لأن السينما مخزن ذاكرتنا الثري ، وسجل تاريخنا بكل ما فيه من انتصارات وهزائم ، بكل ما فيه من نجاحات وإخفاقات ، ولأنها الفن السابع الذي يحتضن الفنون كأم حنون ، تقدمها بصورة ولا أجمل ، تصور بها واقعنا وتوضح لنا تاريخنا ، وترسم بها أحلامنا وأمانينا ، لهذا ننحاز أليها ... ننحاز أليها عندما تنحاز ألينا وتقف معنا تصفق لنا عند كل نجاح أو انتصار .. تربت على أكتافنا عند كل هزيمة .. تضحك عندما نضحك ولن يفوتها أن تبكي عندما نبكي ..
ننحاز أليها ..كتبت في العدد قبل الماضي عن تحطيم خط بارليف .. الفيلم والحكاية وعلاقتنا كجمهور متلقي وأمة تتلهف إلى لحظة نصر .. كانت لحظة تاريخية ؛ يوم أن رأينا الجندي العربي وهو يزرع العلم العربي فوق تلك التحصينات التي طالما تغنى بها العدو .. لحظة كانت في الواقع .. أبدتها السينما العربية بالصوت والصورة والحركة واللون والوجدان .
ننحاز إلى السينما .. اليوم ونحن نتذكر فيلم ( الطريق إلى ايلات ) الفيلم العربي الكبير .. الذي صفق له العرب كثيرا .. الفيلم .. الحقيقة و الحكاية والحبكة والسينما والدراما .. الفيلم الفن والسينما والإبداع .. الإبداع الذي تميز به على مستوى البناء الدرامي ونمو الحدث .. والموسيقى .. وفنيات التصوير بكل ما فيها التي تتطلب جهدا ووقتا ودقة وخبرة ، ليس من السهل ان نتصورها ونحن نجلس على أريكتنا في راحة بيتنا .
اليوم يجب أن ننحاز للحق وإلى المخرجة المصرية إنعام محمد علي، ولمن قام بكتابة السيناريو والحوار فايز غالي ، لفيلم الطريق إلى إيلات ، لأنهم انحازوا لنا يوم أن انحاز الحق إلى جانبنا .. وإلى قضايانا نحن البسطاء ، الذي تشكل وجداننا عبر التلقي المباشر أو غير المباشر ..
.. تدور أحداث الفيلم إبان حرب الاستنزاف عام 1969 قبل حرب أكتوبر المجيدة عام 1973التي تكلمنا عنها في العدد السابق . حيث نجحت القوة الفدائية في تدمير سفينتين حربيتين ( والرصيف الحربي ) واللتان كانتا تهاجمان القوات المصرية في البحر الأحمر بعد استيلاء القوات الإسرائيلية على سيناء .
شاركت ثلة من أبناء مصر الحبيبة أم العرب والعروبة صانعة النصر في بناء أحداث الفيلم تخليدا لدور البطل العربي المصري الذي نفذ العملية باقتدار ونجاح : عمرو إبراهيم البتانوني مواليد عام 1943 ضابط بحري بلواء الوحدات الخاصة للقوات البحرية( الضفادع البشرية ) .
ولنسمع البطل قائد العملية الفعلي (عمرو إبراهيم البتانوني ) ماذا يقول : في الساعة الثامنة والثلث مساء 5 فبراير 1970 وصلنا في منتصف الليل تماما إلى ميناء إيلات بعد السباحة والغطس لنحو 5.5 ميل بحري..
وفي الساعة 12.20 مررنا من تحت الشباك، وهجم الملازم أول رامي عبد العزيز بمفرده على السفينة العملاقة "بات يم" بينما هجمت أنا والرقيب علي أبو ريشة على الناقلة "بيت شيفع" وقمنا بتلغيمهما وضبطنا توقيت الانفجار على ساعتين فقط بدلا من أربع ساعات كما كانت الأوامر تنص ، ففرد القوات الخاصة له أن يقوم بالتعديل في الخطة الموضوعة حسب مقتضيات الظروف..
وفي الساعة الثانية من صباح يوم 6 فبراير بدأت الانفجارات تدوي في إيلات وخرجت الدوريات الإسرائيلية للبحث عن منفذي الهجوم لكن إرادة الله فوق كل شئ وكما يقول تعالى ("فأغشيناهم فهم لا يبصرون") .
وكان للأبطال فرصة أن ينظروا خلفهم ليشاهدوا الجحيم الملتهب وهو يحرق الغاصب المحتل ، ويدمر غطرسته الكاذبة وقوته الوهمية . وربما ليسمعوا العويل والصراخ وربما ليشاهدوا حالة الرعب والفزع بين صفوف العدو المتمترس خلف الجدران العالية .
عزت العلايلي ، نبيل الحلفاوي ، صلاح ذو الفقار( وكان هذا آخر فيلم له . محمد الدفراوي ، طارق النهري يسري مصطفي ، مادلين طبر : وطبعا أخراج المخرجة المصرية إنعام محمد علي ، أبطال السينما الجادة التي خلدت الحدث على الشاشة بجدارة واقتدار .. ليعد فيلما من الناحية السينمائية من الطراز الأول على صعيد أفلام الاكشن . بالإضافة إلى تميزه بالقدرة على التصوير تحت الماء : باحتراف المبدع مدير التصوير : سعيد شيمي والذي أبدع في العديد من الأعمال المميزة .
نسجل الفيلم كواحد من الأفلام العربية الخالدة ، وكواحد من الأفلام السينمائية البارزة في السينما العالمية ، لما تميز به من جوانب عدة من الناحية السينمائية الفنية ومن الناحية التاريخية ، إلى جانب تميز القدرات الفنية لإبطاله في العمل السينمائي المتميز عموما .. فلا نزال نتذكر وجه المبدع ( نبيل الحلفاوي ) وهو يعالج اللغم البحري الذي سيزرعه في الناقلة الإسرائيلية .. ولا تزال نتذكر قوة التعابير لحركة الوجه .. ودقة التصوير وهو يركز على تعبير وجه الحلفاوي وقطرات العرق تلمع على ضوء القمر في الصحراء .. وحالة الترقب التي عبر عنها الفريق المنتظر على بعد وهو يتوقع أن يسمع صوت الانفجار.. ليشاهد بعد قليل ( الحلفاوي ) يهز قبضة يده ملوحا بها في الفضاء علامة النجاح والانتصار ..
كم نتوق اليوم إلى حالة عربية مشابهة لحالة الطريق إلى ايلات .. الحكاية والفيلم .. وكم نتوق إلى سينما ترتقي بأذواقنا وعقولنا ، تنحاز إلينا والى قضايانا .. للنحاز إليها .
Mrand62@yahoo.com
التعليقات (0)