مواضيع اليوم

عندما يفقد العلماء وقارهم

nasser damaj

2010-11-21 20:25:17

0

عندما يفقد العلماء وقارهم
خليل الفزيع

علماء الأمة هم منارات هديها لطريق الرشاد، وسفن نجاتها من أمواج الخلافات الحادة، وسدود حمايتها من التغريب والضلال، وأملها في حاضر مشرق بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وفي مستقبل حافل بالمنجز الحضاري البعيد عن التطرف والغلو.. إنهم سلاحها في الحوار المتكافئ مع الحضارات والأديان، وقادتها لطريق الإصلاح.. بعد أن عم الفساد ديار المسلمين، وهم قبل ذلك وبعده الكوكبة المستنيرة، والذين بأيهم نقتدي سوف نهتدي بإذن الله.
هكذا عرف علماء هذه الأمة منذ فجر الإسلام، يزينهم لباس التقوى، ويعمر أفئدتهم التسامح ولين الخلق وعفة اللسان ووضوح البيان، فكسبوا الناس والتف حولهم الخاصة والعامة، هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
إنها صفات لازمت علماء الدين الإسلامي على امتداد تاريخه، حتى إذا ما اعترى بعض عصوره ضعف أو فتور، سارع العلماء إلى استدراك الخطأ وإعادة الحق إلى نصابة من خلال دعوات التجديد والعودة إلى مناهل الدين وموارده الصافية، والقضاء على ما علق بعبادات أو عادات المسلمين من الشوائب والأخطاء والإهمال والتفريط، للمحافظة على كل ما يصون كرامة الأمة وعزتها، وكل ما يقودها إلى الخير والازدهار.
ما نراه في العصر الحديث من بعض العلماء يثير الدهشة، ويدعو إلى التأمل في حال هذه الأمة، وما آلت إليه أوضاعها بصورة عامة، ومن ذلك جنوح بعض العلماء في كتاباتهم أو أحاديثهم إلى أساليب لا تليق بالمكانة التي وصلوا إليها بتوفيق الله ثم بجدهم واجتهادهم، ومن كرم الله على أمته أن هؤلاء العلماء قلة، لا يمثلون إلا أنفسهم، رغم انتسابهم إلى واحة العلم والعلماء، فما يلفت النظر في تعاطي هذه القلة مع الواقع، هو الحدة في الخطاب، وهي حدة تصل حد الشراسة والتكفير والرفض الكامل لكل ما يخالف طروحاتهم والصارمة وفي أمور قابلة للجدل، لا تمس ثوابت الدين، ولا تتعارض مع تعاليمه الجلية والواضحة، وهذه أساليب عقيمة في الحوار لا تعني سوى الوصول إلى طريق مسدود، وفي مسائل ذات مساس مباشر بحياة الناس، لن تؤدي فيها الحدية الصارمة إلى النتيجة المتوخاة من أي حوار، وهي الإقناع بالحجة والتسليم بالدليل، بعيدا عن عبارات الاستفزاز والإثارة والكلمات الفجة المستهجنة، لأن ذلك كما هو معروف يعني تخلي هؤلاء العلماء ـ إن صح أنهم علماء ـ عن وقارهم واحترامهم لأنفسهم، والنزول إلى مستويات يربأ الإنسان الأمي بنفسه عن الوصول إليها، وذلك كله يؤدي إلى تفاقم الخلافات، وتزايد المشاحنات، وتنامي العداوات بين أبناء الوطن الواحد، الذين بفترض أن يسود بينهم الوفاق والألفة والمحبة، والوقوف وقفة رجل واحد في وجه التحديات، والعمل يدا واحدة لبناء نهضة الوطن وازدهاره.
أفراد الأمة بعلمائها يقتدون، ومن يجنح من هؤلاء العلماء إلى أساليب الإقصاء وشحن النفوس بالعداوات، والتشكيك في الانتماء الوطني لكل من يختلف معهم أو يختلفون معه في أي مسألة من مسائل الدين والحياة.. هؤلاء كيف يمكن الاقتداء وهم أشد انحرافا من غيرهم عن سواء السبيل، وكيف يمكن الاقتداء بهم وهم يقدمون الدليل تلو الدليل على ضيق الأفق، واحتكار الدين الحنيف، وعزله عن حياة الناس وشئونهم الخاصة والعامة، ليمنحوا من يشاءون صكوك التهم والبراءات، بعد أن منحوا أنفسهم حق الوصاية على خلق الله، وفي هؤلاء الخلق من هم أكثر منهم علما ووعيا وإدراكا لظروف الزمان والمكان، وواقع الأمة المتردي.
أن يفقد العالم وقاره أمام غيره، فهذا يعني وبالا على المجتمع الذي لن يثق أبناؤه في رجل لا يحترم نفسه حتى يحترمه الآخرون. وعظمة الأخلاق كانت على الدوام هدف كل العلماء، وليس من عظمة الأخلاق في شيء ركوب موجات الحدة وتسفيه آراء الآخرين، لدرجة الغلو في الطرح، والتطرف في الموقف، ونفي كل رأي مخالف وإن كان صوابا، ورحم الله من قال: رأيي صحيح يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب، وبمثل هذا القول لا يفقد العلماء وقارهم.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات