مواضيع اليوم

على هامش الثورة المصرية. حكماء وسياسيون مفلسون

د.هايل نصر

2011-02-11 18:09:33

0

لقمان الحكيم حكيم من صعيد مصر أخذت عنه الحكمة وضُربت الأمثال بوصاياه. سقراط الفيلسوف الحكيم حكم عليه بالموت بتجرع السم فتجرعه راض. لم يجبن ولم يهرب رغم إتاحة فرصة الهرب له, ليعطي درسا لتلاميذه وللعالم من بعده والى يومنا هذا بان الحكمة تستحق تضحية صاحبها من اجلها.
حكماء مصر المشكلين في لجان تفاوض في أيامنا هذه "لاستقصاء الحقائق" و للتوسط بين شباب ثائر ونظام فاسد, لم يعرف عن أحد منهم الحكمة أو الفلسفة, ولا التضحية إلا بكرامتهم. نسبها إليهم من سيرهم فقبلوها وصدقوها. خانت الحكمة مواقفهم الصامتة على النظام الاستبدادي أو المعبر وخانت مواقفهم العلنية طيلة 30 عاما لا غير.
أي خانتهم الحكمة في صمتهم وفي نطقهم وحركتهم. صمتوا صمت القبور, التي لا يجاورها أحياء. فالصمت موقف. صمت الحكيم موقف يجسده الامتناع عن النطق بحكمة واحدة تقول بان الشعب المصري يعاني من استبداد وقهر. تنتهك حقوقه وحرياته الأساسية. تسرق أموله. يعمل رجال الأعمال (أعمال متخصصة في الجشع والاحتيال) على سلب قوت الشعب ومقدراته سرا وعلنا وتواطأ. ينخر الفساد جسم الدولة ومؤسساتها. تعمل غالبية الشعب ليلا نهارا فقط للحصول على رغيف العيش الحاف. تنام أعداد من الأحياء تقدر بعشرات الآلاف في المقابر في غياب السكن فيبعثون الحياة فيها من جديد ويتساوى الحي والميت. تفقد مصر كرامتها بضياع دورها على الساحة الدولية والعربية وتصبح مجرد تابع للسياسات الأمريكية الحامية للمصالح الإسرائيلية. مع ذلك لم تصدر عن هؤلاء الحكماء حكمة واحدة أو وصية لقمانية أو سقراطية, ليس عن جهل بما يجري أو عدم درايته, فهم لا يعيشون نساكا في صوامع معزولة, وإنما لجبن فيهم. فهل تتفق الحكمة مع الجبن وتبرره؟ الجواب عند الحكيم المصري لقمان والفيلسوف والحكيم الإغريقي سقراط .
مواقفهم المنطوق بها, لا تصب في صالح الشعب بطبيعة الحال, وإنما أولا وأخيرا في صالح النظام المستبد والدكتاتورية المترسخة منذ 30 عاما. مساندة الاستبداد والفساد بالأقوال والأفعال. فهل هذه المساندة والوقوف في أيامنا هذه بشكل خاص وسيطا بينه وبين الثوار, بهدف عدم انهيار النظام القائم على هذه الدعائم أو التقليل من خسائره, يدخل في أبواب الحكمة؟ الجواب عند لقمان الحكيم وسقراط . أما التبرير الانتهازي فعند ميكافيلي في أميره وخلفوه وراءهم.
أما عن كيفية تشكيل لجان الحكماء وإغداق لقب الحكمة عليهم, اثر ثورة شباب مصر والتحاق شعب كامل بهم, فهذا لا يسأل عنه لقمان أو سقراط, وليس عند ميكافلي تبرير مقنع له, وإنما يسأل عنه أساتذة الانتهازية وبهلواني السياسة الذين تجاوزا بعيدا ميكافلي وأميره.
الحكماء ورجال السياسة من الانتهازيين في الأحزاب التي تسمى نفسها معارضة والتي التحقت بالمتظاهرين والمعتصمين, وعجزت طيلة فترة "نضالها" أن تنظم احتجاجا ناجحا أو مظاهرة فعالة, أرادت ليس فقط الاندساس, إلى جانب الحكماء, بين الثوار من الشباب, غير الناضجين بعد !!!, وإنما كذلك الادعاء بحق التعبير عن مطالبهم والتفاوض باسمهم. يشاركهم في ذلك رجال ليسوا من الحكماء وإنما من السياسيين المحترفين وممثلي الأحزاب بأسمائها المختلفة وأساليبها المتشابهة, تفاوض فيه انتحال شخصية صاحب الحق الحقيقي في التفاوض او رفضه. تفاوض مع نظام هم أنفسهم من دعائمه, يحملون عقليته ويعملون بأساليبه. يتنافسون معه فقط على توزيع المقاعد في البرلمان وغيره من المؤسسات.
حكماء وسياسيو هذه الأحزاب جمعوا ألاعيبهم السياسية وذهبوا "مفوضين" عن الشعب الثائر للحوار مع اعتى رجل مخابرات بعقليته التآمرية المعادية لآمال الشعب المصري كونه الأداة الرئيسية في تثبت دعائم الاستبداد في دكتاتورية مبارك باضطهاده للشعب المصري وملاحقة كل من فكر يوما بان يعبر عن الاحتجاج ضده أو مطالبته بالإصلاح.
دخلوا لعبة عمر سليمان المفوض من مبارك وبدأ الجميع يفكرون في إصلاحات ترقيعية لنظام فاسد في جذوره وفروعه, تختلف كليا عما يريده الثوار من إسقاط للنظام بكامله, فطرحوا تعديل بعض مواد الدستور ومحاسبة بعض الفساد والفاسدين وانتقال سلس للسلطة بعد أن يتم مبارك فترة رئاسته واعدا بأنه سيتنازل عن حقه الطبيعي في الرئاسة وان لا يترشح لها, ليس تعففا وإنما عجزا صحيا. وبأن تحال المخالفات التي أدت إلى انتخاب أعضاء البرلمان إلى القضاء. وتعهد رجل المخابرات بشرفه بأنه سوف لا يلاحق الشباب وكل المحتجين أي الشعب بكامله في حال عودة الجميع لبيوتهم والتخلي عن الاحتجاجات والمظاهرات والإضرابات وذلك لبناء مصر لمصلحة مصر كما يراها نظام الاستبداد.
أراد الحكماء وانتهازيو السياسة وبوحي من عمر سليمان, صاحب العقل التآمري المكون في مدارس الاستبداد والمطور لها, أن يخرج رئيسه حسني مبارك على انه بطل مصر الذي أمضى حياته كلها في خدمتها, وانه صانع نصر أكتوبر ـ كذب على التاريخ ـ ولم يشر إلى تفريطه بسيادة مصر وإدخالها ضمن الهيمنة الكاملة لأمريكا, وصداقته لإسرائيل وإخراج مصر من الساحة الدولية كقوة تتلاءم مع عظمتها. ولم يشر إلى ثرواته التي تقدر بحوالي 70 مليار دولار حسب التقارير الدولية لأنها حق له على مصر مقابل خدماته لها. ولكن ما يصعب تبريره ثروات أبنائه وزوجته الذين لم يشاركوا في حرب أكتوبر المجيدة, ولم يقودوها, ولا ثروات أصهاره وأعوانه والفاسدين من رجال الأعمال. هل يستطيع ذهن سليمان التآمري ان يتفتق عن جواب؟.
أردوا تكريم مبارك وإبقائه إلى حين انتهاء ولايته ليخرج مكرما معززا نظرا لما اشرنا إليه, ليخرج رغم كل شيء بطلا قوميا. أرادوا الكذب على الشعب المصري والتلاعب بعواطفه. المارشال الفرنسي بيتان كان عند الفرنسيين بطلا قوميا بحق وحقيقة في الحرب العالمية الأولى, ولكن مواقفه في الحرب العالمية الثانية وتشكيله لحكومة فيشي مبررا ذلك بإنقاذ فرنسا من دمار شامل لم يعفيه من محاكمة له وهو طاعن في السن والحكم عليه بالخيانة العظمى وبالإعدام الذي ألغاه لاحقا الجنرال ديغول, ليس تقديرا لماضي الرجل فهذا الماضي دمره وسوده بنفسه, وإنما مراعاة لسنه وشيخوخته.
وأخيرا هل من الحكمة, يا لجان الحكماء المشكلة خارج معايير الحكمة, ويا أيها الساسة وأصحاب الأحزاب المفلسة فكرا ونضالا ووزنا, أن يتم الالتفاف على ثورة بدأت بالشباب وفتحت آفاق المستقبل والتف شعب بأكمله حولها؟. هل من الحكمة منع نقل مصر إلى القرن الواحد والعشرين؟ والى فتح صفحة في التحول الديمقراطي الذي سينهي الاستبداد وكل الدكتاتوريات في الوطن العربي؟. هل من الحكمة التصدي لحركة التاريخ وتطوره ؟. هل يدخل هذا كله في أبواب الحكمة؟. أليس من الحكمة أن تنزلوا إلى صفوف شعبكم الثائر وتتعلموا من مطالبه كيف يجب أن تُبنى الدول, وان تتشكل الأنظمة السياسية, وكيف يُكوُن الإنسان الحر الذي هو منطلق الثورة وغايتها؟.
د.هايل نصر




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات