إستيقظوا وناموا·· تكلموا شعرا وهمسوا خواطر·· أخذوا سماعة الهاتف وأجروا اتصالا·· تناولوا الفطور وبعد ذلك تناولوا الغداء في مطعم فاخر·· مازحوا النادلة وتبادلوا نكتا·· نكتا·· نكتا·· أضحكتهم وحدهم·
ذقونهم بلحية خفيفة، يرتدون معاطف سوداء ويمشون في شوارع بنيت من أجلهم·· عندما يغمرهم الحب تنبعث الموسيقى من الخلفية وتسقط قطرات الرذاذ·· أسماؤهم أيضا رذاذية؛ زياد، خالد، حياة·· الله على حياة ما أجملها·· أقصد نجمة ستار أكاديمي أمل بوشوشة التي قالت عنها أحلام مستغانمي: إن هذه الممثلة الشابة تتمتع (بحياء لا يوجد عند كثير من نجمات التلفزيون) كما أنها (من أبناء منطقتي في الجزائر) وجدها (كان مشاركا في الثورة الجزائرية)·
حسنا·· لقد تذكرت ما قاله لي أبي عندما اقترح علي إمرأة لأتزوجها: (طفلة تحشم)، (بنت بلاد)، (باباها مجاهد)· وسألت إن كانت متعلمة جيدا أو على الأقل طويلة القامة وبشعر طويل، فقيل لي أنها ليست كذلك، وهكذا وجدت الحجة لرفض العرض· وغضب يومها والدي·
إن أمل بوشوشة أيضا ذات حياء، وبنت بلاد وجدها مجاهد، فهي مثال الممثلة المناسبة حسب رأي والدي، عفوا، أقصد حسب رأي أحلام مستغانمي التي نجحت (على عكس والدي) في فرضها بطلة للمسلسل· وكان على المخرج نجدت أنزور أن يقدم لـ أحلام حججا ـ كما فعلت أنا ـ حتى ولو كانت حججا واهية ليتفادى فرض أمل واستبدالها بأخرى أكثر كفاءة، مستعينا بتلك الحكمة القائلة حلقة ليلة تدبيرها عام·
في الواقع، إن نجدت أنزور، يحفظ عن ظهر قلب (ألف باء العين) لأنه مخرج الفرجة بامتياز، يشتغل على المتعة البصرية، لكنه يعاني فقرا حادا في الخيال عندما يحاول تسخير مواهبه لصالح النص· إنه يلهث وراء ما تريد أن تراه عينه ولا يجري أي تعديلات على السيناريو حتى يبدو العمل متكاملا، لقد نجح في مسلسل رجل شجاع وفشل بعد ذلك في كل شيء·
أما أحلام مستغانمي في روايتها ذاكرة الجسد فقد اعتمدت على روح الخاطرة والشعر ولم تمعن في تفاصيل الحياة، إنها تقدم لنا أحاسيس أبطالها وتسرد لنا الاقتباسات والحكم وما إلى ذلك من هذا الكلام· إنه نص هامس، يقول كل شيء ولا يقول شيئا، يقدم لنا الحياة كما تحب أحلام مستغانمي الحالمة أن تكون· مكالمات·· مطارات·· هموم عصية على الفهم·· رجال بمعاطف سوداء وأفكار بناءة، غامضون ومتعالون·· يتحدثون في داخلهم·
وعندما اجتمع نجدت أنزور وأحلام مستغانمي أنتجا لنا عملا فنيا يتجاذبه طرفان؛ نص كما هو، (لم يتم تحويله إلى سيناريو محترف) وصورة متجاوزة للنص حينا وحينا هي ظل له· الأبطال خاملون والكاميرا تريد أن تتحرك، أو كاميرا تتحرك وأبطال يحاولون مجاراتها وهكذا أفلس العمل وثبت ترهله الشديد·
بقلم: علي مغازي - شاعر
التعليقات (0)