عمالقة الأدب المصري .. ورمضان زمان
تأثر الأدباء المصريون بأجواء شهر رمضان وروحانياته، وظهر ذلك في أعمالهم الأدبية ومقالاتهم ،
ومن ذلك ما كتبه العقاد في مجلة الهلال 1955 يقول : " رمضان شهر الإرادة .. ولا حاجة للصائم إلى أدب طالما عرف حكمة الصوم في تقوية الإرادة .. ورمضان موعد معلوم من العام لترويض الجماعة علي نظام واحد من المعيشة، وليس أصلح لتربية الأمة من تعويدها هذه الأهبة للنظام ولتغيير العادات شهراً في كل سنة.
أما نجيب محفوظ فكان على رأس الروائيين العرب الذين جسدوا رمضان في أعمالهم مثل "خان الخليلي"، وملحمته الروائية الشهيرة "الثلاثية"، وكان محفوظ يصف رمضان قائلا: "تسبقه دائماً أهبة تليق بمكانته المقدسة".
ذكريات السمر
في "خان الخليلي" تنطلق الأحداث من حي السكاكيني الشهير، الذي يتعرض للقصف في غارة من غارات الحرب العالمية الثانية عام 1941، مما جعل إحدى الأسر المقيمة بها ـ أسرة أحمد عاكف- ينتقلون للإقامة بحي الحسين العريق، الذي يتجلى فيه مظاهر الشهر الكريم بطقوسه وشعائره.
قهوة الفيشاوى فى رمضان
يروى محفوظ عن ذكرياته في الشهر الكريم مع أصدقائه في حي الحسين، حيث كان يقود مجموعة من أصدقائه من حي السكاكيني قبيل الفجر، ويصطحبهم ليتسحروا "كوارع"، و"لحمة راس"، ويظلوا هناك حتى يستمعوا إلى أذان الفجر منطلقاً من مسجد الحسين بصوت الشيخ علي محمود، وبعد انقضاء الصلاة ومع تباشير الصباح الباكر يعود الجميع إلى أحيائهم ومنازلهم.
كما تربطه ذكريات مع الشيخ زكريا أحمد وأحاديث السمر التي كانت تجمعهما في ليالي رمضان، وعن ذلك يقول : "الشيخ زكريا أحمد كان له صديق اسمه الشيخ عبد العزيز قطة، وكانت له دار في حي الحسين، كانت داراً كتلك التي في حكايات وقصص "ألف ليلة وليلة" مشغولة بكاملها بالأرابيسك وكنا نسهر هناك في هذه الدار، وكان الشيخ زكريا أحمد يغني للصحبة المجتمعة بالدار، ويحكي لنا ذكرياته مع الشيخ سيد درويش الذي كان يحبه ويعشقه لدرجة الجنون، وكان يتحدث عنه بانفعال وشغف زائدين، كما كان يحكي ذكرياته وحكاياته مع غيره من أساطين الغناء والتلحين في عصره، وفي بعض الأحيان كان يسمعنا ألحانه الجديدة لبعض أغنيات السيدة أم كلثوم قبل أن يسمعها إياها!".
روحانيات حقي
يقول الأديب الكبير يحيى حقي: "رمضان كريم.. أحب رمضان لأنه إلى جانب فضائله هو الذى سينفرد بانتزاع الأسرة من التشتيت ويلم فى البيت شملها على مائدة الإفطار".
قدم لنا الأديب الكبير من كتابه "من فيض الكريم" تفاصيل الشعائر الإسلامية والعادات الاجتماعية التي تعكس جوهر شعوره الديني، فتحت عنوان "من وحي ليلة الرؤية" يكشف لنا يحيى حقي تسجيله للاحتفاء بتلك الليلة المباركة قبل دخول الإذاعة أو التلفزيون إلى حياتنا.
فلم يكن هناك مذياع يجلب للناس أخبار الرؤية في منازلهم وهم معزولون عن الآخرين, متقوقعين على أنفسهم, بل كانت جموع الصبية قبل الكبار تتجمع خارج باب المحكمة الشرعية في سراي رياض باشا حيث يجلس القاضي ينتظر وفود الرسل الذين خرجوا إلى مختلف المراصد والأماكن لرصد قطعة صغيرة من النور ليس في السماء ما هو أرشق منها ولا أجمل, وما أن تثبت الرؤية حتى تدار أكواب العصير على الحاضرين وسط هتاف الصبية "صيام صيام. بذا حكم قاضي الإسلام"، ويصف الأديب ليلة الرؤية بأن هلالها ليس كبقية الأهلّة, يظهر خطفا لا ليضيء, بل ليومئ ثم يغيب، ليجد نفسه يقول: تباركت يا شهر الصيام, ما أقوى سحرك وما أكبر حزبك.
ثم يردف بقوله : "ما أجمل القاهرة فى تلك الليلة، المآذن زينة وفرح وابتهال يشرف عليها من مسجد القلعة مئذنتان نحيفتان متوجتان بالنور".
شهر الطعام!
ينتقد الكاتب الكبير أنيس منصور في مقاله بصحيفة "الأهرام" مؤخرا ما آل إليه شهر رمضان، الذي أصبح شهر الطعام الكثير جدا والذي ينتهي عادة بالكعك والبسكويت والذهاب الي القرافة لقراءة الفاتحة وتوزيع الفطائر والبلح والفلوس علي أرواح الموتي!
أما رمضان الذي تقرأ عنه في الكتب القديمة فلا وجود له، فقد ندر وجود المسحراتي الذي يوقظ النائمين، أما مدفع الإفطار الذي نسمعه في الراديو فهو مثل ساعة جامعة القاهرة التي تدق في الإذاعة فقط لتوحيد الوقت!، حتى في الريف لم يعد أحد يعرف رمضان القديم لأن الفلاحين يجلسون وينامون أمام التليفزيون مثل أهل القاهرة !
رمضانيات
من الأعمال الأدبية التي تناولت شهر رمضان رواية احسان عبد القدوس "في بيتنا رجل"، ورواية "الرهينة" للكاتب زيد مطيع دماج الذي يقدم "بانوراما" متكاملة لشهر رمضان في اليمن في الأربعينيات من القرن العشرين، ورواية الكاتب محمد جبريل التي حملت عنوان "مد الموج"، حيث يتعرض لرمضان من خلال ذكريات الطفولة ، فيصف ألعاب أطفال الإسكندرية في رمضان منتصف الأربعينيات.
أيضاً من ضمن الأعمال قصة "رمضان " التي ضمنها الأديب الكبير يوسف إدريس مجموعته القصصية "جمهورية فرحات" عام (1956)، التي تناول فيها صوم رمضان، من وجهة نظر صبي في العاشرة من عمره.
تصّور القصة مرحلة انتقال طفل في العاشرة من عمره إلي عالم الكبار من خلال ممارسة طقس الصوم،الي كان يمنعه منه والده، ثم نال "فتحي" الطفل موافقة الأب علي الصوم، فانضم إلي أبويه، وتناول سحوره، "وكان أول سحور في رمضان وزاخر كالعادة بأطايب الأطعمة".
لكن فتحي عانى من الصيام وعطش خلال ساعات النهار، وحاول أن يتجاهل العطش، لكنه لم يستطع وشرب، وضبطته أمه حينها وفرح فتحي في قرارة نفسه لأنهم سوف يقولون أنه لا يستحق الصيام ويجعلونه يفطر، لكن المصيبة أنهم هذه المرّة قالوا أنه باظ، وضربوه علقه أرغموه علي الصوم بالقوة وراقبوا التنفيذ بدقة!.
وقصة :ذاكرة مقلوبة "من مجموعة " الوشم السابع لصديق الحكيم يروي فيها قصة شاب قلب حياته فنهاره نوم وليله سهرأمام الكمبيوتر مع أصدقائه علي الفيس بوك حتي أن شهررمضان عندما هلّ فاجأه ولم يتذكر طقوس الشهر الكريم إلا بعدما عدل وضعية ذاكرته المقلوبة
المصدر محيط – سميرة سليمان
التعليقات (0)