د. عبـد الفتـاح الفـاتحـي
في مقال نشـره مؤخرا عميـد الوحدويين العرب ياسين السيد مستشار مركز الدراسات السياسية بالأهـرام تحت عنوان "نحو تحديث خطاب العروبـة فـي عصـر العولمـة" اعتبر فيه أن الخطاب الوحدوي للعرب لا يزال موصولا بين المراجعة النقدية وآفاق بناء المستقبل.
وأكد أن الحديث عن آفاق العروبة في عصر العولمة، وخاصة الوحدة العربية يجب أن يوضع في سياق التغييرات الجوهرية التي أحدثتها العولمة في بنية النظام العالمي، كتلك التي أفرزتها الثورة المعلوماتية -الانترنت- من ارتفاع معدلات التفاعل بين الثقافات إلى درجة غير مسبوقة، إضافة إلى ظاهرة الاعتماد المتبادل في المجال الاقتصادي، وظاهرة بروز تكتلات اقتصادية إقليمية كالاتحاد الأوروبي والآسيان والنافتا.
وأوضح ياسين السيد أن الخطاب القومي الوحدوي التقليدي القائم على المدخل السياسي، قد تجوز لصالح الخطاب القومي الوظيفي، معتبرا أن هذا التغير حصل مباشرة بعد الأزمة الخانقة على صعيد النظرية والممارسة معا في سنوات التردي والانهيار التي أعقبت هزيمة يونيو عام 1967. موضحا أن ذلك هو ما عبر عنه المفكر القومي قسطنطين رزيق بالقول: "إن التحدي الأكبر الذي يجابه الأمة العربية في مطلع الثمانينيات هو اتجاه أعضاء النظام العربي نحو تمكين القطرية والتكتيكية.. وهو الاتجاه المعاكس لما يفرضه سير الأمة نحو التماسك والتكامل وتنمية قوتها الذاتية التي تكون مرتكزها الأساسي، فمن هنا يجب أن نبدأ: كيف نقف في وجه هذا الانعكاس الذي أدى إلى التبعثر العربي؟
وبذلك يكون قسطنطين رزيق حسب ياسين السيد قد وضع يده على طرفي المعادلة العربية: الدول القطرية من ناحية والجماهير من ناحية أخرى. الدول القطرية التي تضخمت سلطاتها وتوحشت في مواجهة المجتمع المدني، هي نفسها التي ستقود عملية الانتقال من الخطاب القومي التقليدي إلى الخطاب القومي الوظيفي، حفاظاً على بنائها من الانهيار.
وعليه فإن الخطاب القومي بالنسبة لياسين السيد سينعطف نحو القول بأن التكامل العربي والوحدة العربية أمر سياسي في المقام الأول، يكون فيها الاعتبار للالتزام السياسي حول تأخر تطور الخطاب الوحدوي العربي. وأكد ياسين أن أزمة الخطاب القومي العربي التقليدي قد انعكست على النظام العربي ذاته، بحكم وحدة الفكرة والممارسة، ذلك ببروز مشكلات جوهرية صيغت في شكل تناقضات يواجهها النظام العربي منها:
- المفهوم القومي في مواجهة المفهوم الديني، أي مواجهة الاتجاه العربي للاتجاه الإسلامي.
- المفهوم القومي في مواجهة المفهوم الإقليمي، أي تناقض النظام العربي والنظام الشرق أوسطي.
- المفهوم القومي في مواجهة المفهوم المحلي، أي التحديات التي تفرضها التجمعات العربية الوسيطة ذات النزوع البراجماتي والوظيفي. (كمجلس التعاون الخليجي، ومجلس التعاون العربي، والاتحاد المغاربي).
- المفهوم القومي في مواجهة المفهوم السياسي.
وحول آفاق الخطاب القومي العربي الوظيفي وغاية الوحدة العربية أوضح ياسين السيد أن اتجاهات الرأي العام العربي في العقود الأخيرة غدت أكثر واقعية، حين تقبل بالمدخل الوظيفي بدلاً من الإصرار على المدخل السياسي. مؤكدا أن سيادة الخطاب الوظيفي في العقود القادمة وفق منهجية ديمقراطية حقيقية، يمكن أن تحقق الأهداف المعقودة عليها، على اعتبار أن رأي كل المثقفين العرب اليوم تجمع على أن أي تجمع عربي، تكاملاً أو تنسيقاً أو اتحاداً أو وحدة شاملة، لا يمكن له البقاء إن لم يتم على أساس متين من المشاركة الشعبية الفعالة، في إطار من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان العربي.
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)