مواضيع اليوم

على هامش مهرجان الجنادرية: حضور بارز في عالم متغير .

علي آل طالب

2011-02-17 17:03:03

0


نستطيع القول انه بانتهاء مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة لهذا العام 17/1418هـ ان ما أضيف يعتبر انجازا جديدا لسلسلة الانجازات لهذا البلد المعطاء، وذلك في مجمل مناحي التنمية الشاملة وعلى مختلف الصعد من حسن تنظيم وادارة، حتى التعاطي العميق وهموم المثقف العربي، وببلوغه مصاف العالمية، جاء ذلك نتيجة لما ترتب من سعي جاد من قبل الانسان السعودي من أجل وضع اللبنات الأولى للعناصر الرئيسية في كافة مناحي الحياة، وفي الوقت نفسه يضع هذا الانسان في دائرة المسؤولية والاسهام بأي شكل من الأشكال في عملية اثراء الحوار المتبادل سواء كان ذلك على المستوى الاسلامي الاسلامي أو الاسلامي الغربي.

فمهرجان هذا العام جاء متمما لما بدأ به من عطاء وانجاز رصينين، وفق دراسة موغلة في الاصالة التراثية والثقافية على حد سواء، وذلك عبر الممارسة العلمية الدقيقة الملامسة للواقعية، التي تحمل بين جنباتها التشخيص للهموم التي تعنى بالشؤون الفكرية والثقافية والتراثية للواقع العربي، فالتنوع والتعدد سمتان من سمات هذه التظاهرة الثقافية طيلة حصيلة عقد ونيف من الزمن، في خضم المنهاج العلمي والمعرفي والذي يضرب بجذور في هذه الأرض، ويعقد الصلة الوثيقة بالموروث ومعطيات الطروحات الهادفة، رغم المعوقات والعراقيل ازاء سيرورة المثقف العربي.

وبالكاد لم تعد النظرة الرسوبية التاريخية، التي كانت تشغل الحيز الأكبر في ذاكرة المثقف العربي على حالها الطبيعي التي كانت عليه، وهي بمثابة ارهاصات ومثاقفة للخطاب الثقافي العربي تبدي الاحساس بالدونية واللاتكافؤ تجاه الثقافات المتعددة، فهذا التحدي كان عنواناً بارزاً طالما دأب المثقف العربي يلحق به، ويضعه في أحيان كثيرة نصب عينيه، رغم المتغيرات العالمية على صعيد البشرية، وفي هذه الحال ساهمت تلك النظرة بشكل أو بآخر في تعميق الفجوة بين الاصالة والحداثة - ان جاز التعبير - وحجبت الرؤية عن عملية النهوض الحضاري على المستويين المحلي والعربي بالذات.

لا سيما ان ثمة مفردات نوعية معاصرة قد تتطابق والواقع، وربما تقف الذاكرة للمثقف العربي حائرة ومذهولة حيالها، وبالتالي يعرقل مسيرة الخطاب الثقافي العربي كما حصل في الماضي، وذلك إمّا تخبطا وإمّا انعزالا وانكفاء، فالعولمة والقرية الصغيرة وغيرهما من المصطلحات الحديثة التي قد تتواءم والحركة الابستمولوجية الهائلة، اتي تفرض على الايدلوجيا الثقافية بأن تتعايش معها بأي طريقة كانت شئنا أم أبينا، وربما تكون المشاركة في هذه المنظومة الثقافية بأساليب متباينة وغير متوازنة، فالجنادرية تراثاً وثقافة جاءت لتشبع غرور المثقف العربي في الحضور الواضح الكفيل بالتعاطي المتكافىء والآخر الحضاري.

فدور هذا المشروع لايقتصر في كونه أداة للتوصيل بين الحضارات، أو في كونه تظاهرة ثقافية سجالية عابرة، ونذهب بالقول على أن هذه التجربة كشفت النقاب عن منزع جديد يسعى لتأصيل الموروث العربي من جانب، ويدفع باتجاه الحوار - وربما الصدام - وسائر الثقافات والمعتقدات من جانب آخر، وفق سبل التوازن المشترك بينهما، فبادرة استضافة صموئيل هنتغتون مثلا وتشظيات الصدام بين الحضارات، والعودة للمركزية الواحدة، ومشاركة هيلاري كلينتون وشخصيات عدة من مفكرين ومثقفين من ارجاء الوطن العربي، كل ذلك اثرى ردود الفعل الواعية من قبل الواقع العربي وذلك ساهم في الوصول بالحوار الى العالمية، وتبني غائية الانفتاح الرشيد القائم على التبادل الحر والمتوازن، فلهذا كان لزاماً ان نسلم بالتباين والاختلاف وذلك من أجل بلوغ الاتفاق، فمن هذا المنطلق جاءت البرامج الثقافية للمهرجان لهذا العام لترسخ المعاني الثقافية الوثيقة الصلةبالموروث العربي، الرامي الى تطلع المثقف العربي الى الحاضر والمستقبل، ويتجلى ذلك بدءا بادراك المسلمات البداهية في عالم اليوم المليء بالتعقيدات، والتي من جملتها مصطلح التنوع الذي هو من رحم العولمة، ويعد نتاجا حداثيا.

وبمعنى أكثر دقة أنه يعني الاحترام للهوية الثقافية ومراعاة الخصوصية الاجتماعية لكل أمة والذي يعطي المجال من خلاله في المساهمة وبني البشر في صناعة النتاج البشري والخطاب الثقافي العربي ليس بعيدا عن هذه المعاني، فهي من اصول تكاد تكون مألوفة ومتناغمة مع التراث العربي، فالتلاحق الزمني يضفي مصطلحات جديدة عند جذورها بشكل عميق مع التاريخ، فالجنادرية هي غاية من منظومة من الغايات التي كان المثقف العربي يدأب عن ايجادها حيث الرأي والرأي الآخر، والسجال الحر في كيفية التعبير عن الرأي، وكونها ملتقى يضم المفكرين والمثقفين والأدباء والكتاب، بطريقة مصوغة علمياً ومعرفياً الغرض منه الحضور البارز في عالم متغير!؟

علي آل طالب
جامعة الملك سعود
كلية الآداب

هذه المقالة كتبتها في عام
17/1418هـ
في صحيفة الجزيرة السعودية
أرفقتها هنا خشية أن تضيع
http://search.al-jazirah.com.sa/1998jaz/mar/28/P121.HTM




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات