عندما تشلح حماس
أسامة الرنتيسي
أسامة الرنتيسي /لم يكن غريبا أن يشلح زعيم حركة حماس خالد مشعل حذاءه، ويمسك بمسبحة (99 حبة)، عندما كان قبل يومين في حوزة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، برفقة شركاء النضال في دمشق؛ زعيم الجبهة الشعبية- القيادة العامة أحمد جبريل، وزعيم الجهاد الإسلامي رمضان شلّح، فهم في حصة درس في فنون المقاومة المثابرة، وفتوى على لسان المرشد أن «فلسطين ستتحرر نهائيا».
وليس غريبا أيضا، أن يخرج قائد حماس في غزة الدكتور محمود الزهار عن طوره الهادئ في تصريحات لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، نشرتها الأحد بعد كارثة المبحوح، ومصيبة العميل مصعب ابن قائد حماس في الضفة الغربية حسن يوسف، إذ يقول الزهار: «نحن لا نستبعد أن يكون في حماس بعض العفن».
لكن، لنتحدث سياسة في العمق، ونترك مشعل في حوزته، والزهار في ترميم ما علق بالحركة من عفن، ونقول: إن الأسلوب الذي تتبعه حركة حماس، في علاقاتها مع القوى الفلسطينية، خاصة القوى المسلحة، حين تدعوها بين فترة وأخرى، إلى ضرورة التوقف عن إطلاق الصواريخ على أهداف إسرائيلية، وإلى تجميد (أو تعليق) عملياتها المسلحة ضد العدو الإسرائيلي على خطوط التماس مع قطاع غزة، يحتاج إلى مراجعة حقيقية.
حركة حماس، لا تتردد، عبر حكومة إسماعيل هنية، في إصدار أوامر واضحة وصارمة، تكلّف أجهزتها الأمنية ضبط خطوط التماس، ومنع الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة من العمل ضد العدو الإسرائيلي. في الوقت نفسه لا تتوقف حماس عن الحديث عن المقاومة، والممانعة، والصمود، وغير ذلك من التعابير، في سياق محاولة مكشوفة لاحتكار المقاومة كقطاع خاص بها، وفي محاولة لتصوير وضع «صمود حكومة هنية» وكأنه معيار المقاومة الرئيس وشبه الوحيد.
حماس تعيش أزمة فاقعة، وإن كانت تحاول أن تموّه عليها بين فترة وأخرى، مستفيدة من الحالة «الموضوعية» لأوضاع قطاع غزة تحت الحصار.. فهي، كحركة سياسية، الابنة الشرعية لحركة الإخوان المسلمين، ترسم لنفسها أهدافاً سياسية، وتجهد للوصول إليها، لكنها تحاذر في الوقت نفسه من أن تعلن برنامجا سياسيا متكاملا بحيث تندرج هذه الأهداف في سياقه، حتى لا تتحول إلى أسيرة لهذا البرنامج، وحتى لا تتكشف حقائقها السياسية، وحتى يبقى بمقدورها ممارسة سياسة بهلوانية، تتيح لها القفز على كل الحبال، دون قيود أو استدراكات.
فهي مرة مقاومة، ولا تجد إلا في المقاومة سبيلا لـ «التحرير»، وهي مرة أخرى مع العمل المقاوم وإلى جانبه العمل السياسي، وهي مرة ثالثة على استعداد للحوار مع الولايات المتحدة، ولا تجد في واشنطن عدواً لها، وهي مرة رابعة ضد الاستفتاء على الثوابت، وهي مرة خامسة مع استفتاء الشعب الفلسطيني على الاعتراف بإسرائيل بعد قيام دولة فلسطينية، وهي مرة سادسة مع دولة في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس، ومع هدنة لأربعين عاماً، وتأجيل بحث قضية اللاجئين، وهي مرة سابعة مع «تحرير» كل شبر من الأرض الفلسطينية!!
حماس الآن تحاول أن تحتفظ لنفسها بعنوان المقاومة، لأن في هذا العنوان مكاسب سياسية ومادية وغيرها، وتؤيد في الوقت نفسه تجميد العمل المقاوم، ولو بالضغط على الآخرين، دون أن تحمّل نفسها مسؤولية هذا التجميد، ودون أن ينال هذا الأمر من موقعها الاحتكاري للمقاومة.. وفي الوقت نفسه تحاول أن تبحث لنفسها -في الوضع الإقليمي- عن دور سياسي منافس لدور الرئيس محمود عباس، وأحياناً بديل عنه، مع الترويج لأن الرئيس عباس رجل ضعيف -وهو كذلك- وأن بمقدور حماس أن تقدّم للغرب ما لا يستطيع عباس أن يقدّمه.. ودليلها على ذلك أنها بقوة السلاح أمسكت بخطوط التماس، ومنعت المقاومة عن إسرائيل، و قضت على التيارات الإسلامية المتطرفة، وعلى استعداد للذهاب بعيداً سياسياً، دون أن يقيّدها قيد.. وبالتالي تحاول حماس أن تحافظ على «وجهها» القديم، وتحاول في الوقت نفسه أن تغادر مواقعها نحو مواقع جديدة، تقترب فيها من مواقع الرئيس عباس التفاوضية، لكن الفارق بينها وبينه أنها لا تريد أن تدفع ضريبة سياستها الجديدة، ويساورها وهمُ أنها تستطيع لعب هذا الدور طويلاً، متجاهلة أن قوانين الطبيعة تعاند الكثير من الإرادات، وأن أزمتها التي تحاول على الدوام معالجتها بالمسكّنات لا بد أن تنفجر يوماً ما؛ وأن الحل لا يكون بالبهلوانيات السياسية، بل بتبني برنامج واضح وصريح وشفّاف.
في المحصلة، حماس تهرب إلى الأمام كثيرا على حساب الواقع، والرئيس عباس يعود للخلف كثيرا.. فكيف تقع المصالحة بينهما؟
التعليقات (0)