مع تعاقب انشغالنا بما يجري وما يتشكل عبر تضاريس الأرض، نكاد نجزم أن الظاهر الملازم لكل الأحداث والوقائع التي تؤثث تحولات العالم يعكس خللا مزمنا يصدح ببؤس المعنى وبموت الأفكار، إصرار على مواصلة الفتك وترسيخ واعي لعقدة التفوق الملازمة لنظرة الغربي إلى كل ما هو غير غربي ، نظرة عمرت طويلا، مستمرة في إعادة إنتاج الأوضاع المأزومة لدول الجنوب التي تنتظر الأوامر وتقتات من القليل القليل من خيرات العالم ، وهذا بفعل ارتباطه المزمن بالتبعية لدول الشمال سواء عبر اتفاقات غير متكافئة أو عبر إثقالها بديون الصناديق الدولية التي لا يظهر مفعولها التنموي على شعوبها و ترهن ساستها للانصياع لبرامج خارجية لا تمت بصلة للطلب الاجتماعي والاقتصادي لمواطنيها...
يظهر هذا جليا كذلك في زخم التصريحات الساسة الغربيين الذين غدوا معلمين يستغلون كل الفرص المتاحة لإعطائنا دروس في الديمقراطية وحقوق الإنسان عند كل طلعتهم أمام وسائل الإعلام ، وفي الليل يلتئمون كي يفصلوا ويدققوا في السبل الممكنة لإجهاض آمال الشعوب التواقة للانعتاق من تبعية مزمنة ومن شخوص ومقاربات تقول ما لا تفعل، تحكي لنا سيرة الحلم الجميل وفي نفس الوقت تزحف بدباباتها كي تذكرنا وتنبهنا أننا ضعفاء، وإننا موجودين فقط كي ننبهر بانجازاتهم في شتى المجالات، لتتعمق أزمة الثقة في نفوس شعوب الجنوب للقبول بما هو كائن وآنذاك ننتظر من الغرب أن يخطط ويبرمج ما قد ينحو بنا للأمن والأمان ويؤمن لنا الخبز الممزوج بالخنوع والطاعة العمياء...
لا ينبهنا احد للمخاطر المحدقة بشعوب الجنوب، لا احد يواكب سيرة العداء المتصاعد الذي اكتسح برلمانات أوربا اتجاه المهاجرين واتجاه الإسلام والمسلمين، هؤلاء الذين يعدون العدة للقضاء على ما تبقى من تعايش وتواصل ممكنين، كأنهم يدفنون ما تراكم من فكر متحرر ومن تجارب إنسانية انبهر بها العالم بأسره واقتدى بها ، أنهم يشحذون أسلحتهم لحرب مفتوحة على الآخر تنظيمات سياسية ركبت فكرا متطرفا جهزت نفسها عبر أجهزتها العسكرية كي تنقض على هذا الذي قطع بحورا هربا من الفقر أو توخيا للتحصيل المعرفي لكنه هيهات الموت القابع في عتمات الزقاق ينتظره وقد قض مضجعه...
بدخول هذه الألفية الثالثة والتي انطلقت مليئة بالأحداث، وكان لثورات الشعوب العربية النصيب الأكبر منها ، أو بالأحرى الشرارة التي ستغير وجه العالم بأسره ، فقد آن الأوان لهدم الأصنام والإعلان عن ثورة شاملة تزعزع كل ركائز البناء العلائقي الدولي الذي يمنح أشباه الأقوياء الاستمرار في عليائهم ويعطيهم الأحقية في فرض ما على الشعوب الأخرى عمله والتفكير فيه ، لقد انكشفت كل البناءات المفضية لاستعباد وتفقير الشعوب، فاللحظة لحظة الحسم في كل هذا الذي يستغل ترسانته العسكرية وأسلحته المتطورة لتكريس حضوره بالقوة وليس بالفعل، في هذا الذي يستمر في عناده دونما الالتفات أن طاقات العالم المتوهجة بالعلم والمعرفة تعمل بصمت وبجدية لتحقيق التحول المتوخى الضامن للحرية والمساواة على هذه الأرض، ف "على هذه الأرض نستحق الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا " صدح بها الراحل محمود درويش ذات مساء حالم...
التعليقات (0)