عجبي على هذا الكرسي الذي يعمي الجالسين عليه..
بل عجبي على الأشخاص الذين تغيرهم الكراسي...
ترى هل هي شخصيتهم الحقيقية..أم أن الكرسي يتقمصهم ليكون هو المتحكم وهو المسيطر..
كيف لمن قضى سنوات طويلة في مقارعة نظام قمعي أن يبدء بالسير على نفس خطى من أنتقدهم ما أن يحل محلهم؟؟
تساؤلات طرحناها يوم زور النظام الأيراني نتائج الإنتخابات وقمع شعبه..وطرحناها حينما تحدثنا عن الثورات في بلدان العالم الثالث التي تستبدل دكتاتورا بآخر..
تساؤلات نحن مجبرون على طرحها اليوم مجددا ونحن نسمع ما لايسر من الأجراءات الحكومية.
فيوما بعد يوم تزداد تصرفات الحكومة العراقية تخبطا وقمعية..
بعد حظر التجوال والدعوة الحكومية لعدم التظاهر وإتهام المتظاهرين بأنهم بعثيون ومن أتباع القاعدة..وبعد ضرب المتظاهرين وتفريقهم وأعتقال الصحفيين في أكثر من مدينة عراقية..
نفاجأ الآن بتصرف قمعي جديد من الحكومة "المنتخبة" يتمثل في مداهمة مقار الحزب الشيوعي وصحيفة طريق الشعب وحزب الأمة العراقية وأمهالهم 24 ساعة لأخلاء المقار قبل أن يتوسط رئيس الجمهورية لجعل المهلة أسبوعا (هذه ربما الفائدة الوحيدة لمنصب رئيس الجمهورية!!!!)..
بالطبع ستكون الحجة أن الحزبين يشغلان مقرا حكوميا متناسين أن كل أحزاب السلطة تشغل مبانيا حكومية وأن الحزبين يشغلان هذه المواقع منذ التحرير وحتى الآن فما الذي أستجد؟؟
ولماذا لايطبق السيد رئيس الوزراء القانون على حزبه والأحزاب المشاركة في الحكومة أولا ليقتدي بهم الآخرون بعيدا عن وثائق الأيجار الهزيلة التي تظهر أن حزب الدعوة يستأجر مقره الحالي في مطار المثنى ببغداد بأربعمائة الف دينار عراقي سنويا(330 دولار تقريبا) لاغير!!!
ثم لماذا تم أختيار هذا التوقيت حصرا ولماذا هذين الحزبين فقط؟؟
أيضا لماذا لايصار الى أرجاع مقرات الحزب الشيوعي التي صادرها البعث في السبعينيات ولم تعاد لأصحابها حتى الآن؟؟
ما جرى بالأمس يجرنا الى أستحضار سلسلة طويلة من الممارسات التي درجت عليها الحكومة لاتختلف كثيرا عن ممارسات البعث البائد..
فمن تفضيل منتسبي الأحزاب الحاكمة في التوظيف في المؤسسات الحكومية (ان لم يكن حصرها بهم أحيانا) وصولا الى أغلاق مقرات أحزاب عارضت الحكومة مرورا بأتخاذ قرارات تحد من الحريات العامة والخاصة (كمنع المظاهرات والتضييق عليها والقرارات الهزيلة لمحافظي البصرة وبابل ورئيس مجلس محافظة بغداد بأغلاق النوادي ومعاقبي من تضبط بحوزته مشروبات كحولية ومحاربة أقامة الكثير من الفعاليات الثقافية كما جرى في مهرجان بابل ومهرجان الأغنية الريفية) وغيرها من الأجراءات التي أستندت الى قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل بعد أن أطلق صدام حسين حملته "الأيمانية"..تتواصل الخطوات الحكومية الراجعة الى الوراء بأتجاه الشمولية والتسلط..
الغريب أننا كثيرا ما تحدثنا عن ضرورة الأتعاظ مما جرى في تونس ومصر حيث لم ينفع السلطة أفراد أمنها وقوات شرطتها ولم يحمها حتى الجيش من غضب الشعب الذي تضاعف أثر الأجراءات التعسفية التي أتخذت بحق المحتجين والغريب أن كل نظام يعيد نفس أخطاء سلفه بالضبط من دون أن يتعظ مما جرى..والأسوء أن حكومتنا المنتخبة والتي ما كان لها أن تصل السلطة لولا تصويت الشعب لها (رغم كل مآخذنا على التوافقية الترقيعية التي تم وفقها تشكيل الحكومة) قامت بنفس تلك الأجراءات ما أن اراد الشعب ممارسة أحد حقوقه الدستورية للتعبير عن أستياءه وغضبه من الفساد الأداري وسوء الخدمات وهدر المال العام لتبدء سلسلة أجراءات كان أولها حظر البث المباشر من مواقع التظاهر لتتبعه بحظر تجول طال في بعض المناطق حتى الأفراد حسبما أفاد الكثير من الأصدقاء قبل أن يوجه رئيس الوزراء كلمة للعراقين يتهم فيها منظمي المظاهرات بأنهم من أنصار البعث والقاعدة ووصل الأمر ذروته حين تدخلت العناصر الأمنية لتفريق المظاهرات بالقوة رغم أن المتظاهرين لم يمثلوا أي تهديد أمني للدولة..
لقد رأت الحكومة في المظاهرة خطر قد يعيد العراق الى الفوضى أو حتى الدكتاتورية..بينما الوقائع على الأرض تقول أن الحكومة هي من يحاول أحياء البعث من خلال هذه السلوكيات العدوانية تجاه ثلة من أبناء الشعب لاتطالب إلا بحقوق أساسية..
سيدي رئيس الوزراء...إذا لم يكن صدرك يتسع لمن يعارض حكومتك فعليك أن لاتجرب تشكيل حكومة في بلد فيه شئ من الديمقراطية...فالعراقيون يوم تحرير بلادهم فرحوا ليس فقط لخلاصهم من صدام (الشخص) بل لخلاصهم من الحكم القمعي الشمولي الذي أذاقهم الويلات طيلة 35 عاما...وهم غير مستعدين دولة الرئيس لأستبدال طاغية بآخر أو حزب قائد بحزب قائد آخر..
إذا كان العرب قد تخلصوا من خوفهم اليوم فالعراقيون قد تخلصوا منه منذ ثماني سنوات...
وإذا أنتخبت دولة الرئيس لأحراز أنجاز أمني ضد المليشيات فتذكر أنك تحالفت اليوم مع قادة تلك المليشيات لتضمن بقاءك في منصبك اليوم وضربت بعرض الحائط أصوات من أنتخبوك تنكيلا بهم..
تذكر أيضا أن الخطر على العراق ليس مصدره الشباب المطالب بحقوقه ولا المثقفين المطالبين بوقف أنتهاك الحريات ولا الشيوعيين المسالمين الذين وقفوا مع الحكومة حتى عندما لم يكونوا ضمنها..كما أن الخطر بكل تأكيد لا يتأتى من حزب الأمة ومثال الآلوسي الذي قدم نجليه شهيدين على مذبح الحرية..
بكل تأكيد كل من سبق ذكرهم هم ممن يؤمنون بالعراق الموحد الديمقراطي الذي يحترم جميع أبناءه..
ليس منهم سارق أو مرتي أو قاتل يسعى لنيل الحصانة البرلمانية ليحتمي بها من الملاحقة القانونية...
ليس فيهم سيدي من يتلقى تمويلا من وراء الحدود الشرقية أو الغربية للعراق...
ليس فيهم من يملك مليشيات أو من يقيم سيطرات قتل على الهوية...
وليس فيهم أيضا من تعاقد على أستيراد الشاي التالف أو أجهزة كشف المتفجرات التي تصرون على أستخدامها حتى اليوم رغم أعتراف مصنعيها أنفسهم بفشلها...
ليس من بينهم سيدي أسماء مثل (عدنان الدليمي أو عبدالفلاح السوداني أو خضير الخزاعي أو محمد الدايني أو حاكم الزاملي)...
فالأسماء أعلاه سيدي منتمية لكتل وأحزاب تعمل منظوية في تشكيلة الحكومة الحالية (حكومة الثلاث وأربعين وزارة)
إذن من أين يجب أن تبدء سيدي؟؟
دولة الرئيس...عليك أن تعيد حساباتك وتفكر بحكمة وموضوعية...وبسرعة لأن عقارب الساعة لاتعود الى الوراء أبدا..وحينما تتخذ قرارا في الأوقات الحرجة لن يكون هناك من مجال للتراجع...
أنت إذن سيدي أمام خيارين لا ثالث لهما..
الأول أحترام أرادة الشعب والقيام بأصلاحات جذرية تبدء من ترشيق السلطة التنفيذية المتخمة بالوزراء ونواب الرئيس ورئيس الوزراء وعشرات من المستشارين غير الكفوئين مرورا بتخفيض رواتب ومخصصات ذوي الدرجات الخاصة وتفعيل الرقابة على الأداء الحكومي والأنفاق وصولا إلى أصلاح قانون الأنتخابات وسن قانون الأحزاب وإجراء التعديلات الدستورية لسد الثغرات التي تسببت بكثير من الأشكاليات حتى الآن وإجراء أنتخابات محلية مبكرة بعد أن أثبتت جميع المجالس تقريبا فشلها في عملها طوال عامين.
أما الخيار الثاني سيدي فهو المضي بسياسة القمع وترهيب الأعلام والأحزاب وصم الآذان عن سماع مطالب الشعب وغض النظر عن الفساد وحينها سوف تطالكم النار وهو ما لانتمناه ولانتمنى حدوثه رغم أن لادليل حتى الآن يشير الى أبتعادكم عنه...
ولاتنس دولة الرئيس أن عقارب الساعة تسير بإتجاه واحد فقط.
التعليقات (0)