هؤلاء الضحايا الأبرياء إنني تألمت كل الألم من أجلهم مثلما تألمتم وأوجع قلبي كما أوجع قلوبكم."
لانعرف لماذا لم يظهر مبارك ألمه على الشهداء في الخطابين السابقين اللذين وصف فيهما الثوار بالخارجين على القانون والمندسين المرتبطين بالخارج ، وحتى لو فرضنا بأنه لم يكن راغباً بقتل الناس رمياً بالرصاص ، أو خنقاً بالغازات ، أو طعنا بالسكاكين ، او دهساً بالسيارات والبعران والحمير وباقي دواب الأرض ، وأنه مسكين ، لايعرف بأن أدوات حكمه من الشرطة والأمن المركزي والحرس الجمهوري وبلطجية حزبه اللذين يستخدمهم في كل أنتخابات ، يقتلون المتظاهرين في الشوارع ، فلماذا لم نسمع بأعتذار ولو من أي مسؤول في حكوماته المتعاقبة عن أي معارض لحكمه قتل أثناء التعذيب أو توفي وهو قابع في سجون نظامه اللتي تصفها منظمات حقوق الأنسان بالغير صالحة لعيش الحيوانات خلال الثلاثين العجاف الماضية .
لتذكير مبارك فقط أن نفعته الذكرى ، سنسرد هنا ما تناقلته الصحف والمواقع المصرية عن الشهيد خالد سعيد ، أو شهيد الطواريء كما يسميه المصريين .
قبل أربع أو خمسة أشهر تقريباً ذهب خالد "الى نت كافيه" بشارع بوباست , بمنطقة كليوباترا , التابعة لقسم شرطة سيدى جابر ، واثناء جلوس خالد فى "النت كافيه" لاحظ دخول مخبرين يفتشون رواد الكافيه بغلظة لم يقبلها خالد مبديا امتعاضه فقط .
.. وقبل ان يبدى خالد اعتراضه على الإجراء التعسفى ، سحبه المخبر محمود الفلاح من ملابسه وصفعه على وجهه ، ولم يكذب عوض المخبر الأخر زميله الفلاح و انهال على خالد بالصفعات ، واللكمات ، حتى سقط الشاب خالد على ارض النت كافيه وسط ذهول الجميع من رواد الكافيه و اصحابه .
فجأه أمسك أحد المخبرين برأس خالد ، وظل يضربها فى رخام المقهى حتى فقد خالد الوعى ، وسالت الدماء من فمه و وجهه ، بينما اصحاب المقهى يتوسلون المخبرين بالتوقف عن ضربه ، فسحبه أحدهم مرة أخرى الى مدخل عقار مجاور للمقهى و أنهالوا عليه ركلا وضربا ورطما لجسده بمدخل العقار وبوابته الحديدية .
خالد كان يلفظ أنفاسه الاخيرة ،بينما الجناة يحملون جسده النحيل و يلقون به داخل سيارة الشرطة ، التى انطلقت به بعيدا عن عيون الناس والشهود وعادت بعد مده بسيطة لتلقى بالجثة فى قارعة الطريق !! .
أتضح فيما بعد بان اعضاء مركز شرطة سيدي جابر القتلة كانوا يقصدون خالد سعيد منذ البداية ، وأن عملية تفتيش الآخرين كانت للتمويه فقط ، حيث وصل الى مسامعهم ان خالد يملك شريطاً مصوراً على تلفونه النقال يظهرهم وهم يتقاسمون شحنة حشيش قاموا بظبطها مؤخراً . ( الفديو)
بعد أربعة اشهر أو أكثر بقليل نشرت الصحف والمواقع المصرية قصة مواطن مصري يدعى مصطفى عطية السيد (39 عاما) قام رجال الشرطة بتعذيبه وسحله حتى الموت بأحد شوارع الإسكندرية .
وتقول عائلة الشاب إنه تعرض للتعذيب على يد رجلي شرطة تابعين لقسم مينا البصل أثناء توقيفه في أحد الشوارع الرئيسية بغرب المدينة ، حيث قاما بضربه ضربا مبرحا حتى فارق الحياة .
لم نسمع مبارك يعتذر من قبل عن مقتل هذين الشابين ، ولا سمعناه تألم يوماً لمقتل أي شاب في سجون العدلي الرهيبة ، ولا سجون من قبله من وزراء الداخلية اللتي كانت تبتلع شباب مصر كل يوم منذ ثلاثين عاماً .
كما لم نسمعه يعتذر في خطابيه السابقين عن أستشهاد المئات ممن قتلهم بلطجية نظامه في الثلاثة اسابيع الماضية ألا بعد أن أيقن بأن الثوار يريدون رأسه ، وأن الغرب اللذي سانده طوال هذه السنين قد تخلى عنه مرغماً ، تحت وطأة غضب الشعب المصري الأبيٍ . فطفق يستجدي الشعب ليتركه يحكم باقي مدته ، وليخسر بذلك ما تبقى من كرامته وماء وجهه ، بعد أن رد الشعب بصوت هادر ، ( مش عايزينك) .
في الدول الديموقراطية يستقيل الوزراء ، ويتنحى الرؤساء ، وتنهار الحكومات نتيجة مقتل مواطن في مظاهرة ، وقد يحاكم ويسجن وزير داخلية لمجرد أستخدام الشرطة ، الغازات المسيلة للدموع بصورة مبالغ بها ، أما حسني وبن علي وباقي الدكتاتوريات العربية فتخرج علينا كل يوم لتذكرنا بقمعها وتنكيلها بكل من يعارضها ، وبفسادها وفساد بطانتها اللتي أكلت الحرث والضرع حتى ماتت الناس من الجوع والمرض ، ليعدوا علينا ذلك خدمة للوطن يستحقون الثناء عليها .
وقبل كل هذه الديموقراطيات بألف وأربعمئة سنة كان حكامنا يقولون ،( لو أن بغلة تعثرت في أرض العراق لسألني الله تعالى عنها : لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر) .
أما اليوم ، فأن حكامنا اللذين هم نموذجاً مطابقاً لحسني مبارك ، يعدون قتل الرعية دهساً بالبغال خدمة للوطن .
http://arabic.cnn.com/2011/egypt.2011/2/11/mubarak.speech/index.html
التعليقات (0)