على مذهبك
ألقت حلقة سيلفي في ثالث أيام رمضان حجراً بماء ليس براكد , فنزعت الغشاوة وأشعلت شمعة الحقيقة وأيقضت النفس من سٌباتها , مشكلة التسامح والتعايش والتعددية ليست في الأفراد بل في الشخصيات الدينية التي تظن بنفسها ظنون حسنة وترى نفسها بعينٍ لا مثيل لها ولسان حالها يقول أنتٍ مالكةٌ للحقيقة كابرٍ عن كابر , وظيفة الفنون تسليط الضوء على قضايا المجتمع وإستهداف مكامن الخلل والخطاء وهذا ما جاهدت لأجله تلك الحلقة المٌثيرة في الشخصيات والأسماء والقضية والهدف , المعضلة الحقيقية كامنة في التشدد والتطرف الذي لم يترك للأفراد خياراً أخر , الصراعات السياسية والتراثيات والمرويات وإستدعاء التاريخ ومحاولة إسقاطه على الواقع وتصفية الحسابات القديمة عوامل جعلت المجتمع الواحد يعيش على صفيح ساخن , التطرف السٌني يقابله تطرف شيعي تطرف يؤثر في المجتمع ويتأثر بما حوله من ملفات وقضايا شائكة ومٌعقدة, ذلك التطرف يدعمه ويخرجه من كينونته شخصيات جاهلة تٌمارس التجهيل وتنشر الغباء وتزرع بذور الفتنة والإختلاف السلبي عبر تبنيها خطاب إيديولوجي متعصب لا يؤمن بالأخر ولا يؤمن بالحرية والتعددية والقيم المشتركة , الإيديولوجيا لا تتسع لأحد مهما كانت ومهما حاول المؤمنون بها تجميلها , الأيديولوجيا أياَ كانت عبارة عن بيئة حاضنة للفيروسات ومرض ينخر الجسد وعقول مٌعطلة ومنطقٌ خاملٌ كامن , المجتمع العربي والخليجي والسعودي على وجه الخصوص ليس بحاجة لتلك الإيديولوجيا الضيقة بل بحاجة لوعي ومعرفة وتنوير وتعددية وتعايش وتسامح , المعضلة الحقيقية هي فيما يٌسمى بالفقيه وهو عكس ذلك , فالوطن العربي غنيٌ بحفاظ الفقه ووعاظ القول وفقيرٌ وخاليٌ من الفقهاء الحقيقيون !
الفقيه يٌراجع يٌرشد لا يٌلزم أحداً برأيه يحترم مختلف الأراء ولا يضعها بخانة الخطر حتى وإن كانت ضد رأيه عكس الحافظ الناقل المٌسمى مجازاً بالفقيه ينقل يستخدم عصى التأويل يمنةً ويسره يتعصب وينتهك الأراء ويٌصنفها بما يوافق هوا ويٌقدم فكرته على أنها صواباً لا شك فيه !.
الشخصيات الدينية الناقلة الحافظة سنية كانت أم شيعية هي الخطر وهي الكارثة وهي القنبلة المؤقوته وهي سبب البلاء العظيم الذي تعيشه المجتمعات لأنها وببساطه تضع عقلها وعينيها وحواسها بالماضي وتٌسلم بكل مافي الماضي من أراء وأحداث وتستميت في محاولات تطبيقها في الحاضر بأي شكلٍ من الأشكال ! , تلك الشخصيات الوعظية النقلية اللسانية الغير عقلية والغير منطقية دخلت على السياسة فأفسدتها بأراء وتحليلات غبية ودخلت على المجتمع الأمن المطمئن فحولت سكونه لصراع وتسامحه لجفاء وإنسانيته لتوحش وبساطته لتكلف وتقبله للأراء لتنافر وتباغض وشك وريبة وحولت حياته السوية لحياة أشبه ما تكون بحياة الوحوش كل جنس ينظر للأخر بعين الشك والريبة والخوف , لم يسلم منها شيء حتى القيم والمشتركات الإنسانية أصبحت نسياً منسيا بسلطة النص النقلي والرأي الشخصي الذي لا جدال فيه ؟
الفقيه والواعظ الحقيقي يعيش وسط المجتمع مطمئناً داعياً للسلام مؤمناً بالتعددية والتسامح والتعايش يدعو للقيم والمشتركات الإنسانية بين المذاهب والطوائف يتجنب المناكفات وينشر الطمأنينة يضع نصب عينيه حقيقة هذا الكون "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " تلك الحقيقة وقاعدة الحياة السوية "الوطن للجميع والدين لله " ليستا ضرباً من الخيال فدولة البشير الهادي "محمد عليه الصلاة والسلام " أحتضنت الجميع أعراقاً وأديان مختلفة , المجتمعات ليس بحاجة لمن يقول تلك الحقيقة بل بحاجة لمن يعمل بها ويدعو لتفعيلها على أرض الواقع بلا شكٍ أو ريبة أو خوفٍ أو وجل , الواعظ والفقيه الحقيقي من يدعو لتفعيل تلك الحقيقة ويدعو للمواطنة الغير مٌقيدة بمذهبٍ أو فكرٍ أو منطقةٍ أو إنتماء ضيق لا قيمة له , الفقية الحقيقي والواعظ لا يتعصب لأي طرف مهما كانت قوته وسطوته ولا ينقل المجتمعات من حاضرهم لماضي قديم لا دخل لهم فيه بل يأخذ الماضي عبرةً ويستشرف المستقبل ويدعو المجتمعات للإنطلاق نحو تحقيق الغاية الربانية عمارة الأرض .
التعليقات (0)