قد يكون للطول المبالغ به لعنوان المنصب الذي يتمتع به كأمين الشعبية العامة للإتصال الخارجي والتعاون الدولي دورا في الاهتمام الكبير الذي ابدته الاوساط الغربية بانشقاق السيد موسى كوسا عن سيده ولجوءه الغريب الى الدولة التي سبق له ان طرد منها منذ ثلاث عقود بتهمة الارهاب..
ولكن ان لم يكن هذا الاهتمام نتيجة لهذا السبب..او لم يكن لفائدته الاعلامية في النزاع الغربي الحالي مع نظام القذافي..فانه قد يدل على عدم فهم عميق لطبيعة النظام الليبي والانظمة العربية الشمولية عموما منذرا باستمرار التخبط في التصور والرؤى الذي يعتري المعسكر الغربي في محاولاته دعم الانتفاضة الشعبية الليبية..
عدم فهم قد نجد ما يبرره من خلال اهمية المنصب الذي يتقلده السيد كوسا في الدول الطبيعية ..على اعتبار ان وزير الخارجية يكون عادة من بين اهم اعضاء الحكومة وارفعهم شأنا بسبب اهميته السياسية ومكانته السيادية العالية..ولكن في نظام عائلي مغلق مثل نظام العقيد يكون شاغلي مثل هذه المناصب ..خصوصا اذا كانوا افراد من خارج العائلة الحاكمة..مجرد اجراء لدى الحاكم ورموز لا يهدف من ورائها الا اضفاء بعض مستلزمات اخراج النظام القبلي الاسري على شكل دولة وحكومة وعلم ..
ان الحكم العربي-باغلبه الاعم- يعد من انظمة الاسر الحاكمة التي تمارس الحكم بدون اي تفويض شعبي او عن طريق انتخابات مزورة في احسن الاحوال..ولا تعترف بحقوق ابناء الشعب السياسية ولا تقر لهم بالمواطنة المتساوية العادلة..وتعتبر ثروة ومقدرات الامة من حق الاسرة الحاكمة وافرادها .. ولا تؤمن بحق الشعوب في التنمية والسياسة ..وهذه العائلة تكون هي مركز النظام ومحيطه ..واي فرد من خارجها يكون موظفا عاديا يمكن له ان يركل الى الخارج في اي لحظة مهما كان خطورة وبريق العنوان الذي يشغله..ويمكن كذلك ان يتلقى الصفعات على رؤوس الاشهاد من قبل احد ابناء الحاكم كما حصل بالضبط للسيد موسى كوسا..
وهذه الصفعات بالذات ..ممزوجة بحسه الامني الذي تحصل عليه من عمله الطويل في الجهد المخابراتي للنظام وانتهازيته ومصالحه الذاتية الضيقة.. قد تكون السبب الوحيد الذي دفعه للقفز من سفينة النظام المتأرجحة من جراء القيادة الذهانية المهلكة لملك الملوك والمسرعة تجاه المجهول مستفيدا من التقاطع الغربي مع نظام العقيد وعارضا بضاعته مزجية علها تجد عطفا وقبولا من اعداء الامس القريب..
ولكن ما فات السيد كوسا..ان الحكم الذي على شاكلة النظام الذي خدمه باخلاص على مدى عقود مولغا في دماء الشعب الليبي ونخبه السياسية والفكرية في الخارج..وبسبب عدم استناده على القاعدة الشعبية الشرعية التي تمكنه من الحكم على اسس وطنية محددة ومقننة ومتفق عليها من الممكن ان توفر الأمن والحماية لنظامها السياسي.. فهي عادةً ما تلجأ الى شتي الوسائل والأساليب لحماية حكم الاسرة واستمراريته ..ولا تستطيع المطاولة بالحكم دون الاتكاء على الاسناد الاجنبي المقايض بوضع ثروات ومقدرات الوطن واسراره الامنية الحساسة تحت تصرف القوى الكبرى الداعمة لاستمرار النظام..وهذا ما سوف يقزم من اهمية اي معلومات قد تكون مخبأة في عقل ووجدان السيد كوسا ويظن انها ستكون السبيل الى الانعتاق من طوق العقيد وتقبل وجوده ضمن خارطة الدولة الليبية التي ستخلف نظام القائد الجماهيري الاعظم..
لقد كان حسين كامل يظن انه سيكون الرئيس الذي سيخلف صدام حسين على سدة الحكم في العراق مستندا على بضعة معلومات ومجموعة من الملفات والمعدات وعلى معرفته لعدد من المواقع التي اخفاها النظام السابق بعناية عن اعين المفتشين الدوليين.. ولكنه فوجئ عندما اكتشف ان كل معلوماته واسراره موجودة سلفا عند الطرف الاممي وعن طريق النظام السابق نفسه..وانه اصبح ورقة محروقة ومرفوضة من قبل قوى المعارضة التي لم تغفر له جرائمه بحق الشعب العراقي ..وتحول الى مجرد عبء سياسي وامني واخلاقي على الغرب والدولة المضيفة..دفعه الى العودة المستحيلة التحقق الى العراق ليفتك به ابناء عمومته ارضاء لشهوة القتل الجريحة لدى رأس النظام السابق في العراق..وكل هذا حصل على الرغم من انه كان يتحصل على مناصب اهم واخطر واشد لمعانا بكثير مما لدى السيد امين الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي..ورغم انه لم يسجل له ان تلقى الصفعات من احد ابناء الرئيس ..
التعليقات (0)