مواضيع اليوم

على هامش تاريخ الطوائف في عراق اليوم

فارس ماجدي

2010-12-01 00:35:13

0

 على هامش تاريخ الطوائف في عراق اليوم

علمني هيجل رضي الله عنه أن اميز بين التاريخ الظاهري أو السطحي للحدث وبين التاريخ العميق له ،  ذلك أن التاريخ يسير باتجاه واحد، وفي سيره هذا تظهر على سطحه حركة تبدو متناقضة في جدلها مع الواقع، لكن هذا يعبر في دلالته القصوى عن  حركته المضادة في العمق لتصحيح مساراته باستمرار ،  وان كان  في الظاهر يبدو كل شيء غير معقول وضربا من ضروب العبث التي لا يمكن فهمها  .. فمثلا لايمكن لنا أن نبرر ما يحدث في العراق الآن من تفجيرات دموية تطال كل شيء كما لا يمكن لنا أن نبرر ما حدث من غزو ودمار للعراق تحت أية ذريعة أو حجه يبرر بها هذا الغرب اللعين غزوه للعراق  ... لندع الغرب  وللنظر الى ما يحدث في العراق ، هل هناك فهم  يمكن أن نستند عليه لتحليل ما يحدث ؟  وهل ما يحدث حدث نتيجة طبيعة لحركة تاريخ كانت تشكل مسارا معينا لمنظومة فكرية دخلت في جدل وصراع مع واقع معين  أقل ما يقال فيه أنه كان منقسم على ذاته  بفعل تيارات كثيرة كانت ولا تزال  تحكمه؟  ..هل ما يحدث باسم الدين   يمكن له أن يبرِّر   هذه الأحداث التراجيدية  المأساوية ؟  أننا نقتل لأن الله أمرنا بأن نقتل  .. ويمضي التاريخ على هذا النحو من الجنون الذي لا يمكن تبريره في الظاهر. كيف هان الآنسان واستعر القتل الذي  تمت شرعنته تحت مسميات كثيرة ..؟

 يقول لنا هيغل صاحب فلسفة التاريخ. هذه الأحداث كان من الضروري حصولُها لكي ينكشف للناس الطابعُ المرعب للسلفية الوهابية وللسلفية الشيعية  أي للعقل المنغلق ... ثم يكشف لنا الطابع المضاد الذي يتموضع في الطرف المعاكس مباشرة، أي العقل الذي يقوم بردات الفعل إزاء  هذا الجنون  المذهبي ، فيتصرف أيضا بطريقة أكثر انغلاقا  وهنا.. وهنا فقط  يستقيل العقل تماما ، و عندما يستقيل العقل ما الذي يتبقى من التاريخ ؟ أي عندما يتحول العقل الى دوغما .. يصبح الواقع والتاريخ أكثر دوغمائية .

لا بد من العودة الى هيجل قدس الله  سره ... الذي يقول إذا أراد التاريخ أن يتقدم الى الأمام فهو في حاجة الى مثل هذا الأشتباك، فعندما يستقيل العقل المهترئ، لابد أن يولد عقل جديد، ولا بد أن يولد تاريخ  جديد ، فلولا انفجار هذه الأحداث، لما تنبَّه أحد إلى ضرورة النقد ، لكن ليعذرنا هيجل   لقد امسى هذا العقل العراقي  الذي ولد من رحم صدام بين فكرين متناقضين وراح يتراكم عبر مئات السنين الى ان تحول الى عقل مهترئ لا يمكن له أن ينتج غير هذا الصورة القبيحة من الصراع المميت للقبض على حقيقة زائفة. 

وبحسب هيجل .. التاريخ منطقي وعقلاني، حتى عندما يستخدم وسائل لاعقلانية.. في مثال العراق اذن  تفجيرات إرهابية قتل وإرهاب ، من كان سيهتم بنقد العقل الأصولي المنغلق في الجانبين السني والشيعي ، الذي يعتبر نفسه بمثابة حقيقة مطلقة، نقدًا جذريًّا، لولا ذلك الصدام المرعب الذي يتحرك ضمن عدة مستويات  بعد أن تتم تغذيته الاسترجاعية . لكن هل كان على  العراق أن يدفع كل هذا الثمن الغالي دما ودموعا وقتلى بمئات الآف لتستقيم حركته التاريخية ؟   

  إنه يقول أي هيجل  ما معناه: ما من شيء عظيم يتحقق في التاريخ إلا من خلال الصراعات الدموية والأهواء البشرية المتناقضة والهائجة. إنه لوهم ساذج ومغفَّل أن نعتقد بأن البشر يتوصلون إلى الصحيح دون المرور في الخطأ، أو إلى الحق دون المرور في  الباطل، أو إلى النور دون الخبط في دياجير  الظلمات والسيرفي الكهوف المعتمة .

الفرج ليس قريبا في العراق يا سيدنا هيجل  ، إن ما يحدث الآن من تكالب على السلطة من قبل هذه الأحزاب لا يعبر عن ردة فعل حول  ممارست النظام السابق لكن في التحليل العميق هو امتداد بصورة من الصور للممارسة ذاتها لذلك النظام القهري والمتسلط ... كيف ؟

إن وحدة أي مجتمع إنما تقوم بعوامل كثيرة لكن أهمهما هو احترام منطق التعدد داخل هذا المجتمع ثم البناء عليها ومن خلالها ... وهنا  تتحقق الوحدة الاجتماعية... لكن الذي حصل في العراق أن الحكم في عهد صدام  قام على  أساس  اقلية مذهبية حزبية استولت على السلطة و فرضت  إرادتها على الأكثرية.  ثم فشلت في تحقيق الوحدة الاجتماعية   لأن  الدولة تحولت من  آلة إدارية الى  داعية عقيدة ....وعندما  تبنّت عقيدة  معينة، فهي طبيعيا  تفقد ولاء من يعتقدون بغير عقيدتها  .. وظيفة الدولة أن تستوعب تعددية المجتمع من غير أن تطمسها أو أن تُبرز فئة  مهما غلبت  أو قلت عددياً، على سواها. حتى في حال انتماء كل أفراد المجتمع اسمياً إلى مذهب ديني واحد، يجب أن تحقق الدولة وحدة المجتمع على أساس تعدديته بالمعنى الذي يفهم منه أن المجتمع يتكون من عدد من الأفراد  لا من جماعات يختفي فيها دور الفرد ... إن الذي يؤدي الى الانسجام داخل المجتمع هو أن يشعر الفرد يكرامته وحريته ودوره وفاعليته ...أن الوحدة التي تحصل على حساب التعدد هي وحدة تعسفية تُجافي على صعيد الاجتماع البشري، المبادئ والقيم الأساسية لهذا الاجتماع، وهي الحرية والعدالة والمساواة. أما الوحدة المنشودة فهي الوحدة عن طريق أحترام حق الفرد ودوره . وهذا أشبه بوحدة الجوهر أو المعنى وسط تعدد المظاهر. وإذا كان التوصل إلى هذا النوع من الوحدة أشبه بتحقيق المدينة الفاضلة فلا شك أن رقيّ الأنظمة السياسية يقاس باقترابها من هذا المثال.......

ففي العراق، تم تغليب المذهب السنّي على بقية المذاهب، وتم  تغليب  الطبقة الحاكمة. على بقية الطبقات،  وتغليب العرق  العربي  على بقية الأعراق ،  وتغليب حزب واحد هو حزب البعث العربي الاشتراكي على بقية الأحزاب التي لم تتمكن من العمل إلا سرّاً. أنه في نظام كهذا، يغدو القمع سيّد الأحكام، حيث التصفية هي الحل الأقوى في يد السلطة للحفاظ على الوحدة والمؤسف أن بعض ردود الفعل التي يشهدها العراق اليوم تمثِّل تبادلاً للأدوار بين الظالم والمظلوم  ضمن النهج الملتوي عينه .

صدام اذن مارس هذا الدور اراد أن يفرض وحدة المجتمع بالقوة والقهر والاستبداد والظلم والبطش .. فكان طبيعيا أن نشهد أنهر الدماء تسيل في عرض العراق وطوله وكان طبيعيا أن كل من تعرض الى هذا الخوف والظلم والقسر وهذا الجنون أن تكون ردة فعله بعد أن تخلص من هذا كله  بحجم الفعل الذي كان يمارس عليه نفسه، وأن تطال ردة هذا الفعل كل شيء في جنون آخر يمارس دوره  الآن ... ثم تحدث ردة فعل بتجاه معاكس من قبل المظلومين الجدد، وهكذا يأخذ الصراع منحى أشد وأبلغ قسوة  هذه المرة ، خاصة وهو يكتسى بطابع الدين، والمذهب والطائفة والعرق ، فهل يمكن إزاء هذا كله... أن نتحدث عن معنى للتاريخ  أو تصحيح مسار التاريخ في عراق اليوم ؟ وهل يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية حقيقة في العراق تحترم أرادة الفرد  وتطلق حريته وهل مثل هذا الفرد حر بشكل أو بآخر ؟  في العراق  الاختلال تأتى  من الجهة المضادة، أي من التعددية الهائلة التي لا يربطها رابط أو يوحّدها مبدأ معين. كل شيء في العراق تحكمه الطائفية ، و تسيّره الطوائف الى الحد الذي ينعدم فيه  الولاء الوطني  ويعلو الولاء المذهبي فوق كل ما عداه. وهكذا نجد أن الدولة هي نتاج طبيعي وفرز لهذه المذهبية وبما أن الأكثرية المذهبية هي التي تحكم فستتحول الدولة الى دولة داعية للعقيدة مرة أخرى   ....

بالعودة إلى عشيّة ظهورالدولة العراقية  الجديدة  بعد السقوط ، نجد أن الدولة كانت مرآة للتعدد  المذهبي والأثني والعرقي ، بدلاً من أن تكون منارة للوحدة وسياقا للتوحد . وبما أن التعدد من غير وحدة وطنية يؤدي إلى السقوط المدوي ، فقد حصل هذا فعلاً، وكانت أقسى نتائجه هذه التفجيرات التي تحصد العشرات كل يوم والتي لا تزال قائمة وفاعلة ومؤثرة الى غاية هذه اللحظة. من هنا لا أُوافق الذين يكتفون بتسمية هذه الصراع صراع  الآخرين على أرض العراق . صحيح أن هؤلاء  الآخرين ، من أنظمة عربية وغير عربية ، موَّلوا وسلَّحوا ودرَّبوا وحرَّضوا، لكنهم فعلوا هذا كله مع فئات عراقية مع أبناء العراق نفسه ، مستغلّين هذه التعددية المطلقة   مستغلين هذا التنوع الطائفي والمذهبي والعرقي ، وهي التعددية التي لا يربط بين عناصرها رابط  ، لتأجيج التناقض والتنافر والصدام، والسعي   إلى الهيمنة من طرف على طرف ومن مذهب على مذهب ..  .

إنّ مثَل المكتفين بمقولة حرب الآخرين على أرض العراق  يشبه مثَل القائلين بأن لوحاً من الزجاج كُسر لأنّ حجراً أصابه. بديهي أن هذا التفسيرخاطئ. فانكسار الزجاج لا يفسره العامل الخارجي فقط، وهو الحجر، بل يفسره أيضاً، وعلى وجه الخصوص، طبيعة الزجاج الذي اذا اصابته حجر انكسر ...   .

اليوم يجد العراقيون  أنفسهم معلَّقين بين عالمين، أحدهما مات والآخر لم يولد بعد، ويا لها من مأساة عندما يفقد المجتمع توازنه الطبيعي والتاريخي والسياسيي ويتحول الى حالة معلقة بين الرجاء والأمل بين كونه مجتمعا يملك تقليدا تاريخيا وحضاريا وإنسانيا وبين عبث القدر ومرارته .

التحدي هو  : كيف تتحقق الوحدة الوطنية ويضل التعدد موجودا وقائما ؟ كيف يصان هذا التنوع  ويجعل منه  عامل استقرار بدل أن يكون عامل فوضى   وحرب تطل برأسها هنا وهناك في كل حين  ؟ ما هو نموذج الحكم المنشود، الذي تكون فيه الدولة دولة لكل العراقيين ؟ ثمانية شهور بعد الأنتخابات الأخيرة نجحت هذه الفرق والأحزاب الطائفية في الآتفاق على حكومة شراكة وطنية .. اي بعد أخذ ورد وصراع كاد أن يؤدي الى انفجار مدوي في عموم العراق .. كان المخرج لدى الذين يحركون خيوط اللعبة في الخفاء ترحيل الأزمة الى الأمام .. وهنا يكمن خطر كبير..فحكومات الوحدة الوطنية في المجتمعات الطائفية هي حكومات قوننة الأزمات ومقدمات  للأنفجار في المراحل القادمة. وهذا موضوع يطول شرحه 

يال العيب ويال الخسارة عندما يضيع كل شيء في العراق التاريخ والمستقبل والانسان في بلد قدر عليه بفعل حفنة من الموبيئن اللصوص الخارجين عن كل القيم والأعراف والتقاليد وأدنى معاني الكرامة والوطنية الذي لا تربطهم بالعراق سوى مصالحهم الضيقة وارتباطاتهم اللعينة مع كل الطامعين أصحاب المصالح والأجندات من الدول التي استباحت ذمار وشرف وتاريخ العراق وإنسانه.. أن يتحكموا بمصيره ويرسموا قدره ...   

. والمضحك المبكي   في امر هؤلاء  الذين يتشدقون بالانصهار الوطني واللحمة الوطنية  وهم ابعد ما يكون عن ذلك أنه  كيف يتحقق انصهار من هذا النوع ؟

إن مثال الوطن المنشود لا يمكن أن يتحقق قبل إلغاء الأحزاب الطائفية، مع كل امتيازاتها وحساباتها ومحسوبياتهاوأجنداتها وارتباطاتها  لكن كيف يمكن أن يتحقق ذلك كيف يمكن أن يصل المواطن العراقي الى حالة من الوعي التي تجعله يلفظ هؤلاء  الطائفيون الى مزابل التاريخ ؟.. ألا يكفي العراق وإنسان العراق ما عاناه على يد صدام  من بؤس ومرارة ؟ .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !