لا نعلم باي الاراء نقتدي لنهتدي..ولا اي المسالك هي التي ستأخذنا على المحجة البيضاء الى رضا الله وحسن العاقبة..فمثير للحيرة هو كل هذا التناقض الذي نشأ عن تقاطع الفتاوى التي تتساقط علينا كبرد الشتاء حول موضوعة شرعية الخروج في التظاهرات المطالبة بالحقوق الاساسية للمواطن وحرية التعبير عن الخيارات السياسية للمجتمع..
فبعد تعالي الاصوات بتحريم الخروج الى الشوارع للتظاهر والمطالبة بالحقوق السياسية والتي صدرت عن هيئات وشخصيات لهل ثقلها المعنوي في المنظومة الفقهية كمشيخة الازهر وهيئة كبار العلماء..نجد ان البعض من علماء الدين الذين يتمتعون بنفس المستوى من الثقل والمقبولية الشعبية تبسطوا كثيرا في الافتاء بجواز الاحتجاجات حتى انهم اوشكوا على التحرش بقدس اقداس الفقه السلطاني من حيث اعتبار موقف الفريق الاول محض "ثقافة سامة تربط الفتنة بالخروج على الحكام"..
وفي مقابل الاصوات التي تعتبر المظاهرات أو الوقفات الاحتجاجية السلمية من الوسائل المرفوضة فى الإسلام ولا تعد من الوسائل المشروعة للتعبير عن الرأى..كما عبرت مشيخة الازهر الشريف مستندة على اجماع جمهور العلماء على حرمة «المظاهرات التخريبية والتى تؤدى للعنف" ومتكئة إلى قوله تعالى «ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخاسرون" للاستدلال على انها"حرام شرعا"..
نجد ان بعض العلماء يعتبرون أن ما يقوم به الشباب العربي حاليا ليس من الفتنة في شيء لأن الإسلام يأمر بإزالة "الظلم الذي يمارسه الحكام في أبشع صفاته"كما إن الظلم وإضاعة حقوق الناس يجيزان للشعوب الخروج على حكامها،..كما صرح الشيخ يوسف القرضاوي معتبراًً أن تحقيق الحرية مقدم على تطبيق الشرع في الإسلام.
وفي حين يستند الفريق الاول على مبدأ أن الناس أيام الخلفاء الراشدين كانوا يعبرون عن رأيهم دون تظاهر، ضاربين المثل بالمقولة الشهيرة «أخطأ عمر وأصابت امرأة» في حادثة مراجعته من قبل إحدى نساء قريش فى تقنين مهر النساء.نجد ان سيرة الخليفة الثاني "رض"نفسها تشكل ذخيرة فقهية ملائمة لدى الفريق الثاني معتمدين على خطبته في الناس عندما تولى الخلافة قائلا: (إن رأيتم في إعوجاجا فقوموني. فيندب له رجل من عامة المسلمين يقول: لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بحد سيوفنا. فما يزيد عمر على أن يقول: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد سيفه(
المشكل في الموضوع ان العلماء الاعلام في كلا الطرفين كانوا يتبادلون التقافز ما بين الادوار المتناقضة وما بين الرفض والتأييد استنادا الى شخص الحاكم ومدى تطابقه او تقاطعه في المواقف مع ولي نعمة كل طرف من الاطراف.. فعند هذه النقطة الحرجة نجد ان هناك من يحرم على البعض حالة ما ويحلل للبعض الاخر نفس الحالة في اغتراف مسرف من القاعدة الاثيرة لفقه الاستبداد التي تحكم بان درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح.. فما يصح في مصر وتونس لا يصلح لقطر مثلا..وما يهلل له في ليبيا يضرب عليه الناس بالمقامع في ارض الحرمين..وما يحتاج لعناوين هامة او فعاليات لامعة لتشريعه هنا قد يكتفي البعض باستصداره عن طريق بيانات وزارة الداخلية هناك..
فالفقيه المرتبط بالسلطة دائماً ما كان يقايض امانته العلمية ومسؤوليته الاخلاقية تجاه الجمهور مقابل منافع اجتماعية او مادية آنية وانتهازية دون النظر الى المفاسد المنتظرة من عملية تحويل الفقه إلى مجرد صدى ذيلي وتبريري لتداعيات الأمر الواقع الذي يفرضه السلطان بمختلف مسمياته وأوصافه.. وتشكيل درع فقهي يحمي السلطة من أي تحرش من قبل الرعية من خلال تخليق رقابة عسسية ذاتية داخل الفرد المسلم وتجنيد النصوص والتفاسير والملائكة كميليشيا لحماية السلطة الحاكمة من تذمر الشعب ومعارضته.
إن من أسوأ الأخطار التي من الممكن ان تصيب الدين هي من خلال توظيفه من قبل العلماء الذين يعتبرهم الناس مصدراً لتعاليم الدين وأحكامه لخدمة مواقف وتوجهات سياسية ضيقة.. وقد يكون هذا العنصر هو الاساس في انكفاء الناس على الاستماع الى هذه الفئة التي اصبحت مصدرا لتفرق الامة بدل ان تكون سببا لوحدتها..كما ان الامعان في ترويج هذه الافكارالاسترضائية المداهنة للحكم ولدت نوع من التقاطع مع المناخ الفكري العام الذي يسود المنطقة حاليا وتجلى في تجاهل الثوار لهذه الفتاوى وتجنب هذه الفوضى التي تتقاطع مع حركة التاريخ التي تصنع بايدي الشعوب المنتفضة وقواه الحرة الفاعلة..
أن الوضع السياسي السائد في الدول الإسلامية وخصوصاً العربية منها يؤكد حاجة المنظومة الفقهية الملحة للإصلاح الجذري والحقيقي من خلال القراءة الواعية لحركة التاريخ والتعاطي المسؤول مع الحقوق المدنية والحريات العامة للمواطن بطريقة منفتحة والانصياع للوعي الجمعي المتسيد في مجتمعاتنا بان الحكم الفردي لم يعد النظام المثالي أو الوحيد الذي يحقق رضا الله ورضا الرسول،بل هو مجرد وجهة نظر وقرار غير ملزم اتخذ في وقته لاعتبارات قد تحتمل الصواب او الخطأ ومحض اجتهاد لا يمثل الإيمان به أو محاولة مناقشته تناقضاً مع انتماء الفرد العقائدي..أو قد يكون مجرد فلتة وقى الله المسلمين شرها في ظروف معينة ولا يشترط ان يقينا الله اياها في ظروف اخرى..
التعليقات (0)