علي هامش القصة (4)الفن الوليد
إعداد د/ صديق الحكيم
فاتحة القول: ترى الدكتورة سعاد مسكين في كتابها القيم ”القصة القصيرة جدا في المغرب (تصورات ومقاربات) لسعاد مسكين؟ بأن القصة القصيرة جدا جنس أدبي حديث، يطرح أسئلة كثيرة، ويثير إشكالات صعبة ومفتوحة، ويستلزم وقفات تأملية عدة ، وذلك من أجل سبر أغوار هذا الجنس الأدبي الجديد.(1) ومن ثم، فقد تشكل هذا الجنس الأدبي الجديد في التربة الثقافية والنوعية على أنقاض الأجناس الأدبية الأخرى ، وذلك على غرار قوانين تطور الأجناس الأدبية.(2) وفي هذا، يقول تودوروف(T.Todorov)مجيبا عن سؤال جوهري: من أين تأتي الأجناس ؟ فيجيب:” بكل بساطة تأتي من أجناس أدبية أخرى، والجنس الجديد هو دائما تحويل لجنس أو عدة أجناس أدبية قديمة عن طريق القلب أو الزخرفة أو التوليف.”(3)
هذا، وقد رصدت الناقدة مجموعة من المواقف المتباينة حول القصة القصيرة جدا، فهناك من يرى بأن القصة القصيرة جدا مجرد ظاهرة أدبية ما تنفك أن تختفي وتزول مع مرور الزمن، بينما الموقف الثاني يرى أنها تلوين وتنويع عن القصة القصيرة نظرا لمافرضه التجريب من تطور في آليات الكتابة، وطرائق الاشتغال السردي.أما الموقف الثالث ، فيرى بأنها نوع سردي حديث، فرضته حاجات ثقافية، وفكرية، وذوقية، جاءت استجابة لتطور طبيعي وتاريخي لسيرورة الأجناس الأدبية، والأشكال الفنية.(4)
أما على مستوى الولادة، فهناك أيضا مواقف مختلفة حول نشأتها، موقف يرى أن القصة القصيرة جدا منتج مستورد من أمريكا اللاتينية، وموقف يرى أن لها جذورا عربية قديمة، تتمثل في الحكمة والمثل والنكتة والطرفة والخبر…، وموقف يرى أن القصة القصيرة تطور طبيعي و وراثي (جيني) للقصة القصيرة.(5)
من جهة أخري يقرر د.حسين علي أن هذا الفن ليس جنساً أدبيا جديدا مستقلا عن القصة والقصة القصيرة اللتين عرفهما الأدب.. كما أنه ليس تحديثاً لفن المقامات أو ألف ليلة وليلة بطريقة «حداثوية ومعصرنة جدا»، كما يشير أحد الكتاب.إننا نراه تطويراً لفن الخبر في تراثنا، وبخاصة تلك الأخبار التي كانت تجمع بين السخرية والمُفارقة،(6)
كما حاولت سعادة مسكين – من جهة أخرى- أن تميز بين القصة القصيرة جدا والأنواع السردية التراثية القريبة منها، كالخبر، والنادرة، والأمثولة، والنكتة، وتبيان علاقة القصة القصيرة جدا بجنس الشعر، وذلك بغية استخلاص المكونات البنيوية لفن القصة القصيرة جدا بنية ودلالة ووظيفة.(7)
وقد ظهر هذا الفن بعد سقوط الإيديولوجيات الكبرى, ليعبر عن الإنسان العادي (الذي كان يعبر عنه الخبر في التراث)، ويؤكد على القيم الإنسانية التي تنطوي عليها الكتابة الصادقة, التي تتشوق للعدل والحرية, وتنحاز إلي المظلومين والهامشيين، وتحاول أن تغمس مدادها في جراح مجتمعها لتكشف عن الأدواء السياسية والاجتماعية التي تستشري، وتصور الهامشيين الذين آن لهم أن ينتصفوا في شعرية شفيفة، أو سخرية مُخادعة تستطيع أن تنجو بهما دائماً من القمع والمصادرة.(8)
وليست القضية ـ كما ينبغي أن تكون ـ قضية تغيير حجم النص المقروء فحسب من الحجم الكبير إلى حجم أقل في القص «فالرغبة الملحة في التغيير لا بد أن يكون وراءها دوافع جوهرية نابعة من متغيرات الحياة التي نعيشها»(9).
خاتمة القول : غدا نواصل الكتابة علي هامش القصة
ولكن تبقي القصة :
كتب د/يوسف حطيني في العام 2000 قصة قصيرة جدا بعنوان (أسباب أخرى)
أحبّ عبد الله شعر الغزل، أما عفراء فقد أحبت أن تنجح في الثالث الثانوي.
ينسى عبد الله كل ما يقوله المدرّسون في الدورة المسائية، ولكنه لا ينسى أبداً أن يكتب لصديقته المجهولة في الدوام الصباحي شعراً معطّراً على مقعدهما المشترك، وفي كل مرة يجيئه الردّ قاسياً.
كتب لها في المرة قبل الأخيرة:
"فلا تخشي الشتاء ولا قواه
ففي شفتيك يحترقُ الصقيعُ"
وحين كتبت له: اخرسْ
قرر أن يكتب لها رسالته الأخيرة:
"لأن حبي لك فوق مستوى الكلامْ
قررتُ أن أصمت .. والسلامْ."(10)
الهوامش
(1) د.سعاد مسكين: القصة القصيرة جدا في المغرب (تصورات ومقاربات)، التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2011م.
(2) د.جميل حمداوي :مبادىء القصة القصيرة جدا عند الدكتورة سعاد مسكين ،مدونة دروب في 31/7/2011
(3) تزفتان تودوروف: (أصل الأجناس الأدبية)، ترجمة: محمد برادة، مجلة الثقافة الأجنبية، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، العراق، العدد:الأول، السنة الثانية، ربيع 1982من ص:46.
(4) د.سعاد مسكين :السابق
(5) د.جميل حمداوي :السابق
(6) د. حسين علي محمد : القصة القصيرة جدا قراءة في التشكيل والرؤية ، ورقة ألقيت بكلية اللغة العربية بالرياض، في 26/4/2003م،
(7) د.جميل حمداوي :السابق
(8) د. نبيلة إبراهيم: مستويات لعبة اللغة في القص الروائي، مجلة «إبداع»، س 2، ع 5، مايو 1984م، ص7.
(9) د. حسين علي محمد :السابق
(10) د.يوسف حطيني :قصص قصيرة جداً "من دفتر المحبة" مدونة د.يوسف حطيني ،في 26/10/2009
للتواصل مع الكاتب (213):sedeeks@yahoo.com
التعليقات (0)