علي هامش القصة (2) من سمات القصة القصيرة جدا
فاتحة القول: في هذه المقالة سنبدأ الكتابة عن سمات القصة القصيرة جدا ونستشهد بنصوص المبدعين في هذا المضمار الصعب الذي لايجيده سوي قلة قليلة من مبدعي السرد وحديثنا اليوم عن التكثيف كسمة بارزة لفن القصة القصيرة جدا حيث يعمد كُتاب القصة القصيرة جدا إلى الجمل القصيرة المكثفة التي تصور عالماً رحباً تتسع دلالاته مع كل قراءة جديدة.(1)
تقول فوزية الشدادي في قصة «خيانة»
« بعد عودته من رحلته مكث طويلاً أمام الباب يحاول فتحه ... كان الباب قد كبر، وكبر ومازال المفتاح صغيراً !!!!!!!» (2).
إنها قصة تسرد عالماً من المشاعر المتناقضة التي يُحدثها الغياب المادي والمعنوي. وهي في قصتها التي تتصف بنوعٍ عال من التكثيف ترينا أن هذا الغياب مثَّل خيانة، ومن ثم فقد جوزي هذا الغائب عند عودته بعدم القدرة على التماس مع الآخرين.(3)
وفي قصة حورية البدري «للبيع» تستبطن تجربة صوفية، وتُريد أن تنقلنا إلى تجربة معيشة في كلمات قلائل:«قال سهل التستري : سجدت وعندما نهضت من السجود ؛ ظل قلبي ساجدا.
أحببت الحالة وأحببت سهلا التستري في الله.حاولت الوصول للحالة كثيرا ... كانت النتيجة في كل مرّة مختلفة ... شيء واحد كان يحدث دائما .. كنت أجد فاكهة الصيف والشتاء في مطبخي دون أن أذهب إلى السوق .. لا بيع ولا شراء .. لا حاجة بي لذلك .. فكل شي هنا ! .. » (4).
إنها تتحدث عن نوع من المُجاهدة النفسية، قد نستصعبه معنويا، أو نرفضه موضوعيا أو عقديا، كعالم ينبتُّ عن الحياة أو العقيدة، لكنها استطاعت أن تنقله في عدد مكتنز من الألفاظ، وبه استطاعت أن ترينا أن «عالم القص الروائي يعد أقرب الأشكال الأدبية اللغوية لحركة الحياة، فهو عالم مصغر لعالمنا، وهو يقف موازياً له وقريباً منه. والفرق بين عالم القصة الخيالي وعالمنا التجريبي، أن الأول محدود ومركز وأكثر حبكة ونظاماً في حين أن عالمنا التجريبي عالم واسع وعريض وتختلط فيه الأمور اختلاطاً قد يصل إلى حد التهويش وغياب المنطق، وبعبارة أخرى فإن عالم القص عالم متخيل ومصنوع صنعة محكمة في مقابل عالمنا الواقعي الذي تسير فيه الأمور مشتتة، كما يحلو لها أن تسير» (5).
خاتمة القول : وغدا نواصل الكتابة علي هامش القصة
ولكن تبقي القصة :
كتب زكريا تامر قصة قصيرة جدا بعنوان قصة "آخر مشاجرة":"جاء رجل إلى جحا، وقال له متشكياً: "عندي زوجتان لا تكفّان عن التشاجر، واليوم أوشكت الواحدة أن تخنق الاخرى، فماذ ا أفعل؟"
قال جحا: " ولماذا تشاجرتا اليوم؟"
قال الرجل: "واحدة كانت تقول إن ما يفعله ملكنا يؤهله للشنق، والثانية تقول إنه يستحق السجن فقط، فهل لديك نصيحة تساعدني على وضع نهاية لمشاجراتهما؟"
قال جحا أنت لست محتاجاً إلى أية نصيحة، فحين ترجع إلى البيت لن تجدهما، ومشاجرتهما اليوم آخر مشاجرة".
وتزوج الرجل امرأة ثالثة.[6]".
الهوامش
(1) د. حسين علي محمد : القصة القصيرة جدا قراءة في التشكيل والرؤية ، ورقة ألقيت بكلية اللغة العربية بالرياض، في 26/4/2003م،
(2) فوزية الشدادي: خيانة، موقع «القصة العربية» على الإنترنت، في 7/6/2002م.
(3) د. حسين علي محمد : القصة القصيرة جدا قراءة في التشكيل والرؤية ، ورقة ألقيت بكلية اللغة العربية بالرياض، في 26/4/2003م،
(4) د. حورية البدري: للبيع، موقع «القصة العربية» على الإنترنت في 20/3/2003م.
(5) د. نبيلة إبراهيم سالم، مستويات لعبة اللغة في القص الروائي، مجلة «إبداع»، س 2، ع 5، مايو 1984م، ص7.
(6)زكريا تامر: نداء نوح، رياض الريس للكتاب والنشر، لندن، ط1، 1994.
للتواصل مع الكاتب (211):sedeeks@yahoo.com
التعليقات (0)