عمر (رضي الله عنه).. من التاريخ الى الدراما

في خطوة وصفت بالجريئة للدراما العربية قامت قناة قطر مع مجموعة أم بي سي بانتاج مسلسل عمر عن حياة الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه). الجرأة في المسلسل أتت من حيث تجسيد شخصية عمر لأول مرة في الدراما والسينما العربية الأمر الذي كان محظورا في السابق بفتاوى من الأزهر وغيره من المجامع الاسلامية والعلماء تقضي بمنع تصوير العشرة المبشرين بالجنة وآل البيت.

ولست هنا بصدد الدخول في قضية الخلاف الفقهي حول هذه المسألة وجواز أو عدم جواز ظهور شخصيات الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة في الدراما، فقد أفتت اللجنة العلمية المكلفة بمراجعة المسلسل والتي يتألف من عدد من العلماء على رأسهم الشيخ القرضاوي بجواز تجسيدهم، وأرى أنه ينبغي تجاوز هذه المرحلة من قبل أهل السنة في ظل الاشتباك الثقافي بين السنة والشيعة والنظر الى القضية من باب تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والظروف بعد أن قطعت الدراما الايرانية أشواطا كبيرة في هذا المجال حتى وصل الأمر بهم الى تصوير الأنبياء بل الملائكة في مسلسل يوسف الصديق، على أن لا يصل الأمر عند أهل السنة الى هذا الحد ويبقى الأنبياء وأمهات المؤمنين خطا أحمر لا ينبغي الاقتراب منه.

المسلسل بصورة عامة كان إيجابيا انتقل بالمشاهد الى عصور الاسلام الأولى وبدء الدعوة والرعيل الأول من المؤمنين وتصدي قريش للدين الجديد في مشاهد مبهرة أخذت بقلوب وعقول من تابعها وظهرت في المسلسل إبداعات كثيرة من حيث الديكور والمؤثرات البصرية والمعارك والموسيقى التصويرية...الخ

ولكن أثناء مشاهدتي لأحداث المسلسل تكونت لدي ملاحظات أحببت أن أدلو بها:
1- بالنسبة لاختيار الممثلين لأداء الأدوار اشترطت اللجنة العلمية اختيار وجه جديد لأدار دور عمر لم يسبق له التمثيل مسبقا، فكان اختيار الممثل السوري الشاب سامر اسماعيل لتجسيد دور عمر، وبالنظر الى كونه تجربته الأولى في عمل درامي ضخم بهذا الحجم فإن عنصر الخبرة كان غائبا عنده بالتأكيد وبالتالي فإن نقص الخبرة كان واضحا عليه في العديد من المشاهد في حركاته وسكناته، وكان من المفروض أن يتم تدريبه أكثر وإعطائه مزيدا من الثقة بالنفس، ومع هذا فإنه بصورة عامة كان موفقا في أداء الدور.

ونفس هذه الحالة كانت واضحة عند الممثل التونسي غانم الزرلي الذي قام بأداء دور علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) والذي كان أول تجربة له أيضا.

وهنا أتعجب من اشتراط اللجنة العلمية تجسيد وجه جديد لأداء دور عمر وعدم اشتراط ذلك لدور أبي بكر الذي أداه الممثل السوري غسان مسعود مع أن الصديق (رضي الله عنه) هو أهم شخصية في الاسلام بعد رسول الله (صلى الله عنه وسلم)، ومع هذا فإن مسعود أدى الدور بحرفية على الرغم من أنه ينتمي مذهبيا كما يقال الى الطائفة العلوية التي تسبّ أبا بكر.

أما حمزة بن عبد المطلب فلا أعتقد انه كان قصيرا بهذا الشكل كما في المسلسل وهو أسد الاسلام الذي كانت قريش تهابه، ومصعب بن عمير كان شابا جميلا وسيما فلا أدري لماذا تم اختيار هذا الممثل الكبير في السن نسبيا لأداء دور مصعب ولذلك كان اختيارا غير موفق، أما أبو هريرة في المسلسل فكأنه كان أحد رجالات فارس الذين كانوا يكبّرون شواربهم حتى تدخل في فيهم مما جعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعرض عن الرجلين الفارسيين اللذين جاءا من قبل باذان حاكم اليمن الفارسي بسبب شواربهما كما ورد في السيرة، فكيف يكون أبو هريرة (رضي الله عنه) وهو من هو في مصاحبته الدائمة لرسول الله والأكثر رواية عنه بهذا الشكل؟!.

2- بالنسبة الى أحداث المسلسل الذي من المفروض انه عن سيرة عمر، فإن أكثر من نصف الحلقات كان كأنه يتحدث عن تاريخ بدء الدعوة الاسلامية في مكة وتأسيس الدولة في المدينة وليس عن عمر، ولا شك أن أهم مرحلة في تاريخ الاسلام هي هذه الفترة التي كان فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حيا بين أظهر المسلمين، ولكن تلك الفترة موضعها عمل درامي آخر فكان من المفروض التركيز أكثر على عمر، وقد لاحظنا أن الحلقات العشر الأخيرة تقريبا ركزت على عمر في أحداث متسارعة ومتلاحقة وكان هناك العشرات من الأحداث المهمة في سيرة عمر لم يذكرها المسلسل.

3- هناك روايتان في هجرة عمر الى المدينة إحداها رواية ابن اسحق وهي الرواية الصحيحة وفيها ان عمر اتعد مع عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص منطقة خارج مكة اتفقوا عليها للقاء والانطلاق الى المدينة وسياق الرواية يدل بوضوح على أن هجرته كانت سرا كغيره من الناس، أما الرواية الثانية عن ابن عساكر والتي تذكر أن عمر أعلن عن هجرته على رؤوس الأشهاد في مكة وهدد من يلحقه بثكل أمه ويتم ولده وترمل زوجته فهي رواية ساقطة لا تصح حيث فيها ثلاثة مجاهيل كما بين الشيخ الألباني في نقده لأحاديث كتاب فقه السيرة للبوطي. ولا أدري كيف وافقت اللجنة العلمية التي تضم عددا من العلماء والمؤرخين المعتبرين على اعتماد المسلسل رواية ابن عساكر علما أن من بين أعضاء اللجنة الدكتور أكرم ضياء العمري وهو نفسه الذي يورد في كتابه (السيرة النبوية الصحيحة) رواية ابن اسحق ويبين أن رواية الهجرة العلنية لا تصح.

4- مما يؤخذ على المسلسل كثرة الأخطاء اللغوية والأخطاء في النطق من قبل الممثلين، ولا أتذكر الان العشرات من هذه الأخطاء ولكن على سبيل المثال لا الحصر عندما يناقش عمر مع مستشاريه مسألة توزيع أرض السواد يقترح علي أن لا توزع تلك الأراضي وتبقى ملكا للدولة لكي يستفيد منها جميع المسلمين ويقول: (كي لا يكون دَولة بين الأغنياء منكم) بفتح الدال في كلمة دولة والأصل هو دُولة أي بالضم ويكرر عمر في الحوار نفس الخطأ. وفي مشهد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما يتلو أبو بكر (غسان مسعود) آية سورة آل عمران [وما محمّدٌ إلا رسولٌ قَد خلَتْ من قبله الرسل..] وفي آخر الآية [وسيجزي الله الشاكرين] ينطق اللام في لفظ الجلالة مفخمة مع انها مرققة لأنها مسبوقة بكسر.

5- من الأخطاء الفقهية في المسلسل وفي مشهد عمرة القضاء يدخل المسلمون مكة ملبّين (لبيك اللهم لبيك..) ومن المعلوم أن المعتمر يتوقف عن التلبية عند رؤية الكعبة واستلام الحجر ويبدأ بالدعاء في الطواف، ولكن المسلمين في المسلسل استمروا في التلبية وهم يطوفون بالكعبة.

6- في مشهد ذهاب عمر الى فلسطين واستلامه مفاتيح بيت المقدس يسلم عمر على أهل الكتاب النصارى ويقول: (السلام عليكم ورحمة الله) وعند مغادرته يردد نفس صيغة السلام. لا شك أن الاسلام عامل أهل الكتاب وخصوصا النصارى معاملة خاصة ويقول العلماء انه لا بأس من السلام عليهم ومخالطتهم ولكن صيغة السلام على أهل الكتاب تكون فقط (السلام عليكم) فما الداعي هنا لزيادة (ورحمة الله)؟!

ورغم هذه الملاحظات وغيرها فإن المسلسل كان عملا ضخما بذلت فيه جهود كبيرة ويستحق الثناء، وهو خطوة لما بعدها وخصوصا في مسألة تجسيد الخلفاء الراشدين حيث لم يبق الأمر محظورا في الأعمال الدرامية القادمة.