مواضيع اليوم

عندما تشرئب الأعناق...

محمد مغوتي

2010-06-10 09:53:42

0

                     عندما تشرئب الأعناق...
   بدأت الزوبعة التي أثارها حادث الهجوم العسكري الإسرائيلي على قافلة الحرية تهدأ تدريجيا. وانتهى معها موسم البيانات التنديدية و الخطابات الإنشائية المغرقة في الحماسة، في انتظار موعد جديد. لكن تداعيات الواقعة مازالت تفعل فعلها في الشارع العربي على الأقل.
   مسكين هذا الشارع العربي المغلوب على أمره. إنه يتشبث بكل بارقة أمل تلوح في الأفق، حتى ولو كانت مجرد سحابة عابرة أو لعبة من ألاعيب السياسة الماكرة. وعندما نستطلع آراء الناس في مجموع العالم العربي نجد نغمة تمجيد الخطوة التركية على كل الألسن، و تتحول أنظار الجميع إلى بلاد الأناضول لعل الأخبار تحمل قرارا تركيا يعيد بعض الإعتبار للكرامة العربية التي يبدو أن القرار الرسمي العربي يتلذذ بإهدارها المستمر. وبما أن الشارع فقد كل الآمال في صحوة تعيد إليه كبرياءه، فإنه اختار أن يبحث عنها خارج خريطته الجغرافية. وأصبحت تركيا وحكومتها و رئيس وزرائها أبطالا يشار إليهم بالبنان. كيف لا و الكثير من العرب يعتبرون أن تركيا بفتحها المبين قد مرغت وجه إسرائيل في التراب. وهكذا وفي ظل الهزيمة المزمنة يكتفي الإنسان العربي الحامل لهم قضاياه المصيرية بنشوة النصر المفترض الذي يبنيه في عقله ويجعله حقيقة لا يتنازل عنها.
   مشكلة الشارع العربي أنه يصدق بسرعة، ويصنع لنفسه زعامات من فراغ. وكل من ذكر القدس بخير، وعلا صراخه أمام الميكروفونات وهدد إسرائيل بالفناء و الزوال أو حتى بقطع العلاقات، يصبح بعد حين قائدا هماما و معشوقا للجماهير. حدث ذلك مع الرئيس الراحل صدام حسين سنة 1991، عندما كان موضع إجماع تام من كل الفئات الشعبية بمجرد إطلاقه عددا من الصواريخ على إسرائيل في حربه ضد قوات الحلفاء بعد غزو العراق للكويت. والكل يدرك أن ما قام به الرئيس الراحل في تلك المرحلة لم يكن ليغير من الأمر شيئا.... ثم توالى الصمت العربي بعد ذلك إلى أن طفا على السطح نجم " حسن نصر الله " خصوصا بعد مواجهته لإسرائيل في صيف2006. ونظرا للدور الإيراني المعروف في تسليح حزب الله، فقد بدا اسم " محمود أحمدي نجاد " يتردد على كل لسان. ولم يعد للحساسيات المذهبية بين السنة والشيعة أي حضور في وجدان الشارع العربي المتعطش للبطولات. وفهم الرئيس الإيراني جيدا نفسية المواطن العربي فاختار أن يعزف في كل مرة على الوتر الحساس لديه. و في كل المناسبات يعلن بوضوح - وبلغة الوعيد - النهاية الوشيكة لإسرائيل. وهو يعرف أن أصداء كلماته تجد وقعها الشديد في آذان وعواطف الشعوب العربية، بالرغم من أنها حقا مجرد كلمات... واليوم جاء عصر " أردوغان " هذا الرجل الطيب الذي فرض نفسه بطلا في عيون الأمة العربية.و باتت كل الحناجر واللافتات والمنتديات والمواقع الإلكترونية تصدع باسم تركيا وأردوغان، فهو " رجل شجاع و مسلم حر " و هو " بطل يستحق التقدير " و هو أيضا " رجل المرحلة "... شعارات وتعليقات على كل لسان تبرز إلى أي حد يتماهى العقل العربي بسهولة بالغة مع الأحداث بكل حماسة ودون أية مسافة نقدية ولا قراءة لأحكام السياسة ودروس التاريخ.
   يحق للمواطن العربي ولكل إنسان في كل مكان، بل ويجب عليه أن يصفق بحرارة لكل محاولات التضامن مع أبناء غزة ومع المقهورين أينما وجدوا. لكن صناعة الشخصيات الكاريزمية التي تعود عليها العرب بين الفينة والأخرى، تسمح على الدوام بحالة من التبريد والتنفيس، وتكون بردا وسلاما على النظام الرسمي العربي بالأساس. وكلما بلغت حالة الإحتقان في الشارع أرقاما قياسية، يأتي من يحول الهزائم إلى انتصارات بمجرد تهديد إسرائيل ولو ببضعة كلمات من زمن الهجاء. 
                    محمد مغوتي.10/06/2010.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !