... لست أدري إن كانت لهذه القصة أو الأسطورة أو الخرافة - سميها ما شئت - لمسة من الحقيقة أم لا ، لكن وبغض النظر على أهمية حمولتها ورمزيتها ما هو مؤكد هو أنها ككل الأساطير والخرافات تناقلتها الأجيال ربما عبر عصور ولو بالحكي الساذج ما يعني أنها جزء من ثقافة إنسانية تاريخية متوارثة . والأكيد أيضا أنها لم تنقل لنا من زمنها أن الكلب البطل كانت له لحية كما كانت له أشياء ندركها وأخرى قد لا ندركها (...)
في القرية أين ولدت وعشت أكثر من عقدين والتي كانت تجمع بين جنباتها ما يزيد عن مائة بيت لا يخلو واحد منها من كلب أو إثنين لأهميته ومصداقيته في حياة البدو . كان المتنورون من كبار السكان ينصحون صغارهم بعدم التعرض للكلاب أو الاعتداء عليها حتى وإن كانت غريبة وخصوصا ليلا ، وكانوا يحاولون إقناعهم أن الكلب هو أصدق وأئمن لصاحبه من الإنسان وأنه ،كذلك، قد لا يكون في بعض الأحيان حيوانا عاديا ما يجعل الاعتداء عليه خطرا على المعتدي .. المهم في كل هذا أني لم أشاهد ولم أسمع ولا مرة - ككل الخلق - كلبا له لحية وحتى في المدينة أين أستقر منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود والتي تحتل الكلاب ليالي أحيائها الشعبية بل حتى التلفزيون لم ينقل لنا يوما من بلاد الغرب ، الذي نحن مولعون بتقاليده وثقافته ، صورة لكلب ملتحي ولو مستنسخا ونحن نعلم جميعا حب هذا الغرب للكلب ومكانته في مجتمعاته .. لكن ما هو أكيد هو أني أسمع وأرى يوميا - ككل الناس - وصف أو مناداة الطغاة في مجتمعنا صغاره وضعافه بالكلاب أو الحمير .. فرغم أن الكلاب والحمير لها مكانة خاصة وتتمتع بكل الحب والتقدير في كل مجتمعات الكوكب الأرضي نظرا لآمانها ومأمنها وصدقها وخدماتها الجليلة ، فإنها في مجتمعنا ( المغربي ) ليس أحقر منها إلا البؤساء منا .. في المجتمعات الغربية ، التي نقلدها بشراهة في كل شيء إلا في نظافة العقل والنفس والتي لا تفصلنا عنها إلا موجة ماء خفيفة ، الاستقواء بالاحتقار مرفوض وممنوع أخلاقيا وقانونيا حتى على الكلاب والحمير ، بل هناك عمل جاد وتنافس شريف على خدمة الوطن وتآزر وتواضع بين المواطنين .. هناك علم وعلماء ومبادئ إسلامية رغم غياب الإسلام ... أما في مجتمعنا المسلم فمظاهر الإسلام أصبحت شبهة وحجة للإحتقار والتهميش والنبذ والاقصاء رغم أن مملكتنا " الشريفة " قامت بالإسلام وعلى مظاهره ومضمونه وأسسها وبناها وحماها الملتحون ودافعوا عن وجودها واستمرارها إلى أن وجدنا نحن لنستقوي على بعضنا بالجبن والأمية الأخلاقية والعلمية وبالنفاق والاحتيال واللصوصية وبنجاسة الروح والجسد ، وأصبح الاستهجان والاحتقار هما قوة عقليتنا نعوض بها ضعفنا المطلق ..فهل للكلاب لحية كما دأب الطغاة منا احتقار ضعافنا حتى وإن كانوا وزراء ؟؟
مثل هذه السلوكات البغيضة هي مصيبة ثقافتنا وطامة أخلاقنا خصوصا لما تصدر عن أصحاب سلطة صاحب الجلالة مثل الوالي والعامل والباشا والقائد والشرطي والدركي والشيخ والمقدم .. الذين لا يترددون في إهانة واحتقار المواطنين والإجرام في حق الوطن بظهائر ملكية التي تجعلهم فوق كل مكوناته وقوانينه وتحميهم من كل مسائلة .. كما كان حال عامل إقليم سيدي بنور لما وصف وزير دولة في حكومة من المفروض أن تكون منتخبة من طرف الشعب وإخوانه في الحزب بوصف مثل هذا يندى له جبين حتى من لا هوية له .. مثل هذا الاستهزاء والاحتقار سلوك عنصري ساقط لا يسلكه إلا الأميون وضعاف البصر والبصيرة .. إنها همجية السلطة والمسؤولية المتجبرة التين لا تولدان في بلدنا إلا في حضن ملوث لا أخلاق ولا علم ولا وطنية ولا مبادئ ولا حب ولا دفئ في دمه .. فيا ليت لو كان لوطننا خدام وحراس من حمير وكلاب ..
التعليقات (0)