يتعاقب الليل والنهار, وتتقلب الأزمان, وتنقلني الأيام في الألفية الثالثة إلى الكوفة لأقف بباب دارك, أتأمل جدرانها الطينية المتشققة, وأبوابها القصبية المفككة. أنظر إلى حصيرتها البالية الممدودة فوق ذرات التراب الساخن, فيدفعني الظمأ لأرتوي من ماء البئر المحفورة في باحة الدار, التي حفظت ذاكرة السنوات المشحونة بالإيمان والصبر والجهاد في سبيل الله الواحد الأحد الفرد الصمد, فتنهمر من عيني الدموع كلما نظرت إلى واجهات قصور منيفة, وأسوار مخيفة, ودور مزخرفة, يسكنها اليوم أصحاب السعادة الوهمية, والوجاهة الخيالية, والسمو المصطنع, في منتجعات مخملية تتوسطها برك للسباحة, وتحيط بها حدائق للعب واللهو, في قصور نأت عن ضواحي المدن العراقية, وتحصنت خلف أسوار خراسانية, ودعامات فولاذية, وعجلات مصفحة, شرفاتها لها أجنحة كأجنحة النسور, وخراطيم كخراطيم الفيلة, يطوف حولها جنود غلاظ بعيون مبحلقة, ورؤوس حليقة, وعضلات مفتولة, ووجوه مبرقعة. .كان بوسعك ان تشيد القصور الفخمة, وتغلق الطرق المؤدية إليها بالحجارة المستوردة من أسوار الصين, وان تزرع الأسلاك الشائكة, وتحمي قصورك بالجيوش الملثمة, لكن حاشاك أبيت إلا أن تكون مع شعبك في معاناتهم, تتحسس آلامهم, وتسمع أنين ثكلاتهم, وصرخات جياعهم, فكنت كما قلت, القوي عندك ضعيف حتى تأخذ منه الحق, والضعيف عندك قوي حتى تأخذ له حقه ؟؟. .
سيدي أمير البررة, وأبا الأيتام والأرامل يا ابا الحسن والحسين
كان بيت المال تحت تصرفك, وبيدك الخراج كله, وأنت الأمين على الغنائم في الأمصار والأقطار والثغور والقصبات, لكنك جعلت نفسك أفقر الفقراء المتعففين المتقشفين, فالعفاف عندك زينة الفقر, والغنى زينة الشكر, تلبس من الثياب ما قصر, وتأكل من الطعام ما جشب. لم تكن تملك دارا غير هذه التي استأجرتها من (أم هانئ), ولطالما نظرت بازدراء لقصر الإمارة, حتى انك سميته (قصر الخبل), اما اليوم فقد صار الخبل عنوانا لغرائز الولاة الجدد, بعد أن لوث الطمع عقولهم, فأصبحت العقارات هوايتهم, والترف ضالتهم. سيدي امير المؤمنين هاهم اليوم من يتباكون عليك ويلهجون باسمك وممن يقول هو على ولايتك وهم يقتلونك بسيف اشقى من سيف ابن ملجم المسموم ...
فهم ممن وضعوا ايديهم مع اعدائك ياسيدي نعم مع ايدي الكفر والطغيان والاحتلال الاستكبار التي طالما كنت سباقا ياسيدي في محاربتهم سيدي ان من يتباكى عليك اليوم ومن تسلط على رقاب الناس بأسمك وانتخب من فتاوى خرجت من مدينتك وممن يقول هو على خلافتك وممن يقول نحن حجج الله على خلقه فياسيدي بالامس عقدت قمتهم على رقاب الشعب المظلوم فبعد تملق ورياء واستخفاف بدماء واعراض الشعب نسوا من هم ونسوا مافعلوا قبل سنين في هذا الشعب فكانوا راس الحربة في الاحتلال وبجدارة كعهدنا بهم في سنين الحصار. بعضهم مارس دور أصحاب الفيل فأزاح مُبكرا السواتر التي كان يضعها على الحدود مع بلدنا، كي يُعبّد طريق الغزاة الى ديار أهله. وبعضهم كان يبتسم بوجه الطائرات والصواريخ التي كانت تنطلق لتدك بيوتنا على رؤسنا من القواعد الاجنبية في أرضه، وهو الذي أتانا مُعتذرا قبل الغزو بأنه لن يستطيع أن يمنع الشر عنا لان الارض ليست مُلكه. وثالث كان يُقسم بأنه لن يحلق ذقنه الا بعد أن تسقط بغداد، وينتهك الامريكان عرض شقيقاته في طول البلاد وعرضها. وآخرون منهم كُثر ممن حلموا بالمساعدات والعطايا الامريكية التي سينالونها أن وضعوا بصمة لهم في هذه الملحمة الفاسدة، في لحظة غياب القلوب والعقول والضمائر، وأنحدار قيم (العقال والشارب) ورمزيتهما في النخوة العربية. فأصطبغت أرض الرافدين بدماء أبنائها الشرفاء الذائدين عن حياض الامة والوطن سيدي ابا الحسن ان هولاء الذين يتباكون عليك اليوم هم من يقدمون لاعدائك في اواني من الذهب الخالص بينما شعبنا يقع تحت القتل والنهب والسرقات والاعتقالات ياليتهم علموا كم فقير في هذا البلد .....؟؟ فحسب احصائياتهم يوجد اكثر من سبعة ملايين فقير ..
ان سيف ابن ملجم ياسيدي هو ذاته الان في راسك المقدس وفي مدينتك ينهش به راس العراق وشعبه المظلوم في صمتهم وسكوتهم على كل مايجري في هذا البلد .
التعليقات (0)