أحمد ولد إسلم
"أسد علي وفي الحروب نعامة.." بهذه العبارة أوجز أحد ضحايا العنف المجنون لعناصر الشرطة الموريتانية انطباعه، لقد كان ينزف في الشارع لأن وكيل شرطة نسي في لحظة ما مهمته التي اكتتبه وزارة الداخلية لأدائها، وأفرغ شحنات غضبه من ضعف الراتب، وغلاء المعيشة، وغلبة الدين وقهر قادته، في جسد طفل لم يبلغ أشده..كان ذلك فاجعا.
وعلى هامش المعركة الضارية التي شهدتها مدينة نواكشوط وقفت مشدوها، بدا لي أن أيا من الطرفين لا يرضى بغير إزالة الآخر من الوجود، فالشرطة المهتاجة كان عناصرها يتبادلون الشتائم وينحي كل منهم باللائمة على زميله لأنه لم يسعفه بقنبلة مسيلة للدماء، وفجأة صرخ ضابط فقد السيطرة على أعصابه " لم يبق بحوزتي إلا الرصاص"..
تداركت العناية الإلاهية الموقف بقدوم سيارة محملة بالعتاد فوزعت العصي والدروع وصناديق القنابل.
وفي زاوية من شارع "الجنرال شارل ديكول" كان آخرون يختبرون قابليتهم البدنية لممارسة رياضة الجامباز او القفز بالزانة، متخذين من أضلاع طفل ورأس شيخ سبعيني حلبة لهم..
وعلى الجانب الآخر كان الفتيان يصبون حمم غضبهم على أي شيء للدولة، حتى سيارة الحماية المدنية وجد طاقمها نفسه في غمرة "حجارة من سجيل" يقذف بها من كل جانب.
كان هم الفتيان الوحيد تكبيد الشرطة خسائر في الأرواح ، ويهتف أحدهم باعتزاز حين تصيب حجارته ظهر شرطي ولى الدبر بعد نفاد ذخيرته، وكسر ترسه.
أسئلة كثيرة ازدحمت في ذهني وأنا أرى هذا المشهد؛ لماذا في كل العالم يسير المتظاهرون وهم يحملون لافتاتهم ، وفي موريتانيا يهرول المتظاهرون دائما وأعينهم على جنبات الطريق بحثا عن ذخيرة من حجارة أو دراسة لجغرافية ميدان المعركة الحتمية؟
لماذا تستعمل الشرطة في دول العالم الأكثر عنفا خراطيم المياة لتفريق المتظاهرين، ولا يروي غرور شرطة موريتانيا غير إطلاق الرصاص؟
لماذا يلجأ الخائفون في العالم إلى مقرات الشرطة ، ويشتم الموريتاني كلما ذكر اسمها؟
لماذا يربى تلاميذ مدرسة الشرطة في موريتاينا على بغض الشعب وليس على حمايته؟
أمر في غاية البشاعة..
فقد تشكلت في العقل الجمعي للموريتانيين صورة ذهنية عن الشرطة ترادف القمع والقهر والتسول..ولو طلبت من طفل في الصف الرابع أن يرسم لك شرطيا ما عدا إحدى اللوحتين؛ شخص يلبس لباس الحرب بيده ترس وفي الأخرى عصا.. أو شخص نحيل يركن إلى سيارة، يمد يده بذل منتظرا ما تجود به إنسانية سائق في أحد الشوارع المزدحمة.
إنها صورة تشكلت نتيجة الممارسات المقرفه لقوات أمننا الباسلة طيلة العقود الأربعة الماضية من عمر الدولة بدء بقمع عمال مناجم ميفارما وحتى الإعتداء على براءة أطفال أفزعتهم صور المجازر المرعبة في قطاع غزة اليوم.
فعناصر الشرطة في موريتانيا إما متسولون في الشوارع، يبيعون البلد بمائتي أوقية لكل راغب، ومن يتجول في العاصمة نواكشوط أو يسلك طريق الأمل يدرك حجم الكارثة، وتسقط من نفسه هيبة رجل الأمن، ويتحقر الدولة من أصلها.
ولا غرو إن غرقت موريتانيا في وحل المخدرات وسيطرة عصابات الجريمة المنظمة على أزقة المدن، فالشرطي " يبحث عن قوت عياله" وليكن رشوة من بائع أفيون أوسائق أجرة " فالراتب وحده لا يكفي للحياة".
ومن لم يحالفه الحظ من الشرطة في التسول على ملتقيات الطرق، ولم تتح له فرصة مخالطة الجماهير، ينتهز فرصة أي تجمع لأكثر من عشرة أشخاص ليشن غارة شعواء، يثبت فيها ما تبقى من رجولته، ويمرن فيها عضلاته المترهلة، وينفس فيها غضبه المتراكم من إهانات قادته وطلبات زوجته وإلحاح بائع الخبز الذي يستدين منه لأطفاله، ثم لا تعدو أن تكون صولة جبان ينخلع شغافه عند أول صيحة تكبير من صبي حبت حنجرته بفعل سحائب الغاز المسيل للدماء، ليفر الشرطي لائذا بأي جنة تقيه سجيل الأطفال، ثم يستجمع ما بقي لديه من قوة تحت تأثير شتائم القائد ليكسر أضلاع أول من أدرك من الجماهير.
كل ذلك جعل الموريتاني يشعر بالإهانة حين تسأله إن كان شرطيا، ويبادرك بالقول " معاذ الله" وكأنك سألته إن كان يدمن إحدى الموبقات السبع.
وأمام هذا الواقع المخجل يحق لنا أن نسأل متى نستشرف نهاية لهذا العداء؟ متى يقتنع الجنرالات أن دماء الشعب لا تكسب السلاطين محبة رعيتهم؟ متى يدركون أن القمع لا يزيد المطالبين إلا إصرارا، وأنه لو كان يحفظ الكراسي لأصحابها ما تبوأوها في الثالث والسادس من أغسطس؟
متى تتصالح الدولة مع المواطن فيشعر أنها ملاذه وليست غريمه؟
وأخيرا متى يستجيب من يزعمون احترام رغبة الشعب لها، فيقطعون علاقات مر على اقترافها عقد سطرت سنواته بدماء أطفال أخرجهم بغض أعدائهم وصمت حكامهم، ورغبتهم في المعذرة إلى ربهم ...ولعل الحكام يتقون..؟
صحفي ومدون موريتاني
التعليقات (0)