مواضيع اليوم

عندما نمارس الحياة بلا بذل وتضحيات

 بقلم / عبدالهادي محمود محمد


في هذه الحياة التي نعيشها يعتقد البعض بأن الموت هو أن تكون جثة هامدة قد فارقتها الحياة أو أن يتوقف القلب عن النبض . لكنهم لا يدركون أن للموت عدة معاني فهذه الكلمة ليست بالضرورة أن تلفظ أنفاسك وتغمض عينيك ويتوقف قلبك عن النبض والجسد عن الحركة كي يقال أننا قد فارقنا الحياة فالمتتبع لحياة البشرية بحسب دورهم فيها سيجد الكثيرين من الموتى يتحركون ويتحدثون ويأكلون ويشربون ويضحكون رغم ذلك هم موتى يمارسون الحياة بلا حياة فمن وجهة نظري أرى أن مفاهيم الموت لدى الناس تختلف فهناك من يشعر بالموت حين يفقد إنساناً عزيزاً
ويخيل إليه أن الحياة قد انتهت وأن ذلك العزيز حين رحل فقد أغلق أبواب الحياة خلفه
وأن دوره في الحياة بعده انتهى . وهناك من يشعر بالموت حين يحاصره الفشل من كل الجهات ويكبله إحساسه بالإحباط عن التقدم فيخيل إليه أن صلاحيته في الحياة قد انتهت وأنه لم يعد فوق الأرض ما يستحق البقاء من أجله والبعض تتوقف الحياة في عينيه في لحظات الحزن ويظن أن لا نهاية لهذا الحزن وأنه ليس فوق الأرض من هو أتعس منه فيقسو على نفسه حين يحكم عليها بالموت وينفذ بها حكم الموت بلا تردد
وينزع الحياة من قلبه ويعيش بين الآخرين كالميت تماماً فلم يعُد المعنى الوحيد للموت هو الرحيل عن هذه الحياة فهناك من يمارس الموت بطرق مختلفة ويعيش كل تفاصيل وتضاريس الموت وهو ما زال على قيد الحياة فالكثير منا يتمنى الموت في لحظات الانكسار ظناً منه أن الموت هو الحل الوحيد والنهاية السعيدة لسلسلة العذاب لكن
هل أحدنا سأل نفسه يوماً ترى ماذا بعد الموت ؟ نعم .. ماذا بعد الموت ؟ فهم كانوا هنا ثم رحلوا فغابوا ولهم أسبابهم في الغياب لكن الحياة خلفهم ما زالت مستمرة فالشمس ما زالت تشرق والأيام ما زالت تتوالى والزمن لم يتوقف بعد ونحن ما زلنا هنا ما زال في الجسد دم وفي القلب نبض وفي العمر بقية فلماذا نعيش بلا حياة ؟ ونموت بلا موت ؟ فإذا توقفت الحياة في أعيننا فيجب ألا تتوقف في قلوبنا وفي عقولنا وضمائرنا فالموت الحقيقي هو موت القلب وإنعدام الضمير وغياب العقل ما أود أن أصل إليه هو أننا يجب أن نختار بين أن نعيش على هدف أو نموت بلا هدف ، و إما أن نعيش لوطن وإما أن نموت لأجل وطن . ويستحسن ألا نجعل من أنفسنا أنعاماً تأكل وتشرب وتلهوا دون هدف أو دور لها في هذه الحياة. ودورنا يختلف فيها كلاً على شاكلته وعلى بيئته وعلى مفاهيم المجتمع الذي يعيش معه أو ينتمي إليه بغض النظر عن ثقافاتنا ومعتقداتنا وتوجهاتنا السياسية . الأساس هنا أن يكون لكل منا دور تحفظه ذاكرة التأريخ في دفاترها اليومية تذكُره لاحقاً الأجيال ، وتقتبس منه ما يفيدها و تترك ما يضُرها وتنهض وتطور من نفسها من خلال دراسة وقراءة أدوار الذين خلدهم التأريخ ممن سبقوهم وهذه سنة الحياة أن يأخذ كل جيل من الجيل الذي سبقه ويضيف للجيل القادم فإن لم تكن لنا أدوار نكمل بها جُهد من سبقونا لنشق طريقنا فمن سيضيء طريق القادمين كما أضاء لنا السابقون طريقنا في هذه الحياة في إتجاهاتها المختلفة ؟. وإن قيام الفرد وحده أو بمشاركة آخرين لأي دور إيجابي بإتجاه الإنسان والأرض بالتأكيد يُسهم في بناء مجتمعات متماسكة وقوية وبتماسكها وقوتها يسهُل لهم بناء الوطن الذي ينتمون إليه أياً كان هذا الوطن .
هنا علينا أن نثق جيداً أن هؤلاء الذين قاموا ويقومون بأدوار ليسوا بأفضل منا فقط كيف نشعر مثلاً بمعاناة الآخر أو كيف نهتم بواقع حياتنا ودورنا في تطورها ونهضتها فأولئك خبروا واقعهم ودرسوا أدوار غيرهم قد تكون في مجتمعات غير المجتمعات و الأوطان التي ينتمون إليها فالعظماء دوماً هم الذين يبحثون و يضحون من أجل الآخرين والحقراء هم الذين يستسلمون لواقعهم والفاشلون هم الذين تتحطم آمالهم في واقع أفضل لهم ولصغارهم القادمين ولرقعتهم الجغرافية التي نسميها وطن أمام أول عائق يواجههم .
فليسمها كل منكم ما يريد ، قد أراها صرخة لأجل أن نكون فاعلين و متفاعلين لا أن نركن للذي نحن فيه فما نحن فيه إن كنا نراه سيئاً ففلذات أكبادنا في المستقبل قد لا تجد حتى هذا السيء الذي نراه فستلعننا كما يلعن العشرات بل مئات الألآف من جيلنا الجيل الذي سبقها . فنحن من وجهة نظري نمثل جيل العبور لتجاوز الواقع لأننا نعيش في رحم واقع يجب ألا يعيشه القادمون من بعدنا وهم صغارنا الذين نجهل مستقبلهم لأنه مرهون بمستقبلنا ومستقبلنا مرهون هو أيضاً بدورنا في الحياة . فحتى وطننا إن لم نشعر به فإننا لا نستحق العيش فيه والتأريخ لن يغفر فكل ما حدث ويحدث حاضراً ومستقبلاً يحسب على الجيل الذي يحضر الأحداث إن شارك فيها أو لم يشارك أو إدعى الحياد زيفاً ، فهو كتأريخ يدون الدور والعطاء لأجله كوطن . وهنا ستتدرسه الأجيال كما دونه لها التأريخ ، فليدرسوا عن جيلنا تأريخاً مشرفاً وليعرفوا من خلال ما سيدرسونه أننا من ضحينا لأجل أن يكونوا في واقع أفضل دون أن ننتظر إستمتاعنا بنتائج تضحياتنا فقط لأننا كنا نثق أنهم لن يكونوا في الحال التي كنا فيها ولن يعيشوا في وطن كما عشنا نحن فيه . وإن جيل العبور الذي أعنيه قد لا يقتصر على وطننا فكثير من الأوطان جيل عبورها هو نظيرنا فيها . و لكن لكي يكتب مثل هذا التأريخ المشرف علينا أن نخطه بمداد عظيم وهو مداد البذل والتضحيات والكفاح ، وبهذه الشاكلة ستكون لحياتنا هدف وإن لم تكن كذلك لنمت دون أسفٍ علينا ولننتظر لعنات القادمين من رحم المعاناة .

نلتقي إن كان في العُمر بقية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !