مواضيع اليوم

على هامش مؤتمر تحالف الحضارات باسطنبول إلــــى أين تتــــجه السياســـــة الدوليـــة؟

أميرال الاميري

2010-05-31 07:30:26

0

 

 

على هامش مؤتمر تحالف الحضارات باسطنبول
إلــــى أين تتــــجه السياســـــة الدوليـــة؟
محمد الامين احمد عبد النبي
عقد في الأيام القليلة الماضية المؤتمر الثاني لتحالف الحضارات والذي يجيء في ظل تغيير عالمي فكري وسياسي كبير، بعد أن كانت السمة الغالبة على المشهد العالمي منذ أواخر القرن الرابع عشر هي الهيمنة والاحتكارية الغربية التي سادت لأسباب وعوامل موضوعية أهمها ثلاثة:
1- قدرة الغرب على التقدم التكنولوجي والتطور المادي المذهل القائم على حرية البحث العلمي وفك الشفرة ما بين الشعب والدولة عبر اقامة الدولة الحديثة (فصل السلطات) و(تداول السلطة سلمياً)، وذلك عبر مسيرة طويلة عبر ثلاث حقب (النهضة والتنوير والحداثة).
2- التراجع والانحدار الذي اصاب الحضارة الاسلامية بفعل الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي والتجمد الثقافي والتخلف الاقتصادي والتفرق المذهبي وتدني التعليم خاصة التقني، أي فقدانها مقومات العصور والصمود في القمة والتربع طوعاً في نهاية الركب الحضاري. قال محمد اقبال: إن العالم الاسلامي سقط من مكان عالٍ لا يستطيع النهوض.
3- السقوط المريع للمعسكر الاشتراكي (سياسياً وايديولوجياً واقتصادياً).
هذه الوضعية (الهيمنة الدولية) لدول مهيمنة ودول تابعة لا تنفي وجود تيارات فكرية وسياسة أخرى، لكنها غير متكافئة في درجات التأثير والتأثر وفق الظروف المحيطة بالسياسة الدولية، وهذه الاتجاهات هي (صدام الحضارات - حوار الحضارات وتحالف الحضارات)، وان كان الاولى اكثر تأثراً بالهيمنة أو بسببها، فعاش العالم معارك واحتجاجات مسلحة وارهاب وحروب اضعفت كل الاطراف.
الهيمنة الدولية:
قبل ان ندلف الى الاتجاهات الثلاثة آنفة الذكر وما تولد عنها من سياسات، دعونا نسلط الضوء اولاً على الاتجاه الذي اثر بصورة أو أخرى على هذه الاتجاهات الفكرية. وهو اتجاه أو تيار الهيمنة الذي يدعو الى تذويب الحضارات في الحضارة الغربية لأنها سيدة العالم، ونالت شرف انتصارها (انتصار القيم الليبرالية وآلية السوق الحر)، وتمثل نهاية الزمن على حد نظرية اوغسطين او نهاية التاريخ عند فرانسيس فوكوياما التي عبر عنها في العالم الاسلامي الأستاذ طه حسين (علينا ان نقبل الغرب بخيره وشره فهو المستقبل) وقال صاحب اليوم والغد الاستاذ سلامة موسى (أنا مؤمن بالغرب كافر بالشرق)، وقال مصطفى كمال التركي (التشبه باروبا في كل شئ آية الخير والفلاح)، ووصل السيد/ أحمد خان الهندي درجة من الاستلاب حين قال (علينا افراغ الاسلام من كل شئ لا يرضي الغرب) هذه الحتمية للانصياع للغرب والاستلاب الحضاري والدعوة للتشبه بالغرب تبنتها عملياً دول وجماعات واحزاب بدرجات متفاوتة.
صدام أو صراع الحضارات:
هذا التيار افرزته بوضوح نهاية الحرب الباردة، فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي ليس هنالك مهدد وعدو وخطر على الحضارة الغربية سوى الاسلام، ومن هذه الوضعية انتشرت التنبؤات بحتمية الصراع بين هاتين الحضارتين، وهذا ما عبر عنه بوضوح شديد صمويل هنتيجتون في كتابه صدام الحضارات The Clash Of Civilization قال: (الاصولية الاسلامية ليس مشكلة الغرب الاساسية، بل الاسلام هو المعضلة التي تواجه الغرب، لانه ثقافة مختلفة، والمنتمون لها مقتنعون بسمو ثقافتهم، وان المخابرات الامريكية ووزارة الدفاع الامريكية ليستا مشكلة الاسلام، بل الغرب هو المشكلة التي تواجه الاسلام، لانه ثقافة مختلفة والمنتمون لها مقتنعون بعالمية ثقافتهم وتفوقهم الذي يفرض عليهم نشر هذه الثقافة في العالم)، كما يرى أن الصدام متجذر في التاريخ واللغة والدين والثقافة، فلا يمكن التعايش بين الحضارات. هذا التيار لديه انصاره في العالم الاسلامي فقد كرس له نظرياً الشيخ المورودي (364-450هـ) الذي كان معتدلاً في الاصول وشافعياً في الفروع عبر كتاباته (الاحكام السلطائية - أدب الدنيا والدين - الحاكمية لله) وسيد قطب خلال فترة حكم جمال عبد الناصر (1954-1968) التي واجه فيها الاخوان المسلمون ما واجه من الاخير، انعكست في كتاباته (جاهلية القرن العشرين - معالم في الطريق) هذا على سبيل المثال، أما عملياً فهنالك دول وحكومات تؤمن بهذه النظرية وجماعات الغلو الديني الذين يقسمون العالم الى دار حرب ودار سلام. ويستندون الى آية السيف وغيرها من الاحاديث والاقاويل التي تقول بأن الصراع قائم الى قيام الساعة. ومن هذا الفهم استفحل الصراع الصهيوني - العربي والاسلامي وتطور في العقدين من القرن الماضي، وزاد التوتر والتخوف من الجانبين، وزاد عدد الضحايا، مما جعل كُتاب غربيين يتحدثون عن (بركات الاسلام - وخنجر الاسلام) الخطر الاخضر - الاسلام والآخرون) والافلام التي تتحدث عن الصدام الحضاري والحرب على الارهاب تعد من ابرز معالم هذا التيار والرسومات المسيئة للرسول الكريم. وهذا ما ظلت تؤكده الادارة الامريكية السابقة بقيادة جورج بوش باعتبار ذلك سياسات استراتيجية منطلقة من موقف فكري، الامر الذي جعل البعض يتمنى ألا تذهب ادارة بوش من نفس البعد الفكري الذي قال به محمد قطب: (ان الغباء الامريكي والاسرائيلي هو الطريق الامثل لايقاظ المارد والعملاق والاسلام القادم). فزادت هوجة الغضب في العالم الاسلامي وانتشرت الاسلاموفوبيا في الغرب.
حوار الحضارات:
هذا التيار يتحدث عن ان الولايات المتحدة خاصة والغرب (الفكري) عامة، غير مؤهلة لكي تقود العالم، وان فترات الهيمنة جلبت لها مزيداً من الكراهية من دول العالم. وفي ظل هذا الوضع يتوقع المزيد من الحروب في العالم الذي سوف ينعكس سلباً على الغرب قبل الآخرين، وان الغرب بالرغم من تقدمه المادي والتقني والسياسي، إلا انه تنقصه اشياء مهمة- النموذج الاجتماعي والروحي والثقافي، هذا ما عبر عنه عدد من الكتاب الغربيين، قال كولن ولسون في (سقوط الحضارة): (ان الخواء الروحي والافلاس القيمي سبب سقوط الحضارة الغربية، وانها حتى الآن متعلقة بالاساطير اليونانية القديمة) وقد ألف الكاتب اللاهوتي ويل هتون مجموعة كتب في هذا المعنى، منها (الدولة التي نحن فيها - انضموا للعملة الموحدة) وكثير من المفكرين منهم شبنجار ويلسن والروس هكسلي - نعوم تشومسكي - روبرت فيسك - نورمان فينكشتاين - وغيرهم، يتحدثون عن اخفاق الغرب في تحقيق الاستقرار حتى داخل شعوبه، وعن انحدار القيم وضرورة الحوار مع الآخر خاصة الاسلام، بل ذهب تشومسكي الى ان التناقض في قيم الغرب سيؤدي الى نهاية الغرب، وقد كرر الفيلسوف الفرنسي روجي جارودي مقولته (ان الغرب حادث عارض ثقافته مسخ، لقد بترت من ابعاد جوهرية منذ قرون ادعت هذه الثقافة بانها تنحدر من ارث مزدوج يوناني - روماني - ويهودي - مسيحي وبترت عمداً من جذورها) في كتبه (وعود الاسلام وحوار الحضارات - نداء الى الاحياء). وهنالك مجموعة من الكتاب والمفكرين المسلمين ذهبوا في هذا الاتجاه، منهم د. محمد عمارة - د. فهمي هويدي - الجابري - الامام الصادق المهدي (أصم من يسمع العم سام؟) هؤلاء خلاصة قولهم: نعم الغرب متفوق علمياً وتكنولوجياً ولكنه متخلف روحياً واجتماعياً، وان عالمنا الذي نتمنى له نحن باعتبارنا مسلمين متفوق اجتماعياً واخلاقياً وروحياً، لكنه متخلف اقتصادياً وتكنولوجياً. فليس وارداً الذوبان في حضارة بهذا الضعف الروحي والخلقي، كما ليس ممكناً محاربة وعداوة حضارة بهذا التفوق العسكري والتكنولوجي. والاسلام ينتشر في ظل السلام والتسامح والتعايش، لذا لا بد من الحوار الذي يراعي الذات الحضارية والتنافس الذي يحافظ على الوجود الحضاري بالطرق المدنية السلمية، وهناك تأصيل لهذا الموقف الفكري والفقهي تنطلق منه الاجتهادات في التعامل مع الغرب وتبادل المصالح المشتركة، وعملياً هنالك مؤسسات وجماعات من هنا وهنالك تدعو لهذا التيار خاصة في القضايا الكونية المشتركة، مثل الانفجار السكاني، الايدز، الارهاب، البيئة، المياه.. الخ.
تحالف الحضارات:
دعاة هذا التيار يعتقدون أن العالم تسوده حضارة واحدة تنصب فيها كل الثقافات، ورائد هذا الاتجاه في العالم الاسلامي محمد عزيز الحبابي (ان الحضارة تراث مشترك يجمع جميع الشعوب قديما وحديثا)، ومحمد حسنين هيكل وآخرون، وفي الغرب هاواردزن صاحب كتاب (نحو ضمير أشمل) وسانتياغو وتيم وايز وآخرون. وعملياً كون رئيس الوزراء التركي رجب طيب اوردغان ورئيس الوزراء الاسباني ثاباتيرو في عام 5002م تحالف الحضارات، ودعا اردوغان لهذا التيار في ندوة مجلس التعايش الديني في مارس 6002م، وفي الايام القليلة الماضية عقد المؤتمر الثاني لتحالف الحضارات، وحضرته عشرات الدول من أوروبا وآسيا وافريقيا، وشرفه الرئيس الامريكي الجديد باراك أوباما، وتحدث عن دور تركيا باعتبارها منارة للاسلام المعتدل على حد قوله، الجامع ما بين الدولة الحديثة والعصرية ومواريث الدولة الاسلامية. وانفتاح الولايات المتحدة نحو الإسلام والمسلمين وبحث سبل التعاون المشترك، مما يؤكد التغيير الجذري في سياسة الولايات المتحدة من تيار الصدام والصراع ليس الى تيار الحوار، وانما تعدى ذلك للتحدث عن التحالف والتعاون الاستراتيجي مع أكثر دولة بروزا اليوم في القضايا الاسلامية، فقد كان لتركيا دور مشرق وموقف تضامني مع المقاومة في غزة من العدوان الاسرائيلي الأخير، وحضرت مؤتمر المانحين لاعمار غزة، وقدمت مساهمات كبيرة في الاغاثة والاعمار، وموقف اردوغان في ندوة جنيف المشهورة التي شارك فيها عمرو موسى وبان كي مون وشمعون بيريز التي تصدى فيها الى أكاذيب بيريز، وانسحب بعد أن اوقفه مدير المنصة، فتم استقباله بصفته نصيرا للقضايا الفلسطينية والانسانية عامة، وموقف الرئيس التركي عبد الله غل من رئيس وزراء الدنمارك في حلف الاطلسي، مما اجبره على تقديم اعتذار رسمي للمسلمين عن الرسوم المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وغيرها من المواقف التي أهلت تركيا لتكون في ريادة العالم الاسلامي، ويرى البعض أنه ليس هنالك فرق ما بين تياري الحوار والتحالف.
المستقبل
وعلى كل فإن العالم تتجاذبه حالتان متناقضتان، حالة العنف والفوضى وحالة السلام والتعاون، فهاتان الحالتان ولدتا التيارات الفكرية آنفة الذكر التي بدورها شكلت أربعة اتجاهات او تيارات سياسية هي:
- تيار الهيمنة شكل سياسة التبعية والخضوع والمحافظة على المصالح الامريكية.
- تيار الصراع شكل سياسة الواقع التي انتهجها بوش وجماعات الغلو الرافضون للغطرسة الغربية الذين يعتمدون القوة كوسيلة للرفض. والمعتدى عليهم أي المتضررين والدول المارقة.
- تيار الحوار شكل سياسة المماثلة والندية والدعوة للحوار، مع التعايش السلمي واحترام حقوق الاقليات والمقدسات.
- تيار التحالف شكل سياسة السلوك المشترك والتعاون والتنسيق والتكامل وتمتين العلاقات بين الدول كأساس للاستقرار والامن.
هذه الاتجاهات تعكس بوضوح التركيبة التي يعيشها الغرب والعالم الاسلامي، حيث يوجد في الغرب توجه امبريالي توسعي يدعو للهيمنة والصراع، وتيار مستنير يدعو للتعاون الدولي والحوار كوسيلة للتعايش، وفي العالم الاسلامي يوجد توجه صدامي قوامه الجماعات المتطرفة والدول الاسلاموية الذين يرون ان التعامل مع الآخر الحرب أو دفع الجزية عن يد وهم صاغرون، وهذا التوجه له مبرراته التي تتعلق بواقع هذه الجماعات، ان كان رد فعل لواقع عنفوان معين مرتبط بالزمان والمكان، أو نمط تدين محكوم بظروف معينة، وهذه الاتجاهات تعتمد على بعضها البعض (لكل فعل رد فعل).
فالى أين تتجه السياسة الدولية؟ الى الهيمنة والدعوة لعودة الاستعمار؟ ام الى الصدام والصراع الحضاري والتسلح النووي والتحدي والتعدي على الدول؟ أم تتجه الى اعلاء قيم الحوار واصلاح المؤسسات الدولية المشتركة، الامم المتحدة ومجلس الامن ومجابهة المخاطر الكونية، أم الى تكامل وتحالف على شاكلة ما يدعو له اوردغان وثاباتيرو؟.. هذا ما تكشفه الايام.
المصدر الصحافة
 

 


التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !