تمر مصر وموريتانيا بتجربتين ديموقراطيتين تستحقان المقارنة. قد لا يستصيغ البعض أن نقارن بين مشهدين عرفا مساري تجربتين ديمقراطيتين انتهيتا بانقلاب عسكري في كل حالة، لدواع كثيرة بطبيعة الحال، بل قد يرى البعض أنه من الإجحاف أن نقارن بين التجربة المصرية والتجربة الموريتانية، لكن تدرج الأحداث يوحي بالشبه الكبير بين البدايات فهل يكون الشبه أيضا في المآلات والنهايات؟
لنعود قليلا بالذاكرة الموريتانية لانقلاب العقيد علي ولد محمد فال على الرئيس السابق معاوية ولد الطايع، حينها قرر العقيد علي ولد محمد فال أنه بصدد تسليم السلطة لرئيس منتخب، لم يكن حينها مصطلح الدولة العميقة، لكن هذا ما حدث.
فالمعارض التاريخي لنظام ولد الطايع انهزم أمام مرشح الجنرالات ونظام ولد الطايع المتمثل في الزعامات الحزبية والقبلية الشيخ سيد ولد عبدالله، هذا الأخير أخرج من غيابات الأرشيف أو استقدم من الكويت ليكون مرشح النظام الطيع الهين ضد ولد داداه، غير أن الشيخ العجوز أظهر استقلالية ما أزعجت جنرالات الجيش ومنهم محمد ولد عبد العزيز.
أيامها كان الرجل محاصرا بانتقادات ما سمي بالكتيبة البرلمانية، مجموعة البرلمانيين التي كانت تدعم ولد الطايع ثم انقلبت لتدعم الشيخ ولد سيدي عبدالله، هي بالضرورة لا تدعم إلا ولاءها للأقوى وهو الجيش في هذه الحالة، لكن للمؤسف أن في غمرة العداء كانت المعارضة أيضا تمارس حقها، هذا الحق الذي انقلب إلى باطل حين انقلب الجيش على الشيخ ولد عبالله في ما يسمى بالحركة التصحيحية، على اثر الانقلاب خرج ولد الداده وآخرون ليباركوا فعلة الجنرال ظانين به خيرا.
احتاج الجيش لمباركة المعارضة ولزعيمها للتسويق الخارجي، وأرسل رسائل طمأنينة بأنه غير راغب في السلطة، انطلقت دوامة المحادثات والوساطات لحل الأزمة الموريتانية، كتلة متمسكة بالشرعية وبرئيسها المنتخب وكتلة رضيت بالانقلاب رغبة في مصالحها، تدخل الغرب والأفارقة وانتهت الأمور باتفاق تم بموجبه وضع خارطة طريق كان من أهم بنودها حكومة وطنية تضم الفرقاء وتقوم بالاشراف على انتخابات رئاسية وبرلمانية، تم لهم ذلكن خصوصا المعارض التاريخي ولد داداه، غير أن الذي لم يتم هونجاح الأخير، فالجنرال المنقلب لم ينقلب ليتركها، فاز الجنرال أورئيس الفقراء وفي الجولة الأولى ضد كل الفرقاء والزعماء السياسيين.
هذا حال جنرال موريتانيا، فما بال مصر؟ في مصر قائد جيش انقلب، كما يحلوللبعض هوتدخل لحل الأزمة التي كادت تعصف بالسلم الأهلي في مصر بعد أن شتت شملها الاستقطاب السياسي، أتذكر أنه طالما تحدث عن احترامه للشرعية الدستورية وحياديته، غير أن الإحترام أسفر عن عزل للرئيس وتعطيل للدستور وحل لمجل الشورى والانتصار لطائفة ضد أخرى، خرجت مظاهرات داعمة للجنرال الزعيم، ورغم وجود رئيس مؤقت تم استجلابه، ظل القائد السيسي متصدرا للمشهد، نتذكر أن رسائل وزعت وإن تم تكذيبها عن امكانية ترشح السيسي للرئاسة، حاجة الكثيرين لرئيس عسكري حجة مستقدمة لترشيح السيسي، الاعلام يخدم هذا الترشح وإن لم يتم برسم صورة بطولية للقائد الجديد تضاهي جمال عبدالناصر.
نعود للمقارنة، في موريتانيا طبل المعارض ولد الداده لانقلاب محمد ولد عبد العزيز وشرعنه، حينها كان الاعلام الموريتاني الرسمي يبجله ويقدره، بعيدها وبعيد اتضاح الصورة، تعرض زعيم المعارضة لحملة تشويه غير مسبوقة، في مصر كان البرادعي وجبهة الانقاذ المعارضة للرئيس المنتخب مرسي، اعطت لجبهة شرعية الانقلاب ليصبح ثورة، هلل الاعلام لمواقفها، تم تنصيب البرادعي نائبا للرئيس للشؤون الخارجية لمهمة التسويق الخارجي للانقلاب، حين تعارض المصالح تعرض البرادعي لحملة تشويه من كتائب السيسي الاعلامية.
جنرال وكتائب مدنية، مهووسون بالسلطة يخدعون، تنتصر الدولة العميقة في دولة وتعيد دعائمها، هذا حال موريتانيا، فهل ستنجح التجربة في مصر أيضا؟
غير أن المعارضة في مصر ممثلة في الاخوان وباقي القوى الثورية التي قد تتجه لمعارضة الانقلاب بعد اتضاح الصورة ليست كحالها في موريتانيا، هنا الاختلاف، في موريتانيا الطبقة السياسية هشة تغير ولاءها من حين الى آخر وليست لها شعبية في مجتمع قبلي يحتكم للأشخاص دون إعطاء أهمية لألوانهم السياسية، نذكر فقط بتقلب بعض الاحزاب من صف الشيخ ولد سيدي عبدالله الرئيس المنتخب إلى صف الجنرال محمد ولد عبد العزيز وانتقال أحزاب أخرى من صف المولاة إلى صف المعارضة وهي أحزب تقدمية واسلامية، زد على ذلك أنها الزعامات السياسية هي أيضا زعامات قبلية. هذا ما سهل الأمر على ولد عبد العزيز ليستمر في حكمه بعد الانقلاب والفوز دون مشاكل تذكر.
ماء العينين بوية – المغرب
التعليقات (0)