لطالما أبهرته بحسنها الأخاذ و شخصيتها الجاذبة و شفافية روحها و رهافة طباعها, كان يتتبع خطواتها بدقة مخترقاً قسماتها الطفولية الساحرة, إذ لم تبلغ آن ذاك عامها التاسع .
ففي كل ليلة على ضوء القمر تغور مقلتاه محاولة نسج خيوطها البصرية بأطراف ذلك الكوكب البعيد , وهنا تتوالى الهمسات , مُحاولاً إقناع نفسه أن تلك الفاتنة ملكه و أن يوماً سيأتي لتصبح بين ذراعيه.
لم تنشأ ياسمين في كنف والديها كما الأخريات, فقد اغتالهما القدر في يوم واحد في حادث سيرعلى طريق المدينة السريع,عمها و زوجته لم ينجحا في إشباعها عاطفياً رغم حرصهما على ذلك , فكانا يتنافسان في العطاء و الحب و الحنان محاولين تعويضها و محو ذكراها المؤلمة في فقد والديها,ربما ملامح ذلك الحادث المؤلم بتفصيلاته المُلازمة لخيالها ساهمت في الحد من رشف السيل الهائل من الاهتمام المُقدم لها ..
ورغم فارق العمر بين ياسمين و أسامة إلا أنها لم تتردد في الاقتران به , و كانت تُسابق الريح في الاستعداد لذلك الزفاف الإسطوري كما رسمته في مخيلتها , تعجب من حولها من شغفها اللامحدود لذلك اليوم و كأن أمراً خفياً يدفعها لطي الفترة الزمنية المتبقية على موعد حفل الزفاف .
أفخر العطور و أجمل الحلي و أرقى الثياب تزاحمت في غرفتها الصغيرة , لم تهمل أدق التفاصيل في تجهيزاتها الأنثوية , سويعات تفصلها عن اعتلاء تلك المنصة المُزينة بأنواع الورود العبقة الزاهية , حمام ساخن فقط و ستبدأ بطقوس الاستعداد لحفلها البهيج .
ياسمين لم تخرج بعد , الجميع ينتظر خروجها بشغف و البعض بدأ يتململ من طول الانتظار , فلم يعد هناك متسع من الوقت , ساعة واحدة فقط وتبدأ مراسم الزفاف .
انقضت تلك الساعة المُتبقية لُيدرك الجميع و بمن فيهم أسامة : أن ياسمين خرجت محمولة على الأكف لا مترجلة , و أن عناق الأرواح الغائبة قد بدأ,و أن يومه الموعود أُسدلت ملامحهُ القاتمة ,لتُبتر أحلامه عن واقعه المرير.
.
التعليقات (0)