تعتبر غريزة الأمومة والتي تحركها الهرمونات الأنثوية من أقوى الغرائز البشرية وهي التي تعطي المرأة الرغبة في الإنجاب والقدرة على تحمل أعباء تربية الأولاد وإدارة البيت. لكن قد ينخفض أو يتبدل مستوى إفراز هذه الهرمونات نتيجة الضغط النفسي الناجم عن الدراسة والعمل خارج المنزل ويحل محلها هرمونات أخرى محفزة للجهد والمنافسة وحب الانجاز فتخف بسببها رغبة الأنثى في الزواج والإنجاب وأيضا تضعف عندها غريزة الأمومة. ولهذا نرى ارتفاع في نسبة العنوسة في الدول الغنية وما يصاحبها من مشاكل صحية ونفسية واجتماعية.
تقليدياً وفي معظم بلدان العالم جرت العادة أن يكون الرجل هو الذي يعمل ويعيل الأسرة وتبقى الزوجة في المنزل لرعاية الأطفال والبيت،لكن مع التنمية الاقتصادية في العالم تغير دور المرأة تدريجياً ،فأصبحت هي أيضا أكثر طموحاً وانخرطت في عمق الاقتصاد والسياسة والرياضة والفن والعلم ،فحصلت على قسطاً مهما من المشاركة في جميع جوانب الحياة والعمل خاصة في أوروبا ، فصارت المرأة مشهورة وفعالة ودخلت في كل مجالات الحياة وحتى في علم الفضاء، وهذا الانغماس الكبير للمرأة في العمل أخذ قسطا كبيرا من دورها كأم في البيت لتربية الأولاد ومساندة زوجها لتصبح المرأة العاملة خارج البيت في كثير من الأوقات. ولهذا السبب تغير تدريجيا التزام المرأة وتحولت في كثير من الأحيان من الأم المربية إلى "اَلأمُ العاملة" خرج المنزل فأبرزت وأبدعت.
ولهذا نرى أن المجتمع الأوروبي فقد دفع ثمنا غاليا على الصعيد الاجتماعي والأسري نظرا لضمور مكانة الأم في بلادهم. فعندما تذهب الأم للعمل طباع ستترك أطفالها في دور الحضانة للرعاية ولما تعود إلى المنزل بعد نهار طويل ستكون منهكة القوى، لكي تعمل في البيت وتوزع حنانها ودفئها لأطفالها .
فعلى سبيل المثال ان هيكل الأسرة البريطانية تقلص بشكل كبير أو اختفى وأصبحت الأمومة ربما غير أساسية في حياة البعض. ومع استمرار هذه الظاهرة أنحسر وتناقص تعداد سكان أوروبا الأصليين لدرجة مقلقة لبعض السياسيين.
ولذا ستصبح أوروبا الأكثر تلونا في كل بلدان العالم من الناحية البشرية خلال حوالي 50 سنة. فمثلا أصبح الآن حوالي ربع سكان لندن من جنسيات قدمت من أكثر من 50 دولة وفي ازدياد تصاعدي، أي سيصبح غالبية سكان العاصمة البريطانية بعد حوالي 150 سنة من كل لون وجنس.
لقد كان هناك مثل انكليزي قديم يقول: مكان الزوجة هو في البيت. مثل ربما فيه من الصحة ليقنع الكثير من الرجال،لكن للأسف صار هذا القول مخرشاً لمشاعر المرأة فاختفى من الاستعمال. فهل سيأتي اليوم الذي سيندم فيه المجتمع الانكليزي على هذه المقولة؟
وظاهرة عمل المرأة بدأت تتوسع أيضا في بعض الشرائح من مجتمعاتنا الشرقية وصارت المرأة تعشق الخروج الى العالم الواسع من أجل العلم والعمل وبدا المجتمع يعاني من ذلك. فقد ورد مؤخرا في صحيفة "الدستور الأردنية" خبرا عن ارتفاع معدلات "العنوسة" في الأردن ذكرت فيه إن مؤشر الزواج والطلاق في الأردن أظهر أن "نحو 96 ألف فتاة أردنية تحت سن الثلاثين لم يتزوجن حتى نهاية عام 2007 ، مقارنة مع أقل من سبعة آلاف فتاة لم يتزوجن رغم بلوغهن سن الثلاثين عام 1979."
وأضافت الصحيفة إن أكثر من 43 في المائة من حالات الطلاق المسجلة عام 2007 كانت قبل الدخول." واعتبر الباحث أن "مؤشرات الطلاق خطيرة ومؤشرات العنوسة أكثر خطورة،" قائلا "عندما تفقد المرأة 50 في المائة من عمرها دون زواج فإن هذا يعني أن العمر الإنجابي للمرأة انتهى، وأن ارتفاع معدلات الزواج يزحف نحو السن الذي تضعف فيه فرص النساء بالإنجاب."
والخلاصة: يبدو أن ضعف غريزة الأمومة قد زعزع المجتمع الأوروبي اجتماعياً إلى غير رجعة وإن هذا الداء هو في طريقه إلى مجتمعاتنا الشرقية ومن له آذان فليسمع.
د. فيليب حردو FRCP ـ لندن
التعليقات (0)