مواضيع اليوم

على أبوب عام جديد2012

د.هايل نصر

2011-12-25 09:44:29

0

في نهاية عام  2010 , ومن اليأس العربي, طرحنا تساؤلات منها إن كان سيشهد عام 2011 معجزة. وتساءلنا عن إمكانية ولادة  هذه المعجزة في وطننا العربي, خاصة ونحن كشرقيين وعرب نؤمن بالإعجاز والمعجزات.
فور دخول القادم الجديد حيز النفاذ في الزمان والمكان جاء الجواب بنعم. وكانت بداية ولادة المعجزة, قيصرية في عيون من لا يحسنون قراءة التاريخ, وطبيعية حسب منطق الأشياء والتاريخ. بداية كان كسر حاجز الخوف إرهاصاتها الأولى,  فتقمصت المعجزة شعوبا مردة شابة, أصلها عربي كردي بربري. دينها كل الأديان. وجوهرها الإنسان. تواجدها في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا, إلى الآن, وسيمتد ويمتد إلى كل مكان, ودائما حسب منطق الأشياء والتاريخ. شعوب مردة قالت للطغاة كفى, فأرعبت من أرتعب منهم فهرب. وألقت طريحا على ظهره, حضوريا, أمام محكمة الشعب من تفرعن دهرا  وتكبر وتجبر. وقتلت مجنونا أحمق أرعن تجسد فيه الطغيان بشكل مهزلة ونكتة غير عصرية. وأحرقت آخر مراوغ أحمق قبلي الهوى والتفكير, تفلسف بعد إدراكه بحس العاجز و بأنه لم يعد صالح السابق, ولم يعد صالحا لأية مسؤولية, تذكر حينها رأس الذئب المقطوع فأعلن واعظا, وكأنه غير معني "من يتشبث بالسلطة اعتبره مجنونا". ومع ذلك ما زال هناك من لا يعتبر رغم العبر, ولم يتعظ بغيره, ولا برأس الذئب المقطوع.
المعجزة المتقمصة شعوبا عربية كردية. دينها كل الأديان, وجوهرها الإنسان. أسقطت, فيما أسقطت, "نضالات" تجار الدين الذين جعلوا من الوعظ  تعاويذ حماية, وتقية وقاية, والتمسح بالسلاطين أصل  من أصول الدين. و سخُفت اديولوجيات  ونظريات وايديولوجيين, ومنظرين و"مفكرين" متخذين من فنون الكلام حرفة, ومن حرتقات سياسية فتوحات دونجوانية,  وهم من لم يستطيعوا بفذلكاتهم خلال عقود , تغيير أمر, أو اقتلاع شعرة واحدة  من راس الطغيان.
المعجزة تفجرت في الساحات والشوارع وميادين التحرير من سيدي بوزيد إلى ميادين مصر وكل مدنها وقراها. إلى بنغازي وطول ليبيا وعرضها. إلى صنعاء وعدن والمدن والقرى اليمينية, يا لروعة ثوار اليمن. نسيت أنها قبلية حين خرجت تطلب الحرية والديمقراطية. يا لرجالها ونسائها, يا لروعة كرمان المتوكل ورفاقها ورفيقاتها.
سيسجل عام 2011 قبل الرحيل, بان شرفاء التغيير من الشباب وصناع الثورة أصبحوا في غالبيتهم خارج الثورة المصادرة من قبل المتسلقين على جدرانها, مذكرا بأن الثورات  عبر التاريخ كان يصنعها الثوار. وكانت أحيانا تأكل أبناءها من الثوار, وأحيانا أخرى تأكلهم ثورات مضادة.
سيسجل عام 2011   للتاريخ السوري صفحة مجد وفيها أنه كان عام الشهداء من اجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. عام شعب ثائر أدهش العالم ببسالته وتضحياته: آلاف الشهداء, بينهم أطفال وشيوخ ونساء. عشرات آلاف المعتقلين وعشرات آلاف المضطهدين والمفقودين, والشعب صامد يهتف حرية للأبد. ومع ذلك لا ينسى أن يسجل بين قوسين, وبخط مائل, مواقف تخاذل فئات من هذا الشعب نفسه, تراوحت بين صمت جبان, وتبرير أكثر جبنا,  وتبرئة القاتل من القتل. سيجل  كم كانت صفيقة ادعاءاتهم بالوطنية عندما غلّبوا عليها مصالحهم الاقتصادية وتجارتهم المزدهرة  على حساب الدماء السورية.
وسيسجل, وبخط عريض, هذه المرة بدون فتح أقواس,  كم هي ذليلة وجبانة مواقف شبيحة, معممون أو دون عمائم, "مثقفون" أوأميون,  باعوا رخيصا تاريخ  وبطولات أجدادهم  وتضحياتهم بأرخص الأثمان, تاريخا لم يصنعوه ولم يفهموه, ومع ذلك أهانوه وأخزوه. وكم كانت كاذبة ادعاءاتهم بالتضحية لتحرير الجولان, والاستماتة من اجل تحرير فلسطين كل فلسطين, حسب شعاراتهم الثورية. ولكن التساؤل الكبير كيف لمن يقتل أخوه في المواطنة والجنسية والهوية, أو يرضى له القتل, لمن يسكت على قتله, جبنا, أو يبيعه لقاتله لمصالح مادية, الادعاء بأنه  مقاومة وممانعة وتحرير, ويطالب المقتول أن يعترف بان قتله كان لقضية قومية, وقطع طريق على مؤامرة كونية؟.
سيجل عام 2011 وهو في أيامه الأخيرة مواقف معارضات باهتة بمراوغة وفنون "نضال" فاشل أثبتت العقود الأربعة الماضية عجزها وانتهازيتها, ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في إطالة عمر النظام,  تريد اليوم ليس مساندة الثورة,  وإنما ادعائها لنفسها وركوب موجتها,  وتوجيه دفتها,  وبناء أمجاد زائفة  لهم على دماء الشهداء. وتضحيات الأبطال في ساحات النضال, بصدورهم العارية إلا من الإيمان بعدالة مطالبهم.
سيسجل عام 2011 وهو في أيامه الأخيرة نذالة المواقف العربية الرسمية المعبر عنها, هروبا, باسم الجامعة العربية. وبرودة  أمينها العام الدبلوماسي المخضرم  المتحرك آليا, الذي  لا يرى في الإهانات الموجهة له ولمبادراته ومناوراته  إلا مجرد رذاذ مطر يُمسح عن الوجه دون ترك اثر. أمين يتشبث بملف يعلم  علم اليقين, بحكم التجربة, انه اكبر بما لا يقاس من قامته وقدرته وإمكاناته, ومقدرة وإمكانات من خلفه المتخبطين بمشاكلهم في دولهم ( إلى أن بلغت المهزلة والاستخفاف ذروته بتوسيط المالكي لحل القضية!!. يا للعجب العجاب أصبح المالكي هو الحل!! يا لتعاسة المخضرمين في دهاليز الانتهازية!!!).
سيسجل عام 2011 وهو في أيامه الأخيرة, أن العربي متعهد الملف السوري, بتوصية من سموهم ومعاليهم وفخامتهم, يرى في الملف كما يرون, مجرد تقارير وأوراق. مرافعات ومرافعات مضادة. اقتراحات وتعديلات وتوصيات.  مهل يتطلبها "تعلم السباحة" لاصطياد "التفاصيل". مراوغات ومساومات. عُميت أبصارهم عن رؤية وإدراك أن القضية قضية شعب ثار على قمع عقود, ونزيف دماء لم ينقطع يوما منذ عقود, وان اختلفت مناسبات وأماكن وتواريخ سفكها. أبصار لم تر, ولا تريد أن ترى, ما في الملف ــ المُتشبّثة به عبثا يد العربي المرتجفة إلا هنا ــ  من جرائم سياسية وجرائم  قانون عام, وجرائم ضد الإنسانية, كما صنفها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المطالب بإحالته, إلى محكمة الجنايات الدولية.
سيسجل عام 2011 في نهاية أيامه تخاذل فئات من الشعوب العربية وخاصة منها في الدول التي قامت بالتخلص من طغاتها, وتلك المتواجدة في المهاجر غير مكترثة, أو المكترثة ولكن بخفر وحياء لا يشبه في شيء خفر العذراء. ومواقف بعض المثقفين العرب ممن غاصوا في بحور الثقافة إلى الأعماق وغرقوا غرق الجاهل في كوب ماء.
سيسجل عام 2011, في آخر أيامه, الانتهازية الرسمية الغربية التي تصل إلى التواطؤ سكوتا, والشراكة حين تتحرك المصالح الاقتصادية. وكم  تصبح رخيصة حقوق الإنسان حين لا يكون الإنسان غربيا. وكم هي صريحة وجرئيه روسيا والصين في تحديهما للحق والحقيقة, وتبرير القتل والجريمة. وكم هما منسجمتان مع تاريخهما في حقوق الإنسان.
وبما أن  المعجزة  لا تلد من الأرحام دفعة واحدة  كالأحياء, و إنما بالتتابع, ولادات تعقبها وتكملها ولادات , فقد ترك العام الماضي الولود, عام التحول في التاريخ العربي, ترك للعام القادم   2012, وللقادم بعده  من الأعوام  إكمال المهام,  لكنس من تبقى من رؤوس وذيول الطغاة والطغيان. وبناء الدولة الديمقراطية دولة القانون وحقوق الإنسان والمؤسسات, التي قد تخضع في المراحل الانتقالية, لصعود وهبوط وتعثر وتصحيح مسار. ولكن أن يعود المارد إلى قمقمه كما كان, ويعود الطغاة سلاطين في الأوطان, فهذا معجزة المعجزات. 
د.هايل نصر.   

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات