على دراج بعلبك

تعرف جيدا كيف تدغدغ مشاعري "حجزت لك ولابنتك لين بطاقات لحضور ايام صلاح الدين في بعلبك"
لم اسمع غير كلمة" في بعلبك "لأوافقها واشكرها على دعوتها لي ولابنتي لحضور مهرجانات بعلبك..ومع انتهاء المكالمة بين دبي وطرابلس ظهرت عواميد بعلبك الستة امامي وصوت فيروز " يا قلبي لا تتعب قلبك بحبك على طول بحبك بتروح كتير وبتغيب كتير وبترجع عا دراج بعلبك"...
سأرجع الى دراج بعلبك سأزور عواميدها واشهد على مهرجاناتها "لما صباح ووديع الصافي بيغنوا ببعلبك وديع بيهد عواميد بعلبك بصوتو وصباح بترجع توقف العواميد وتقومن" لا اذكر من ردد هذا الكلام ولكني حفظته عن ظهر قلب لقد رافق طفولتي وشاركني مراهقتي عندما كانت مدينة الشمس بعيدة جدا عن مدينتي طرابلس بعد العاصمة بيروت التي كنا يوما نسلكها من طريق الارز بعلبك فنمضي سبع ساعات على طرقات قطعت اوصالها ايادي الحرب السوداء..
يومها كان صوت البارود اقوى من صوت المهرجانات ,هو ذلك الصوت الاجش القاتل الذي لا يعرف الغناء لكنه يهد كل شيء....علت الابتسامة وجهي ايام معدودة وأجلس على دراج بعلبك واستمتع بصوت فيروز ,ووديع الصافي وصباح ونصري شمس الدين ....مات نصري ,وصباح تطاردها الاشاعات وفيروز لم تعد تغني في بعلبك ووديع لا اعرف عنه شيئا..بسيطة المهم ان ابنتي ستشاهد عواميد مدينة الشمس الصامدة وانا سأحقق حلم الطفولة واجلس على دراج بعلبك واحضر مهرجاناتها واعود الى مدينتي طرابلس ولن تغلق طريقي ايادي الحرب السوداء.
بعد سندويش لبنة في شتورة بطاقة المرور الى بعلبك جاءت محطة الباصات : عليكم بالسير خمسمائة متر مشيا على الاقدام للوصول الى موقع المهرجان ...نترجل وفجأة اشد على يد ابنتي ...اريدها ان تلتصق بي اخبرها عن المدينة تسألني عن صور السياسيين التي تزين شوارعها وتقارنها بصور سياسيين مرفوعة في طرابلس ....اهرب من السؤال واشد يدها بقوة وكأنني لا اشعر بطمأنينة ..هل اخاف وانا في مدينة الشمس هل اقلق من عواميدها الشامخة ومعبدها الروماني...تسال صغيرتي عن العواميد الستة والمعابد الثلاثة واتساءل انا عن المعرض الحزبي الذي يتوسط مدخل المهرجان ..تجد ابنتي اجوبة لاسئلتها واحتفظ انا باجوبة اسئلتي لنفسي..تفلت يدي وتركض باتجاه العواميد الستة تريد ان ترى السابع المكسور ...وانا اريد ان ارى بعلبك واقفة لا شيء فيها مكسور ...
لماذا تختلف المدن في بلد واحد فترفع كل منها صور فئوية ؟ولماذا تختلف المهرجانات في بلد واحد فتعرض على ابوابها اعمال حزبية فئوية ؟
يمنعها مسؤول في تنظيم المهرجان من الاقتراب ويسمح لغيرها من الاقتراب , تحترم هي كلامه ولا يحترم غيرها كلامه ..اطلب منه السماح لها فيرفض ويتجاهله غيرنا فلا يعترضهم..نلتقط الصور نعانق الاعمدة ثم نجلس في مفاعدنا ننتظر ساعة ونصف الساعة بعد الموعد المحدد في البطاقة ليطل علينا العمل المسرحي...نصفق لصلاح الدين كلنا نحب صلاح الدين هو بطل تحرير القدس هو المنتصر على الغرب هو القائد المتسامح والمحب .... لكن اين نصري؟ لماذا لا يهد وديع عواميد بعلبك وصباح بترجع توقف العواميد وتقومن ..اين فيروز لماذا لم ترجع على دراج بعلبك...اعذرني صلاح الدين لم اكن معك في مسرحيتك ..كنت ابحث عن العامود السابع والمعرض الحزبي وصور المدينة ...حملت ابنتي على المدرج لتكتشف موقع العامود السابع الساقط ..ارتاحت هي فما تعلمته في المدرسة هو حقيقي وواقعي رأته بأم العين..ستة عواميد شامخة وواحد سقط ارضا.. اما انا فلم ارتاح فما شاهدته في مدينة الشمس هو حقيقي وواقعي رأيته بأم العين فهل تغلق طريقي من جديد ايادي الحرب السوداء؟