على مشارف رمضان
ابن كيران(1) تصعقه حقائق عن الدعارة وُضعت على مكتبه
(1) الوزير الأول المغربي
لن نضيف جديدا بالقول أن مهنة بيع الجسد أو الدعارة هي أقدم مهنة في تاريخ البشرية نتيجة ارتباط بين الأحاسيس والشهوة من جهة والمال و القهر من جهة أخرى ، فمنذ القدم كان اللجوء إلى الدعارة إما لجني المال أو ظلما نتيجة الطغيان وممارسة البعض لأبشع صور الاستغلال والتلذذ بإهانة المرأة. وقد أسالت هذه الآفة حبرا كثيرا وبسخاء لتحليل هذه الظاهرة التي استفحلت في مختلف مدن المغرب لحد لم نسمع عن دراسة رسمية أو التفكير في بلورة استراتيجية رسمية وعلنية للتصدي إليها. إنها من القضايا التي مازالت الحكومة تتعمد عدم الحديث عنها وتجاهلها جملة وتفصيلا.
لكن الجديد هو أن رئيس الحكومة، عبد الإله ابن كيران، توصل مؤخرا بتقرير حول نسبة الدعارة بالمجتمع المغربي وخريطة تواجدها. وقد صدم الوزير الأول من هول ما تضمنه التقرير الذي وُضع على مكتبه، وأمر توا تشكيل لجنة خاصة لتعكف على آفة الدعارة بالمغرب.
لا محالة أن الحقائق الصادمة المودعة بين أيدي الوزير الأول تكشف بجلاء بشكل أو بآخر،أن ممتهنات الجنس هنّ، أولا وقبل كل شيء ضحايا لمشروع مجتمعي، سيما في شقه المتمثل في سوء الأوضاع الاجتماعية، وكذلك الرغبة في المرور السريع للثروة والربح السريع.
لم يخف طبعا عن الوزير الأول أن الدعارة – التي تُعد نشاطا غير شرعي من وجهة النظر القانونية والدينية، وأن أي مدينة أو قرية لا تكاد تخلو من ممارسي الدعارة والمستفيدين من انتشارها في ربوع البلاد. كما لا يخفي على الوزير الأول أن الدعارة ظلت تشكل "الحديقة السرية" للمجتمع المغربي. لذا ستبقى تستلزم تلاوين من المعاندات والمقاومات، علما أنه اليوم أضحت "الحديقة السرية" مفتوحة أبوابها على مصراعيها مما أدى إلى التعايش معها بشكل طبيعي جدا.
فهل هذه اللجنة ستسفر حقا عن إعلان رسمي من طرف الحكومة عن الإرادة العلنية، دون لف ولا دوران، للتصدي لآفة الدعارة التي ظل الرسميون يتحاشون حتى الحديث عنها؟
نمط التعاطي الرسمي مع آفة الدعارة
إن هذه الآفة باتت تستدعي اليوم ،أكثر من أي وقت مضى، مقاربة مواطناتية ومقاربة إنسانية شمولية عوض انتهاج استراتيجية التجاهل و"كم من مشكلة قضيناها بتركها" أو الاقتصار على المقاربة الأمنية الموصومة بالمحسوبية والزبونية. فلم يعد ينفع عض الطرف على النفاق الاجتماعي في التعاطي والتعايش مع قطاع اقتصادي غير مهيكل بشبكاته ووسطائه وقوانينه وسوقه وآلياته ومنظومة عرضه وطلبه وأصناف الخدمات التي يروجّها.
وسيظل السؤال الجوهري: من هي الجهة المسؤولة والرسمية المكلفة بتدبير هذه الآفة؟
لا أحد يعرف الآن كيف يجيب على هذا السؤال المركزي، وهذا الامتناع عن الكشف عن هذه الجهة يساهم بشكل كبير في اتساع دوائر وفضاءات آفة الدعارة.
على حسب ما يبدو إلى حد الآن أن الجهات الأمنية هي البارزة في هذا المضمار دون سواها، إذ هي التي تضطلع، بشكل أو بآخر بمهمة الزجر. وبدرجة أقل تظهر بشكل ضبابي، وزارة الصحة في مجال الصحة العمومية، إلا أنها تفضل دفع جمعيات المجتمع المدني لكي تختفي وراءها. ويتم كل هذا في ظل فقدان لأي رؤية، واضحة المعالم ومحددة المقاصد، للتصدي لآفة الدعارة ببلادنا، رؤية تحكمها جرأة الاختيارات كما هو الشأن في مجموعة الدول غير المسلمة مع الأسف الشديد. علما أن هناك نقاش تداول جملة من المقاربات، لكن حكوماتنا مازالت تعتمد سياسة النعامة.
وباستقراء مجمل المعالجات التي تقارب هذه الظاهرة يمكن الوقوف مقاربتين بارزتين، علما أمهما يظلان دون طائل في عياب مقاربة موطناتية إنسانية وشمولية مستنيرة برؤية واضحة دقيقة الأهداف المتوخاة ومحددة الآليات لبلوغها : إنها المقاربة الأمنية والمقاربة التقنينية
إن المقاربة الأمنية هي التي تضطلع بها الأجهزة الأمنية عبر حملات أمنية يتم فيها اعتقال دوري للفاعلين في سوق الدعارة، وهي المقاربة التي دأب القيّمين على الأمور على اعتمادها. إذا كان من الصعب تقييم حصيلة هذه المقاربة ونتائجها بطريقة علمية دقيقة اعتبارا لغياب معطيات مرقمة عن الحملات و المستهدفين بها، فإننا لن نخشى مجانبة الحقيقة بالجزم أن هذه المقاربة أذدت فشلها وعدم جدواها، بل أكثرمن هذا، ففي بعض جوانبها ساهمت في انتشار الظاهرة عوض انحصارها كما قد يتنادر إلى الدهن. فلم نتمكن بعد من وضع اليد على رؤية –إن وُجدت- تندرج فيها هذه المقاربة المعتمدة والأهداف التي تروم تحقيقها، فلا وجود فلحد الآن لتقارير منجزات رسمية ولا لأي إشارة لإحصائيات رسمية موثوق بها غرار ما يحصل – على علته- بخصوص المخدرات والهجرة غير الشرعية مثلا، اللتان تحظيا باستراتيجيات معلنة وتنشر بعض الإحصائيات الدورية الخاصة بها وهذا يسهل متابعة جهود الدولة في محاربتها.
فلازال من الصعب على المرء فهم الرؤية التي تؤطر المقاربة الأمنية المعتمدة في التصدي لانتشار الدعارة ببلادنا في ظل سياسة التعتيم التي تفرضها السلطات على المعلومات الخاصة بهذه الآفة. وهذا ما يدفع إلى الشك المريب بخصوص هذه المقاربة.
أما بخصوص مقاربة تقنين الدعارة، فإنها لازالت تصدر فقط عن بعض فعاليات ومؤسسات المجتمع المدني، استنادا على اعتمادها من قبل بعض الدول الغربية منها والإسلامية.
وترتكز هذه المقاربة، التي تعرف لفظا واضحا في مجتمعنا، على اعتبار مفاده أن تقنين الدعارة يسهم في إبراز الظاهرة إلى العلن والاعتراف بها والتعايش معها وتنظيمها للتحكم فيها. كما أنها (أي المقاربة) ستجعل من سوق الدعارة قطاعا مندمجا في الاقتصاد الوطني مدرا للضرائب ومسهما في الرواج التجاري وتراكم الثروة الوطنية.وهذا من شأنه – حسب المتحمسين لهكذا مقاربة- التحكم في آفة الدعارة التي أضحت واقعا معاشا ببلادنا، كدا المساهمة في منع امتدادها الخفي إلى جميع أرجاء الوطن. هذا في وقت اعتمدت دول اشتهرت بالدفاع عن الحرية الجنسية مقاربة المنع، ومن هذه الدول السويد التي أقرت قانون مكافحة الدعارة منذ سنة 1999 والذي يقضي بمعاقبة الزبائن أكثر من معاقبة العاهرات أنفسهن .وكذلك الأمر بالنسبة لهولندا التي جرّبت مقاربة التقنين،وبعد أن اتضح لها أن تقنين الدعارة لم يوقف الضرر ضد المرأة بل على عكس الأهداف التي سعت إلى تحقيقها مقاربة التقنين فشلت فشلا ذريعا في الحد من الاتجار والاستغلال الجنسي للمرأة، وقد خلصت في نهاية المطاف إلى أن تقنين الدعارة لن يوقف الاستغلال الجنسي للمرأة، بقدر ما سيجعله مرئيا بعد ما كان خفيا، وقانونيا بعد ما كان مجرّما. وتوجهت الحكومة الفرنسية السابقة نحو إيجاد كافة الوسائل التي تساهم في الحد من الدعارة في فرنسا، كما أن عدة أحزاب فرنسية سبق لها أن طالبت بـإلغاء الدعارة في فرنسا من أجل الوصول إلى مجتمع بعيد عن ممارسة الدعارة وخال منها .
علاوة للمقاربتين السالفتين هناك المقاربة الشمولي.وهي المقاربة التي يدافع عنها نشطاء
الحركة الإسلامية وبعض مكونات المجتمع المدني. وترتكز هذه المقاربة الشمولية على خمسة أبعاد أساسية: وهي البعد الإنساني و البعد الديني و البعد الاقتصادي والاجتماعي و البعد القانوني و البعد الأمني.
على الصعيد الإنساني تقوم المقاربة الشاملة على تكريم الإنسان وتحصينه من جميع ألوان العبودية والاستغلال ويقوم البعد الديني على تحريم العلاقات الجنسية غير الشرعية خارج مؤسسة الزواج. في حين يقوم البعد الاقتصادي والاجتماعي على إدماج المرأة في التنمية ومحاربة الفقر والتهميش وكل العوامل التي تغذي هذه ظاهرة الدعارة، ويترجم هذا البعد في سياسة اقتصادية ذات بعد اجتماعي واضح.
أما البعد القانوني، فيرتكز على منظومة وترسانة قانونية حازمة توفر الحماية الضرورية للمرأة من الاستغلال الجنسي، وتستهدف المتورطين في السوق الدعارة وتِؤمّن عدم إفلاتهم من المساءلة والعقاب. وبخصوص البعد الأمني، عليه أن يقوم على حملات منتظمة وفق استراتيجية واضحة وشفافة تساعد على مزيد من فهم أسباب هذه الظاهرة وتضع الأولويات المناسبة لمعالجتها والتصدي لها .
وعلى الرغم من شمول هذه المقاربة وإيجابيتها الواضحة للعيان، مازال القيّمون على الأمور لا يولونها أي اهتمام، وهناك أمل كبير في حكومة ابن كيران العمل على الدفع لاعتمادها، رغم أن هناك شكوك كبيرة بهذا الخصوص بفعل اللوبيات القوية المستفيدة من تجارة الجنس ببلادنا.
التعايش مع الآفة والنفاق الاجتماعي
لقد تغير الواقع اليوم إذ أصبحت الدعارة من بين الأعمال غير المشروعة لكن تحظى بنوع القبول الكبير في المجتمع و الشارع العمومي.
تحضرني مقولة كتبها عبد الرحيم العطري في إحدى بحوثه الميدانية عن الدعارة، " (...) في مثل هذه الفضاءات ( أماكن البغاء) يتحطم السابق من الطروح, وينكشف الزيف وتبدو الحقيقة من غير مساحيق!... فبالرغم من كل هذا الذي رقد طويلا أو قصيرا في الذاكرة، ستظل الدعارة "فعلا إنسانيا" له أسبابه ونتائجه، التي تفضح إفلاسنا المجتمعي!".
إن الطريقة السائدة في التعامل مع الدعارة بمجتمعنا تعكس بامتياز أحد التجليات البارزة لظاهرة الانفصام في التعامل مع الظواهر المشينة التي مازالت تستفحل في المجتمع.
وقد أقرّ المقرئ الإدريسي أبو زيد، القيادي في العدالة والتنمية، إن هناك مفارقة تسِمُ الوضع المغربي اتجاه الأعراف المُجافية للقانون والمُناقضة للشريعة الإسلامية، وتتمثل في كوننا ننهج سياسة النعامة من خلال دفن رؤوسنا في الرمال، فنقول إننا مسلمون والقانون يمنع الأمور المخالفة مثل الدعارة.
فهناك تواطؤ اجتماعي مع الدعارة ، فهل الأمر بات يتعلق بتحولات قيمية في مجتمعنا؟ أم أن الظروف والتحولات التي عرفتها سوق الجنس أضحت تفرض على المجتمع سياقا خاصا وممارسات معينة رغم مناقضتها للقيم والخلفية الدينية؟
ففي الظاهر يبدو أن هناك تفهم من طرف المجتمع بأن وراء انتشار الدعارة واتساع فضاءاتها تكمن جملة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وأضحى النظر إلى عاملات الجنس بنوع من "الإنسانية" لكنها نظرة لا تلغي الرفض. وعموما أصبح التعايش مع هذه "المهنة" قائما بفعل الأمر الواقع أراد من أراد وكره من كره.
الدراسات... لازالت جزئية ومحدودة
ظلت الدراسات التي همت مجال الدعارة بالمغرب محدودة وجزئية ومناسباتية وكلها صادر عن جهات غير حكومية، غالبا ما تستند على عينات بشرية أو مجالية أو جانب من جوانب الظاهرة.
ومن تلك الدراسات دراسة، أنجزتها المنظمة الأفريقية لمكافحة السيدا في المغرب، اهتمت بفترة الانتظار بين استكمال الدراسة والحصول على وظيفة، والتي تعدّ من الأسباب التي تدفع الفتيات إلى ممارسة الدعاة في المغرب ويدفع ببعض الطالبات إلى بيع أجسادهن من أجل الحصول على المال الكافي لسد حاجياتهن الحيوية. وشملت 500 امرأة من عاملات الجنس. وخلصت إلى أنّ العاملات في الدعارة بالمغرب لا تشكلن مجموعة متجانسة حيث أنّ خصائصهن تختلف سواء على مستوى التعليم أو الفئات العمرية والأوساط الاجتماعية والجغرافية ، وأنّ الوضع الاجتماعي ،سيما الفقر، يلعب دورا مهما في قيادة الفتيات إلى هذا المصير زيادة على الأمية.
بيّنت الدراسة أنّ نسبة 32 بالمائة من اللواتي شملتهن الدراسة لم تدخلن المدارس البتة، لكنّ المفارقة أيضا أنّ نسبة 21 بالمائة من العاملات في هذا الميدان أيضا دخلن الجامعات وحصل بعضهن على شهادات علمية مرموقة. ومن المفارقات التي خلصت إليها الدراسة أنّ 13 بالمائة من الفتيات المتعاطين للدعارة مازلن عازبات عذراوات. ومن اللافت في الدراسة أنّ ما نسبته 60 بالمائة من المستجوبات صرّحن إنّهم مارسن الجنس للمرة الأولى بين سني التاسعة والخامسة عشرة، كما أنّ 32 بالمائة قلن إنّهن مارسن أو تعرضن لعملية جنسية بين السادسة والخامسة عشرة من العمر.
عموما لازالت هناك معيقات تحول دون القيام بدراسة شاملة حول الدعارة ببلادنا، والتي – رغم انفضاحها في واضحة النهار وانتشارها في كل مكان- مازالت تشكل طابوها بفعل التواطؤ، بل وأحيانا كثيرة بفعل الضحك على الذقون.
فهناك العديد من المنظمات والجمعيات تعمل في المجال، لكنها تصادف صعوبات جمة في إعداد دراسات علمية ودقيقة في الموضوع بفعل أياد خفية وازنة.
ماذا تقول الأرقام؟
رغم أنه من الصعب وضع اليد على أرقام وإحصائيات رسمية مصدرها جهات رسمية إلا أنه هناك أكثر من مؤشر رقمي تراكم على امتداد سنوات يوشي بوضوح استمرار تفشي هذه الآفة ببلادنا.
مع الأسف الشديد إن أغلب الأرقام المعلن عنها مازالت تأتينا من الخارج في ظل صمت الدوائر الحكومية عن هذه الآفة. فقد كشف أكثر من تقرير أممي أن بلادنا ظلت تحتل رتبة متقدمة في العالم العربي بخصوص الدعارة. وقد ذهب تقرير2009 إلى القول إن عدد المشتبه في تورطهم في شبكات الاتجار بالبشر في المغرب بلغ خلال الفترة الممتدة ما بين 2003 و2006 ما مجموعه 57 مشتبها، 31 منهم من الرجال و26 نساء، وأشار إلى أن مجموع المغاربة المشتبه في تورطهم في شبكات الاتجار بالبشر في هولندا بلغ 37 مشتبها ما بين 2001 و 2005. كما صنف تقرير أمريكي المغرب ضمن الدول المتقدمة في تصدير الدعارة إلى الخارج، وأشار هذا التقرير الذي صدر نهاية سنة 2008 إلى أن المغرب أصبح مصدرا أساسيا لتجارة النساء ومعبرا مهما للشبكات المشتغلة في هذه التجارة، وأبرز التقرير خريطة الاتجار في المغربيات في العالم، فقد ذكر حصول عمليات لجلب الفتيات والنساء المغربيات لاستغلالهن في الدعارة بدول مثل السعودية وقطر وسوريا وعمان والبحرين والإمارات وتركيا وقبرص وعدد من الدول الأوروبية، وعزا التقرير انتشار هذه التجارة في المغرب إلى أن المغرب لا يؤمن لمواطنيه الحماية الكافية من شبكات تهريب البشر، وأنه يفتقر إلى نظام قانوني فعال وحازم في مواجهة الاتجار في البشر في الدعارة، ووضع ميكانيزمات لحماية ضحايا هذا الاستغلال.
على أن هذه الحقيقة لم تعد التقارير الدولية وحدها تقر بها، وإنما أكدتها أيضا تقارير وطنية شبه رسمية ، إذ كشفت دراسة أنجزتها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج سنة 2008 أن نصف نسبة النساء التي تصل إلى 70 في المائة من أصل 13 ألف مغربي، سافرن إلى هذا البلد عن طريق شبكات الدعارة، وأقرت الدراسة وجود نفس الحالة في دول إفريقية مثل ساحل العاج والسنغال التي يعيش بها 15 في المائة من المغربيات من مجموع المغاربة، في أجواء من العبودية؛ فضلا عن ممارستهن للدعارة.
قد تكون الأسباب المغذية لهذه الظاهرة واحدة، فالأوضاع الاجتماعية المأزومة والفقر والتهميش، تظل نفس العوامل التي تفسر انتشار ظاهرة الدعارة في الداخل وامتدادها إلى الخارج بفعل الشبكات التي استغلت الأوضاع المجتمعية لكثير من الفتيات في المغرب، ونصبت عليهن ورحلتهن إلى الدول الخليجية بعقود عمل لوظائف وهمية (حلاقة، فن، خدمات فندقية...)، لقذفهن على حين غرّة، في آخر المطاف، في قلب سوق الدعارة.
تبين عملية التقاطع بين الأرقام المتوفرة – على نذرتها وبعض التحقيقات والدراسات الجزئية أن هنا وهناك :
- أكثر من 13 بالمائة من عاملات الجنس لا زلن عازبات عذراوات
- 60 بالمائة مارسن الجنس لأول مرة بين سني التاسعة والخامسة عشرة، أي في فترة كنّ فيها قاصرات، بما يوشي أن هناك استغلال وتغرير
- 32 بالمائة مارسن الجنس أو تعرضن لعملية جنسية بين السادسة والخامسة عشرة
- 4 بالمائة من نساء متزوجات يمارسن الدعارة مقابل المال
- ما يناهز 46 بالمائة من العاملات في هذا الميدان لا تستخدمن الواقيات الجنسية
- 39 بالمائة من الممارسات لم تدخلن المدرسة قط
- أكثر من 60 بالمائة من الشكاوي التي يتلقاها مرصد حقوق الطفل تتعلق باعتداءات جنسية
- أكثر من 40 بالمائة من ممتهنات الدعارة مطلقات وهذا يحيلنا على الإشكالات الاجتماعية
- أكثر من 80 بالمائة من حالات الإصابة بالسيدا حصلت عن طريق الاتصال الجنسي خارج النطاق الشرعي. علما أن آفة السيدا سائرة أكثر نحو التأنيث حيث انتقلت النسبة من 26 بالمائة إلى أكثر من 45 بالمائة سنة 2021 .
السياحة واستفحال الدعارة
لم يعد يخفى على أحد أن ظاهرة الدعارة بجميع ألوانها (دعارة الشواطئ، دعارة القاصرين، الدعارة الراقية، الاستغلال الجنسي للأطفال) تستفحل أكثر مع المواسم السياحية، كما تلعب السياحة الجنسية الدور الأكبر في تنشيط سوق الجنس عندنا. وقد كشفت القضايا التي عُرضت على المحاكم حجم الدور الذي تقوم به السياحة الجنسية في تنامي هذه الظاهرة. فعلى سبيل الاستئناس، يكفي تتبع الصحافة بهذا الخصوص في قضايا تورط فيها خليجيين وغربيين. ففي صيف 2009، على سبيل المثال لا الحصر، نظرت غرفة الجنح التلبسية بالمحكمة الابتدائية بمراكش في قضية دعارة بين خليجيين و3 فتيات مغربيات ومتعة الخليجيين بالسراح المؤقت وأداء غرامة مالية قدرها 5000 درهم، وفي أكادير،وفي نفس الفترة، اعتقلت النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية مسير فندق ، وثلاثة مكلفين بالاستقبال، فيما أفرجت عن 25 شخصا من بينهم 11 فتاة وأجنبيين، بكفالة مالية تراوحت ما بين 2000 و3000 درهم لكل واحد، وذلك من أجل تهمة إعداد محل عمومي للدعارة، واستقبال أشخاص يتعاطون الفساد والتستر عليه، وأخذ نصيب مما يتحصل الغير عليه عن طريق البغاء والخيانة الزوجية. والمتأمل في التساهل الذي تتعامل به السلطات مع الأجانب الضالعين في هذه الأنشطة المشبوهة وكذا الأحكام الصادرة في حق الفتيات المتورطات في شبكات الدعارة يكشف السر في اطراد هذه الظاهرة وتضاعفها ما دامت المحاكم المغربية لا تصدر أحكاما قاسية في حق هؤلاء؛ تكون عبرة لغيرهم ممن يتوجهون إلى المغرب من أجل الاستغلال الجنسي لنسائه وفتياته وتشويه سمعة الوطن.
أسباب الانتشار
فإن توحدت أساليب امتهان تجارة الأجساد والمتعة، فإن الطرق المؤدية إلى حدوثها تختلف باختلاف المتعاطين والمدمنين على ممارستها، سواء تعلق الأمر بالدعارة الراقية أو الشعبية، إلا أن هناك عوامل،تبدو "هيكلية ومستدامة" ظلت تساعد على استمرار هذه الظاهرة "الآفة" التي يجد فيها الزبناء غاياتهم ، ولعل أبرز هذه العوامل، "الوسيطة" أو "القوادة" بالمفهوم الشعبي المتداول، والتي تعتبر حاليا رحى تجارة الجنس ببلادنا.
فمن الأسباب الرئيسية التي وقفت عليها الحقائق الصادمة الموضوعة بين أيدي الوزير الأول، أن المجتمع يظل المتهم رقم 1 في تفريخ ممتهني وممتهنات الدعارة ببلادنا.
كما أقرت تلك الحقائق بما لا يدع مجالا للشك، أن ظاهرة الدعارة خرجت من دائرة السرية إلى دائرة العلنية، إلى حد أنها أضحت نمطا من الأعمال له مجالاته وفضاءاته وممتهنين ووسائط وسوق خاصة به وحامين وآليات وأعراف.
الوساطة حلقة محورية، إنها رحى انتشار الآفة
بحكم العادات الاجتماعية وتكاثر الزبناء والحملات الأمنية الموسمية كان لا زاما أن تولد "وظيفة الوسيطة" في سوق الجنس. ومهمتها تسخير الفتيات والنساء وتسهل عمليات الممارسة الجنسية لأنها تمتلك خيوط وخبايا الدعارة فهي غالبا ما تكون سيدة لها باع طويل في هذا المجال حيت تمتلك شقة أو منزلا بداخله عدد من العاهرات، أم أنها تتوفر على أجندة أرقام تلفونات تفي بالغرض لتسهيل الغرض،أو تقبع بإحدى المقاهي ومن هناك تدير نشاطها.
أضحت "وظيفة الوسيطة" ا أكثر حرفية وتنظيما وتبحث عن فتيات لم يسبق لهن أن مارسن الدعارة حيث تنصب شباكها أمام المؤسسات التعليمية والملاهي الليلية و الفضاءات العامة لاستدراج الفتيات وإغرائهن.
في الآونة الأخيرة صارت الوسيطة بعد تضييق الخناق على الدعارة في عدد من المدن تعمد إلى تغيير نمط الحرفة ككراء شقق ومنازل لزبناء همهم البحث عن اللذة بعد أن تكون صاحبة الشقة أو المنزل على تواصل مع عدد من المومسات ، حيث تبادر الزبون إن كانت له رغبة في المكوث رفقة فتاة أو سيدة، فهي تمتلك أجندة تتضمن أرقامهن الهاتفية لأنها في النهاية ستحصل على نصيبها من الكعكة. وخوفا من انفضاح أمرهن تعمد عدة متزوجات إلى دخول عالم الدعارة عن طريق الوسيطة او القوادة.
لقد وشك على الاندثار ذاك الانطباع الذي كانت المخيلة الشعبية ترسمه عن "وسيطات الدعارة" في مظهر عجائز ومسنات يقبعن أمام منازلهن وينادين المارة لإشباع نزواتهم، أو يجمعن حولهن داخل بيوتهن فتيات شبه عاريات وتوزعهن على الزبائن بعد أداء ثمن الخدمة. هذا هو نمط "القوادة" الذي كان سائدا من قبل، وهو النمط كان أي يبسط نفوذه في أوكار الدعارة التقليدية ببلادنا بمدن خنيفرة، الكاموني، الحاجب، الخميسات، تيفلت والكارة والجديدة ومولاي بوشعيب" بأزمور وغيرها. ومع تضييق السلطات الأمنية الخناق على "تجارة الجسد والمتعة"، ابتكرت بعض النساء وسائل أخرى في لعب دور الوساطة.
لقد أضحت ظاهرة الوساطة في سوق الدعارة ورما خبيثا يتفشى في المجتمع و يسري بسرعة قصوى في مختلف أحياء ودروب المدن. ورغم الحملات الأمنية والتطهيرية الموسمية والمتقطعة لبثر هذه الظاهرة لازال هناك الكثير من التقصير والارتجال في كبح ممتهني الوساطة الذين أضحوا يختفون خلف صفات عديدة ومتباينة في مختلف فضاءات المدن، كالحدائق العمومية، المحطات الطرقية، محطات القطار،أماكن وقوف حافلات النقل الحضري ، أمام المستشفيات، في الشواطئ، المقاهي وغير ذلك من الأمكنة التي يكثر فيها الاختلاط.
سوق الدعارة
دأب عالم الأنثروبولوجيا شكيب جسوس على التأكيد أن عدد المومسات ظل يعرف تزايد متواصلا، وأن الدعارة ظلت تخترق جميع الفئات الاجتماعية في مجتمعنا، كما أنها (الدعارة) لم تعد مرتبطة بالفقر كما كان في السابق. وبالتالي لا عجب، يقول عالم الأنثروبولوجيا، أن تشكل الدعارة سوقا تعرف رواجا، في الرخاء والأزمة، مادام هناك استمرارية للعرض والطلب في بيئة اجتماعية لا تسمح بعلاقات جنسية خارج مؤسسة الزواج، لقد أضحى البغاء أحد الوسائل المضمونة لزيادة الدخل.
وقد سبق لإحدى القنوات الإسبانية ( أنتينا تريس ) أن سوق السياحة للقاصرين ببلادنا تذر على لوبياتها ما يفوق 200 مليون أورو، أي أكثر من 2،2 مليار درهم. ولم يعد تخفى على أحد أن للسياحة الجنسية ارتباط مباشر بالظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي تعيشها بعض الأسر، إذ تلجأ العديد من الفتيات إلى ممارسة الدعارة كبديل في غياب كل الوسائل الشريفة التي تكفل العيش الكريم؛ ورغم وجود قوانين زجرية تعاقب ممارسي الدعارة، فإن ذلك لم يفدْ في شيء بسبب انتشار الفقر والبطالة وعجز السلطات عن توفير المتطلبات الأساسية لآلاف المواطنين الذين يرزحون تحت نير الفقر المدقع.
يكاد يكون هناك إجماع المتتبعين أن رقم معاملات سوق الجنس أضحت تحتل المرتبة الثالثة في سلم الثروات غير المشروعة بعد الفساد والمخدرات.
ومع توافد السياح العرب اتسعت دائرة الدعارة الراقية ونمى سوقها عندما وصلت أسعاره أرقاما خيالية لم يسبق لها مثيل.
واليوم يمثل سوق الجنس إحدى القطاعات الحيوية للاقتصاد غير المهيكل يذر أموالا طائلة غير خاضعة للضرائب، على امتداد أصنافها:
- الدعارة الشعبية أو دعارة "القاع"
- دعارة الفئات المتوسطة
- دعارة 5 نجوم.
دعارة حاملات الشواهد العليا
ما أن يرخي الليل سدوله حتى تبدأ حركة غير عادية على طول الشوارع المؤدية والآتية من الأحياء الجامعية وتثيرك سيارات آخر طراز تجوب المكان ذهابا وجيئة
فتتراى لك طالبات مثنى مثنى أو ثلاث ، تحسبهن للوهلة الأولى أنهن خرجن من إقاماتهن الجامعية للشم الهواء والترويح عن النفس والابتعاد ولو للحظة عن روتين الجامعة وضغط الدراسة لكن هيهات لو كان القصد ذاك. تستقرن بالشارع لعل زبون يسقط في الشباك لينعم الجمع بليلة حمراء يكون افتتاحها في علبة ليلية أو شقة على نشوة كؤؤس الخمر و تبادل القبل يليها الختم بعد أن تلتف الساق بالساق ، كل ذلك مقابل مبلغ قد يصل إلى 500 درهم وقد يتضاعف أضعاف ذلك إذا كان الزبون من أثرياء.
أحيانا تبتدئ الليالي الصاخبة في شقق معدة سلفا لذلك أبطالها رجال أعمال وموظفون واطر بشركات مع طالبات أرسلن للتحصيل والمثابرة فصرن عاملات الجنس موسميات. من الطالبات من تقبل على الدعارة من اجل المتعة ومنهن من تبتغي المال وراء كل ممارسة جنسية مدعيات أن المنحة الدراسية غير كافية لتغطية كل الحاجيات من ملبس ومأكل واقتناء لوازم دراسية ومنهن من وقعت فريسة لشبكات الدعارة المنظمة التي تتخذ من الجامعات فضاء لنشاطاتها فصارت رقما لا يمكن الاستغناء بعد أن وجدت نفسها داخل محيط لا يعنيه إلا الجنس في سوق هيكلت إطارها وقوانينها الخاصة.
دعارة نساء علية القوم
هناك زوجات مسؤلين وموظفين كبار لسن بمنأى عن تعاطي الدعارة . فمنهن من تسعى إلى تنظيم سهرات خاصة تضم سيدات علية القوم مع شباب يستقدم خصيصا لتلبية رغباتهن . فإذا كانت عاملات الجنس بعض يمارسن الدعارة بهدف الحصول على المال فإن هؤلاء النسوة من علية القوم زوجات يمارسنها وينفقن على أخلائهن أموالا باهظة ويمطروهم بهدايا قيمة حيت غالبا ما يكون هؤلاء الشباب من الطبقات الفقيرة أو المحدودة الدخل وأحيانا يتم اللقاء في فنادق رفيعة المستوى أو داخل شقق تكتريها السيدة خصيصا لهذه الغاية.
تعتبر هؤلاء النساء أن إقدامهن على اتخاذ شريك ثاني يعود إلى أسباب منها جفاء المعاشرة مع أزواجهم أو الغياب المتكرر عن بيت الزوجية أو الممارسة والجنس السريع وهو أمر غير مرغوب فيه ومكروه لدى النساء لأنه لا يلبي لهن رغبتهن ولا يوصلهن إلى الرعشة الكبرى المتوخاة.
حتى الأطفال لم يسلموا
يبدو أن استغلال الأطفال جنسيا لم يعد من الطابوهات المسكوت عنها بحكم أن الظاهرة اتخذت أبعادا خطيرة وتفاقمت بشكل مضطرد في السنوات الأخيرة بعد الصيحات المتعالية والمتتالية لجمعية " ما تقيش ولدي" التي نصبت نفسها مدافعا عن براءة الأطفال . الظاهرة لم تعد مقتصرة على الجاني المحلي بل تعدته إلى ابعد من ذلك بعد توافد زبناء من وراء الحدود والبحار على بلادنا همهم الوحيد إشباع نزواتهم وممارسة شذوذهم على حساب أطفال قاصرين. و يكون هذا الاستغلال أكثر مرارة وإيلاما عندما يتعلق بالأقارب أو احد أفراد العائلة وغير مقبول عندما يعمد الأب إلى ممارسة ساديته على أبنائه أو تكون المدرسة هي الفضاء الذي يتم فيه اغتصاب الأطفال واستغلالهم جنسيا من طرف الأطر الإدارية أو المدرسون أو الأعوان.
التعليقات (0)