علي عليه السلام ... له معجزاته ايضاً
اتفق المسلمون جميعا على أن الإعجاز واحد من أهم الأدلة التي دعمت بها النبوات وخاصة إذا ما واجهت الدعوات الالهية المرسلة من السماء تكذيبا وعنادا وترددا وحذرا فكان الإعجاز هو السبيل لاقناع كل ذي عقل ، يمكنه ان يتدبر في شان ما راه من الاعجاز فيؤمن بصاحب الدعوى ويرد شاهد على ذلك هو تلك المجموعة من السحرة التي كانت تملك زمام المبادرة للقضاء على أي ساحر او كاهن او مجنون في زمن الفراعنة المصريين ، كانوا يتمتعون بحصانة فرعونية طاغوتية جعلت لهم ركناً خاصاً من اركان الدولة وعضدا من أعضادها بل طبقة من اهم طبقاتها الا ان الإعجاز الحقيقي والدليل العلمي قد اجبرهم على القبول بدعوة موسى عليه السلام على الرغم من ان الإيمان او مجرد القبول بدعوة موسى عليه السلام يعني ان يجر الانسان على نفسه المآسي والويلات التي أدونها السجن لفترات طويلة ، لكنهم لقناعتهم وقناعتهم بالهية ما اتى به موسى عليه السلام فقد اعلنوا وتحملوا كل النتائج المترتبة على ذلك الايمان وفوقه جريمة الاظهار والاعتراف في مجلس الفرعون ، قال تعالى في النص القراني
فَلَمَّا جآءَ السَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لاََجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغَـلِبِينَ(41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ المُقَرَّبِينَ(42) قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَآ أَنتُم مُّلْقُونَ(43) فَأَلْقَواْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بَعَزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَـلِبُونَ(44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ(45) فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سَـجِدِينَ (46)قَالُواْ ءامَنَّا بِرَبِّ الْعَـلَمِينَ(47) رَبِّ مُوسَى وَهَـرونَ(48) قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لاَقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُم وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خَلَـف وَلاَُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(49) قَالوُاْ لاَضَيْرَ إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (50)إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا ربُّنَا خَطَـيَنآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ(51) سورة طه
فهذا الحوار يثبت لنا كيف ان المعجزة بامكانها ان تقهر جبابرة الكفر والالحاد فيما لو تحركت عقولهم للمقارنة بين الحقيقة الالهية والبروج المزيفة التي يعيشون فيها وهكذا كان الامر مع نبينا الاكرم صلى الله عليه واله فالخلفية التاريخية الاجتماعية التي كان يحفل بها لمدة اربعين عاما جعلت منه عنصرا متميزا بمميزات اجتماعية واخلاقية لم تتوفر لاحد من قبله ، جعلت منه فيما بينهم مصداق من مصاديق الصدق والامانة ، ثم ينتخب لحل المعقدة المشكلات التي كانت تجري بين ابناء قومه لكنه لم يلبث طويلا حتى اتهم بالكذب وبالسحر وبالجنون لا لشيء سوى انه دعاهم الى عبادة الواحد الاحد والفرد الصمد ، فأغتالوا كل تلك الصفات التي رسموها له في مجمتمعهم وكيانهم من قبل ، فتحول الصراع بين الدعوة الى الله تعالى بالتي هي احسن وبين اقطاب العناد والتضليل ، لذا فقد أمده الله تعالى بسيل من الادلة والبراهين التي ابهرت واعجزت عقولهم والقت عليهم الحجج تلو الحجج بدءا من منظومة المعجزات القران الكريم والتي كانت ولا زالت معلماً حضارياً اعجازياً من معالم الاسلام اذ لا يمكن لأي منكر للإسلام ان يكذب الاسلام ورسالته السماوية الخالدة ، والقران الكريم حي بين اظهر المجتمعات قد وصل اليهم بلغاتهم العلمية والفكرية واثبت انه الكتاب الذي يحوي علوم الامس واليوم والغد لكن لا تبصرون ....
ومعجزات أخرى تترى كانت تمثل وقائع احتجاجية او معارك عسكرية يكون المدد الإلهي فيها واضحا لينصر أوليائه ان أوليائه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ولقد كان السؤال يتبادر الى الذهن ،انه لماذا لم تؤمن العقول القريشية آنذاك والمعجزات قد نزلت بأساليبهم وبالطرق التي تفننوا فيها كالبلاغة والفصاحة والادب ونحو ذلك ،وفوق هذا كانت هناك معجزات اخرى كتسبيح الحصى وانشقاق القمر مما كان دليلا واضحا ليس فيه أي لبس على خارقية هذه الدعوة .
السبب في ذلك ان العقلاء وان تمكنت من إقناعهم الأدلة وكانت كافية على الاخذ بهم نحو طريق الحق ، الا ان هذا لا يعني ان كل عاقل يستجيب لنداء العقل بل ان هناك عوامل اخرى تجعل من العقل منقادا الى الهوى والرغبة وحب الجاه والسلطة ، فكانت تلك الواجهات التي تمتع بها كبراء قريش والامكانيات المجتمعة عليهم من اموال وخدم وحشم تمنعهم من الاستجابة للنداء السماوي المقدس مهما كان الدليل الذي يستند عليه ومهما كان واضحا وبديهيا ولذلك راينا ان قريشا في ذلك الوقت اقدمت على عدة خطوات يدل على ايمانها بما كان يدعوا له النبي وبنفس الوقت قوة انجذ1ابها نحو انانيتاها وشخصيتها التي اعتادت عليها
فقريش قادت اكبر حملة تسقيطية في تاريخها لاصغر مجموعة تخالفها في الرأي
وقريش جمعت اكبر الحلفاء واقواهم لاضعف الناس عددا وعدة
وتنازلت قريش في ان تعطي النبي بعض الخصوصيات ليشاركهم فيما هم فيه من اجل ان يبقي لهم الجزء الاخر
كل ذلك لايدع مجالا للشك انهم كانوا اما على يقين من صدقية الدعوة او تخوفهم منذلك على الاقل .
فكانت المعجزات والادلة تخرق كل مايبنونه من امجاد على اعتاب جبروتهم وتعنتهم وتعصبهم وتجمعهم حول محور واحد مع اختلافاتهم فيما بينهم المحور هو مواجهة محمد ودعوته الا ان النبي وبفضل ما يمتلكه من دعم وتاييد الهي سلحه بالبرهان القاطع النظري والعملي استطاع ان يكسر هيبة ذلك الجبروت وتلك الكتل الكونكريتية في عنادها وتعصبها .
ومن هنا قالوا عن المعجزة انها شيء خارق للعادة تجبر العقلاء على الايمان بها لانهم لم يعتادوا على مثلها وهناك كلام كثير حول المعجزة اسبابها ازمنتها تحليلها خصوصياتها ولقد وجدنا انها كانت طريقا واضحا اهتدى بها الكثيرون لانها كانت خارقة للمعقول ولا تدانيها أي تجربة
ومن هنا كان لعلي عليه السلام معجزاته الخاصة ليست معجزات تثبت النبوة او تثبت الرسالة في عرض تلك الرسالة وانما كانت معجزات موضوعية تمثل الاهلية والاكملية من بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم معجزات لمن يكون خليفة لرسول الله اذ ان الخليفة المفترض به ان يكون امينا على الخلافة ولا تكون الامانة تامة المعنى في الخلافة الربانية الا اذا امتلك الخليفة جملة من الخصائص منها :
· ان يكون الخليفة عالما بهذه الامانة وشؤونها بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فلا يعجزه موقف ولا تحبكه معضلة تتوقف عندها افكاره
· وان يمتلك شجاعة يفوق فيها اقرانه ، تجعله اهلا لان يكون القائد الاول لنشر الامانة التي تحملها الانسان عن الله تعالى شجاعة تقف عندها الاوصاف وتتحطم عندها الاصناف
· وان يمتلك خلقا يستوعب كل الامة بكل مافيها من اخلاقيات وخلفيات متصرمة
وبحق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فان عليا عليه السلام كان معجزة في هذه الاوصاف الثلاثة واعني بالمعجزة ، انه خارق للعادة في جيله وما بعده من اجيال :
فعلي عليه السلام ما عرف عنه انه سال احدا في مسالة او تردد في خطوة اراد ان يخطوها ولا اشتبهت عنده الامور فاختلطت عنده الحلول بل كان هو الحل لكل سؤال وجواب يمتلك السرعة والبداهة ولا يحتاج الى تعليم معلم بل على العكس كان الكل يحتاجون اليه ويسالونه ويستفتونه في الفقه في الاحكام في الادارة وفي السياسة وفي رعاية شؤون الناس حتى قال قائلهم لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها ابو الحسن ، او قولهم لا يفتينا احدكم وعلي في المسجد، ولم يسمع او يعهد ان عليا عليه السلام سئل احدا قط ولمكا سئل كيف تعرف الاجابة على اصعب الاسئلة وايسرها قال له اني اعرف الجواب كما اعرف ان اصابعي خمسة فكان علمه وحكمته ودرايته معجزة اعجزت عقول الاخرين والى اليوم تتغنى الفلسفة والفكر والمنهج بفكره وحسن تدبيره فكتبت معجزاته التي انعدم ان يكون لها نظير كتبت ارجحيته بين الاوساط والى اليوم .
وفي الحقيقة لم يكن عليا عليه السلام ينتظر تلك الاشارات من احد من المسلمين بقدر ما كانت واقعا عاشه المسلمون وعايشوه يوما بعد اخر وعرفوا عن علي عليه السلام انه قد تعلم من رسول الله الف باب من العلم ينفتح من كل باب الف باب ، ولم يجرؤ احد لا من السابقين ولا من اللاحقين على ان ينسب الجهل لعلي يوما كان سئل فلم يجب او تردد في سؤال بل كان هو الند الاوحد لجمهرة اليهود والنصارى الذين كانوا ياتون بمعضلاتهم واشكالاتهم واختباراته فيطرحونها على من تصدى لخلافة المسلمين اختبارا له وتوهينا لعزيمته وهمة اصحابه ، فلم يجدوا الا باب علي عليه السلام مفتوحا بصدر رحب ليجيب على كل اسئلتهم واستفساراتهم دون شط او تردد وهذه الايات التي كان يسطرها عليا عليه السلام كانت محل شهادة من رسول الله صلى الله عليه واله حيث قال بحقه وبمناسبات شتى انه اعلمكم علي واقضاكم علي وافقهكم علي ونحو ذلك
اما في الشجاعة فلم تر ساحات الوغى مقاتلا كعلي عليه السلام ، قاتل الابطال وناوش الذؤبان واجبر المتكبرين والطغات ان يعلو وجوههم تراب الخزي والعار، ولم يجرب عن علي انه تلكأ في غزوة او مواجهة مع احد الابطال ، واذا كانت الشجاعة تقاس بعدد من قتل فان لعلي عليه السلام السهم الاكبر في قتلى الكافرين ، حتى ثبت عند المسلمين انه قتل نصف ما قتله المسلمون في واحدة من اهم معاركه ، وان كانت الشجاعة تقاس بنوع من قتلهم عليه السلام فقد قتل اشجع شجعان قريش وغيرهم ممن ارادوا ان يطفئوا نور الله بافواههم ، مما كانت تذوب امامهم الرجال وترتعد امامهم فرائص الابطال فقد مرحب الى نصفين وعجل بعمر بن عبد ود العامري الى جهنم بعد ان جبن بعبوره الخندق جموع المسلمين ، وجعلهم يلوذون برسول الله من بقي منهم فكانت شجاعته وبسالته قد بدات حينما كان مناصرا لرسول الله اذ لا ناصر له وامتدت لينام على فراش النبي ليحميه وهو في بداية دعوته وقد اجتمعت عليه القبائل تريد قتله فيضيع دمه بينهم ، فلم يخش منهم من احد حتى توج بطلا لا يدانيه احد فكان اية من ايات الدهر في الشجاعة والصمود والثبات على المبدا والعقيدة في اصعب الظروف .
اما السماحة والخلق والرحمة فكانت ديدن هذا العارف بالله والراعي لخلق الله تعالى ، فقد كانت اخلاقه تسمو على موازين الاخلاق في العسر واليسر في شتى الظروف واحلكها ، كان يتعامل مع مناوئيه ومعانديه ومن يكفره ويشن عليه الحرب بمختلف الوان اللين حتى يعيدهم عما هم عليه وكانهم من اعز اصحابه و حتى لا يبقى لمعتذر عذر ، فقد ترك طلحة والزبير يرحلان الى البصرة وقد عرّفهما نيتهما الحقيقة قبل خروجهما وكانا قد ادعيا انهما راحلان لاداء العمرة ، بعد ان ادعوا انهم يريدان العمرة ، وفي واقعة الجمل كان يخرج لزعماء الحرب على دابته حاسرا بلا سلاح يخاطبهم ويعضهم فردا فردا وعلى انفراد يذكرهم بايام رسول الله وبالمواقف التي حذرهم فيها رسول الله من حرب علي عليه السلام فكانت اخر الفرص لهؤلاء في التراجع وقد افلح معهم لكنهم لم يحققوا النتيجة التي ينقذوا انفسهم من وزر ما ما عملوه إما الزبير فاعتزل القتال فقتله احدهم في البصرة وأما طلحة لما شعروا منه بالتردد بادروه فقتلوه أيضا .
وفي واقعة صفين راهن معاوية بن ابي سفيان على أخلاق علي عليه السلام ودخل الى جيش علي متخفيا مرتديا زيا هل الكوفة فلم يعرفوه حتى وصل الى خيمة علي فوفر لهم جوا من الأمان وابعد عنهم الأخطار واخذ يعضهم (يعني هو وزميله عمر بن العاص) لكنهما لم يكونا يبحثوا عن الوعظ والإرشاد ، وانما أرادا ان يريا اخلاق علي عليه السلام وأوصلهما إلى نهاية جيشه بأمان بعد أن كلف بهم من يحرسهم دون ان يكلمهم بكلمة حفاظا عليهم هذه كانت أخلاق علي بل علي عليه السلام يبقى سيدا ومعجزة في الخلق الإسلامي الرفيع .
ويجسد ذلك الاعجاز اكثر مع قاتله عدو الرحمن المرادي ، وهو واحد من اشر المنافقين والخارجين عن طاعة الله فيأمر أهله بان لا يقتلوه ، ويتركوه له ، ويأمرهم ان يقسموا الزاد إلى نصفين يشاركه فيه وهو قاتله ولو توفرت له فرصة أخرى لقتله لكنه يريد ان يضرب أعلى درجات المثل في الحفاظ على مباديء الاسلام التي يجب ان تقرأ وتدرس وتنشر الى العالم بدلا عن صفحات العنف والغدر والرعب والارهاب التي هي صفحات وان نسبوها الى الاسلام الا انها لا تمثل من الاسلام لا شكلا ولا مضمونا وها هنا دعوة اوجهها لكل منصف ، سواء كان بعيدا عن الاسلام او قريبا منه ابنا من ابناءه او متابعا له او معارضا لمنهجه ان يقرا الاسلام في صفحات اولئك الرجال الاوفياء لله وللانسانية ان يتعرف على الاسلام من خلال هؤلاء فهؤلاء هم المنهج الحقيقي لرسالة الاسلام والتطبيق الواقعي لشرعة المصطفى الامين صلوات الله وسلامه عليه وبدون ادنى شك فان عليا عليه السلام لم يكن يمثل في حركته شكلا من اشكال الاسلام المتحزب او المتقوقع على فكرة او كتلة معينة وانما كان يمثل الصورة الحقيقية للاسلام الرسالي الانساني الذي يبتغي ان يعم الانسانية بنعيم الحرية الحقيقية وان يخلصها من كل ما يمكن ان يمزق وحدتها ويشتت صفها ويجعل بينها العداوة والبغضاء .
اذن فعلي عليه السلام له معجزاته الخاصة التي كان لابد ان يسلم له ويذعن لها كل مسلم ويرتب عليها اثرا يجعله يضع عليا في منزله الحقيقي المناسب له اذ لا يعقل ان يحكمه من هو ادون منه علما وشجاعة وخلقا وايمانا لعقود من الزمن حتى تحول في انظار الناس الى احدهم بعد ان مات او قتل او اعدم جل الصحابة المخلصين المجاهدين الحافظين لحق علي في انفسهم . فعلي كان ولا زال اشبه بالنبي الذ1ي يرسله الله تعالى الى ارضه بما اعطاه الله تعالى من خصوصيات لم تتوفر لاحد عاصره ا واتى بعده ناهيك عن الخصائص والرتب التي نالها من خلال سجله الحافل بالمواقف على مدى مراحل حياته فسلام عليه في العالمين ورحمة الله وبركاته .
التعليقات (0)